التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

والفاء فى قوله - تعالى - : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ . . } لتفصيل ما يترتب على العرض والحساب من جزاء .

والمراد بكتابة : ما سجلته الملائكة عليه من أعمال فى الدنيا ، والمراد بيمينه : يده اليمنى ، لأن من يعطى كتابه بيده اليمنى ، يكون هذا الإعطاء دليلا على فوزه ونجاته من العذاب .

والعرب يذكرون التناول باليمين ، على أنه كناية عن الاهتمام بالشئ المأخوذ ، وعن الاعتزاز به ، ومنه قول الشاعر :

إذا ما راية رفعت لمجد . . . تلقاها عرابة باليمين

وجملة { فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ } جواب " أما " - ولفظ " هاؤم " هنا :

اسم فعل أمر . بمعنى : خذوا ، والهاء فى قوله " كتابية وحسابيهْ " وما ماثلهما للسكت ، والأصل كتابى وحسابى فأدخلت عليهما هاء السكت لكى تظهر فتحة الياء .

والمعنى فى هذا اليوم يعرض كل إنسان للحساب والجزاء ، ويؤتى كل فرد كتاب أعماله ، فأما من أعطى كتاب أعماله بيمينه ، على سبيل التبشير والتكريم ، { فَيَقُولُ } على سبيل البهجة والسرور لكل من يهمه أن يقول له : { هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ } أى : هذا هو كتابى فخذوه واقرءوه فإنكم ستجدونه مشتملا على الإِكرام لى ، وتبشيرى بالفوز الذى هو نهاية آمالى ، ومحط رجائى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

وبعدئذ يعرض مشهد الناجين والمعذبين ، كأنه حاضر تراه العيون . .

( فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول : هاؤم اقرأوا كتابيه ، إني ظننت أني ملاق حسابيه . . فهو في عيشة راضية . في جنة عالية . قطوفها دانية . كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ) .

وأخذ الكتاب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر قد يكون حقيقة مادية ، وقد يكون تمثيلا لغويا جاريا على اصطلاحات اللغة العربية من تعبيرهم عن وجهة الخير باليمين ووجهة الشر بالشمال أو من وراء الظهر . . وسواء كان هذا أو ذاك فالمدلول واحد ، وهو لا يستدعي جدلا يضيع فيه جلال الموقف !

والمشهد المعروض هو مشهد الناجي في ذلك اليوم العصيب ، وهو ينطلق في فرحة غامرة ، بين الجموع الحاشدة ، تملأ الفرحة جوانحه ، وتغلبه على لسانه ، فيهتف : هاؤم اقرؤوا كتابيه . . ثم يذكر في بهجة أنه لم يكن يصدق أنه ناج ، بل كان يتوقع أن يناقش الحساب . . " ومن نوقش الحساب عذب " كما جاء في الأثر : عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " من نوقش الحساب عذب " فقلت : أليس يقول الله تعالى : ( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا )فقال : " إنما ذلك العرض وليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك " .

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا بشر بن مطر الواسطي ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عاصم ، عن الأحول ، عن أبي عثمان ، قال : المؤمن يعطى كتابه بيمينه في ستر من الله ، فيقرأ سيئاته ، فكلما قرأ سيئة تغير لونه ، حتى يمر بحسناته فيقرؤها فيرجع إليه لونه ، ثم ينظر فإذا سيئاته قد بدلت حسنات . قال : فعند ذلك يقول : هاؤم اقرؤوا كتابيه .

وروى عن عبد الله بن حنظلة - غسيل الملائكة - قال : إن الله يوقف عبده يوم القيامة فيبدي - أي يظهر - سيئاته في ظهر صحيفته ، فيقول له : أنت عملت هذا ? فيقول : نعم أي رب ! فيقول له : إني لم أفضحك به ، وإني قد غفرت لك . فيقول عند ذلك : هاؤم اقرؤوا كتابيه . إني ظننت أني ملاق حسابيه .

وفي الصحيح من حديث ابن عمر حين سئل عن النجوى ، فقال : " سمعت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يقول : " يدني الله العبد يوم القيامة ، فيقرره بذنوبه كلها ، حتى إذا رأى أنه قد هلك قال الله تعالى : إني سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه . وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد : هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين " . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَآؤُمُ اقْرَؤُاْ كِتَابيَهْ * إِنّي ظَنَنتُ أَنّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } .

يقول تعالى ذكره : فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه ، فيقول تعالى اقْرءَوُا كِتَابِيَهْ ، كما :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ قال : تعالوا .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كان بعض أهل العلم يقول : وجدت أكيس الناس من قال : هاؤُمُ اقْرَءُوا كِتابِيَهْ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ} (19)

الفاء تفصيل لما يتضمنه { تُعرضون } [ الحاقة : 18 ] إذ العرض عرض للحساب والجزاء فإيتاء الكتاب هو إيقاف كل واحد على صحيفة أعمال . و ( أمَّا ) حرف تفصيل وشرطٍ وهو يفيد مفاد ( مَهْمَا يكن من شيء ) ، والمعنى : مهما يكن عَرْض { مَن أوتي كتابه بيمينه . . . فهو في عيشة راضية } ، وشأن الفاء الرَّابطة لجوابها أن يفصل بينها وبين ( أما ) بجُزء من جملة الجواب أو بشيء من متعلقات الجواب مهتَم به لأنهم لما التزموا حذف فعل الشرط لاندماجه في مدلول ( أما ) كرهوا اتصال فاء الجواب بأداة الشرط ففصلوا بينهما بفاصل تحسيناً لصورة الكلام ، فقوله : { من أوتي كتابه بيمينه } أصله صدر جملة الجواب ، وهو مبتدأ خبره { فيَقول هاؤم اقرأوا كتابيه } كما سيأتي .

