التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

{ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ } أى : كأن هؤلاء القوم الظالمين ، لم يقيموا فى ديارهم عمرا طويلا وهم فى رخاء من عيشهم .

{ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ } أى : ألا إن هؤلاء الظالمين من قبيلة ثمود ، كفروا نعمة ربهم وجحودها ؛ ألا بعداً وسحقاً وهلاكاً لهؤلاء المجرمين من قبيلة ثمود .

وفى تكرار حرف التنبيه { ألا } وتكرار لفظ { ثمود } تأكيد لطردهم من رحمة الله ، وتسجيل لما ارتكبوه من منكرات .

وبذلك انطوت صفحة أولئك الظالمين من قوم صالح - عليه السلام - كما انطوت من قبلهم صحائف قوم نوح وهود - عليهما السلام - .

ومن أبرز العبر والعظات التى نأخذها من قصة صالح مع قومه كما وردت فى هذه السورة الكريمة : أن النفوس إذا انطمست ، والعقول إذا انتكست ، تعجب مما لا عجب فيه ؛ وتستنكر ما هو حق وصدق ، وتسئ ظنها بالشخص الذى كان بالأمس القريب موضع رجائها وثقتها ، لأنه أتاهم بما لم يألفوه . . . حتى ولو كان ما أتاهم به فيه سعادتهم وهدايتهم . . .

فصالح - عليه السلام - كان مرجوا فى قومه قبل أن يكون نبياً ، فلما صار نبياً وبلغهم ما أرسله الله به ، خاب أملهم فيه ، وساء ظنهم به ، وجاهروه بالعداوة والعصيان . . . مع أنه أتاهم بما يسعدهم . . .

وصدق الله إذ يقول : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرشد لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } هذا ، وقد وردت أحاديث تصرح بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد مر على ديار ثمود وهو فى طريقه إلى غزوة تبوك .

ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن ابن عمر قال : " لما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحجر قال : لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين ، فإن لم تكونوا باكين ، فلا تدخلوا عليهم ، لئلا يصيبكم ما أصابهم . ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى جاوزوا الوادى " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

50

ثم يعرض السياق مشهدهم ، معجبا منهم ، ومن سرعة زوالهم :

( كأن لم يغنوا فيها ) . .

كأن لم يقيموا ويتمتعوا . . وإنه لمشهد مؤثر ، وإنها للمسة مثيرة ، والمشهد معروض ، وما بين الحياة والموت - بعد أن يكون - إلا لمحة كومضة العين ، وإذا الحياة كلها شريط سريع . كأن لم يغنوا فيها . . .

ثم الخاتمة المعهودة في هذه السورة : تسجيل الذنب ، وتشييع اللعنة ، وانطواء الصفحة من الواقع ومن الذكرى :

( ألا إن ثمود كفروا ربهم . ألا بعدا لثمود ! ) . .

/خ68

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يقول : كأن لم يعيشوا فيها ، ولم يعمروا بها . كما :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها كأن لم يعيشوا فيها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، مثله .

وقد بيّنا ذلك فيما مضى بشواهده فأغني ذلك عن إعادته .

وقوله : ألا أنّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبّهُمْ يقول : ألا إن ثمود كفروا بآيات ربهم فجحدوها . ألا بُعْدا لِثَمُودَ يقول : ألا أبعد الله ثمود لنزول العذاب بهم .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَآ إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُواْ رَبَّهُمۡۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّثَمُودَ} (68)

معنى { كأنْ لم يغنوا فيها } كأن لم يقيموا .

وتقدّم شعيب في الأعراف .

وقرأ الجمهور « ألا إنّ ثموداً » بالتنوين على اعتبار ثمود اسم جَدّ الأمة . وقرأه حمزة ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، بدون تنوين على اعتباره اسماً للأمّة أو القبيلة . وهما طريقتان مشهورتان للعرب في أسماء القبائل المسمّاة بأسماء الأجداد الأعلين .

وتقدّم الكلام على { بُعداً } في قصة نوح { وقيل بعداً للقوم الظالمين } [ هود : 44 ] .