ودل قوله : { فأما من أوتي كتابه بيمينه } على كلام محذوف للإِيجاز تقديره فيؤتى كلُّ أحد كتابَ أعماله ، فأما من أوتي كتابه إلخ على طريقة قوله تعالى : { أنْ اضربْ بعصاك البحرَ فانفلق } [ الشعراء : 63 ] .

والباء في قوله : { بيمينه } للمصاحبة أو بمعنى ( في ) .

وإيتاء الكتاب باليمين علامة على أنه إيتاء كرامة وتبشير ، والعرب يذكرون التناول باليمين كناية عن الاهتمام بالمأخوذ والاعتزاز به ، قال الشمَّاخ :

إذا مَا رايةٌ رُفِعَتْ لمجد *** تلقّاها عَرابة باليمين

وقال تعالى : { وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود } الآية [ الواقعة : 2728 ] ثم قال : { وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم } الآية [ الواقعة : 4142 ] .

وجملة { فيقول هَاؤُم اقروا كتابِيْه } جواب شرط ( أمَّا ) وهو مغن عن خبر المبتدأ ، وهذا القوْل قول ذي بهجة وحُبور يبعثان على إطْلاع الناس على ما في كتاب أعماله من جزاء في مقام الاغتباط والفخار ، ففيه كناية عن كونه من حبور ونعيم فإن المعنى الكنائي هو الغرض الأهم من ذكر العَرْض .

و { هاؤم } مركب من ( هاء ) ممدوداً ومقصوراً والممدود مبني على فتح الهمزة إذا تجرد عن علامات الخطاب ما عدا الموجَّه إلى امرأة فهو بكسر الهمزة دون ياء . وإذا خوطب به أكثر من واحد التُزم مدُّه ليتأتى إلحاق علامة خطاب كالعلامة التي تلحق ضمير المخاطب وضمُّوا همزته ضمةً كضمةِ ضمير الخطاب إذ لحقتْه علامة التثنية والجمع ، فيقال : هاؤُما ، كما يقال : أنتما ، وهاؤُمُ كما يقال : أنتم ، وهاؤُنَّ كما يقال : أنتن ، ومن أهل اللغة من ادعى أن { هاؤم } أصله : هَا أُمُّوا مركباً من كلمتين ( هَا ) وفعللِ أمر للجماعة من فعل أمَّ ، إذا قصد ، ثم خفف لكثرة الاستعمال ، ولا يصح لأنه لم يسمع هاؤمين في خطاب جماعة النساء ، وفيه لغات أخرى واستعمالات في اتصال كاف الخطاب به تقصاها الرضي في شرح « الكافية » وابن مكرم في « لسان العرب » .

و { هاؤم } بتصاريفه معتبر اسم فعل أمر بمعنى : خذ ، كما في « الكشاف » وبمعنى تعال ، أيضاً كما في « النهاية » .

والخطاب في قوله : { هاؤم اقرأوا } للصالحين من أهل المحشر .

و { كتابيَه } أصله : كتابِيَ بتحريك ياء المتكلم على أحد وجُوه في يَاء المتكلم إذا وقعت مضافاً إليها وهو تحريك أحسب أنه يقصد به إظهار إضافة المضاف إلى تلك الياء للوقوف ، محافظة على حركة الياء المقصودِ اجتلابها .

و { اقرأُوا } بيان للمقصود من اسم الفعل من قوله { هاؤم .

وقد تنازع كل من { هاؤُم } و{ اقرأوا } قوله : { كتابيه } . والتقدير : هاؤم كتابيه اقرأوا كتابيه . والهاء في كتابيه ونظائرها للسْكتتِ حين الوقف .

وحق هذه الهاء أن تثبت في الوقف وتسقط في الوصل . وقد أثبتت في هذه الآية في الحالين عند جمهور القراء وكتبت في المصاحف ، فعلم أنها للتعبير عن الكلام المحكي بلغة ذلك القائل بما يرادفه في الاستعمال العربي لأن الاستعمال أن يأتي القائل بهذه الهاء بالوقف على كلتا الجملتين .

ولأن هذه الكلمات وقعت فواصل والفواصل مثل الأسجاع تعتبر بحالة الوقف مثل القوافي ، فلو قيل : اقرأوا كتابيَ إني ظننت أني ملاققٍ حسابيَ ، سقطت فاصلتان وذلك تفريط في محسّنَيْن .

وقرأها يعقوب إذا وصلها بحذف الهاء والقراء يستحبون أن يقف عليها القارىء ليوافق مشهور رسم المصحف ولئلا يذهب حسن السجع .