التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

وبعد أن عرف يوسف صاحبيه في السجن بنفسه وبملته وبآبائه . شرع يقيم لهم الأدلة على صحة عقيدته ، وعلى فساد عقيدتهما فقال - كما حكى القرآن عنه : { ياصاحبي السجن أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } .

أى : يا صاحبى ورفيقى في السجن أخبرانى بربكما ، أعبادة عدد من الأرباب المتفرقة في ذواتها وصفاتها " خير " لكما " أم " عبادة الله - تعالى - " الواحد " في ذاته وصفاته " القهار " لكل من غالبه أو نازعه ؟

وكرر نداءهما بالصحبة ليتحبب إليهما بهذه الصفة التي فيها إيناس للقلوب ، وليسترعى انتباههما إلى ما سيقوله لهما .

قال صاحب المنار ما ملخصه : " وقوله : { أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ . . . } هذا استفهام تقرير بعد تخيير ، ومقدمة لأظهر برهان على التوحيد ، وكان المصريون المخاطبون به ، يعبدون كغيرهم من الأمم أربابا متفرقين في ذواتهم وفى صفاتهم وفى الأعمال التي يسندونها إليهم بزعمهم ، فهو يقول لصاحبيه أأرباب متفرقون ، أى عديدون هذا شأنهم في التفرق والانقسام " خير " لكما ولغيركما { أَمِ الله الواحد القهار . . }

ولا شك أن الجواب الذي لا يختلف فيه عاقلان ، أن عبادة الله - تعالى - الواحد القهار ، هي العبادة الصحيحة التي توافق الفطرة السليمة والعقول القويمة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

35

( يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير ؟ أم الله الواحد القهار ؟ ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان . إن الحكم إلا لله . أمر ألا تعبدوا إلا إياه . ذلك الدين القيم . ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) . .

لقد رسم يوسف - عليه السلام - بهذه الكلمات القليلة الناصعة الحاسمة المنيرة ، كل معالم هذا الدين ، وكل مقومات هذه العقيدة . كما هز بها كل قوائم الشرك والطاغوت والجاهلية هزا شديدا عنيفا . .

( يا صاحبي السجن ، أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ) . .

إنه يتخذ منهما صاحبين ، ويتحبب إليهما هذه الصفة المؤنسة ، ليدخل من هذا المدخل إلى صلب الدعوة وجسم العقيدة . وهو لا يدعوهما إليها دعوة مباشرة ، إنما يعرضها قضية موضوعية :

( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ؟ ) . .

وهو سؤال يهجم على الفطرة في أعماقها ويهزها هزا شديدا . . إن الفطرة تعرف لها إلها واحد ففيم إذن تعدد الأرباب ؟ . . إن الذي يستحق أن يكون ربا يعبد ويطاع أمره ويتبع شرعه هو الله الواحد القهار . ومتى توحد الإله وتقرر سلطانه القاهر في الوجود فيجب تبعا لذلك أن يتوحد الرب وسلطانه القاهر في حياة الناس . وما يجوز لحظة واحدة أن يعرف الناس أن الله واحد ، وأنه هو القاهر ، ثم يدينوا لغيره ويخضعوا لأمره ، ويتخذوا بذلك من دون الله ربا . . إن الرب لا بد أن يكون إلها يملك أمر هذا الكون ويسيره . ولا ينبغي أن يكون العاجز عن تسيير أمر هذا الكون كله ربا للناس يقهرهم بحكمه ، وهو لا يقهر هذا الكون كله بأمره !

والله الواحد القهار خير أن يدين العباد لربوبيته من أن يدينوا للأرباب المتفرقة الأهواء الجاهلة القاصرة العمياء عن رؤية ما وراء المنظور القريب - كالشأن في كل الأرباب إلا الله - وما شقيت البشرية قط شقاءها بتعدد الأرباب وتفرقهم ، وتوزع العباد بين أهوائهم وتنازعهم . . فهذه الأرباب الأرضية التي تغتصب سلطان الله وربوبيته ؛ أو يعطيها الجاهليون هذا السلطان تحت تأثير الوهم والخرافة والأسطورة ، أو تحت تأثير القهر أو الخداع أو الدعاية ! هذه الأرباب الأرضية لا تملك لحظة أن تتخلص من أهوائها ، ومن حرصها على ذواتها وبقائها ، ومن الرغبة الملحة في استبقاء سلطانها وتقويته ، وفي تدمير كل القوى والطاقات التي تهدد ذلك السلطان من قريب أومن بعيد ؛ وفي تسخير تلك القوى والطاقات في تمجيدها والطبل حولها والزمر والنفخ فيها كي لا تذبل ولا تنفثى ء نفختها الخادعة !

والله الواحد القهار في غنى عن العالمين ؛ فهو سبحانه لا يريد منهم إلا التقوى والصلاح والعمل والعمارة - وفق منهجه - فيعد لهم هذا كله عبادة . وحتى الشعائر التي يفرضها عليهم إنما يريد بها إصلاح قلوبهم ومشاعرهم ، لإصلاح حياتهم وواقعهم . . وإلا فما أغناه سبحانه عن عباده أجمعين ! ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ، والله هو الغني الحميد ) . . ففرق بين الدينونة لله الواحد القهار والدينونة للأرباب المتفرقة بعيد !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ} (39)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَصَاحِبَيِ السّجْنِ أَأَرْبَابٌ مّتّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ } .

قال أبو جعفر : ذُكر أن يوسف صلوات الله وسلامه عليه قال هذا القول للفتيين اللذين دخلا معه السجن ؛ لأن أحدهما كان مشركا ، فدعاه بهذا القول إلى الإسلام وترك عبادة الاَلهة والأوثان ، فقال : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ } ، يعني : يا من هو في السجن . وجعلهما صاحبيه لكونهما فيه ، كما قال الله تعالى لسكان الجنة : { أولَئِكَ أصْحابُ الجَنّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ } ، وكذلك قال لأهل النار ، وسمّاهم أصحابها لكونهم فيها .

وقوله : { أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أم اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارِ } ، يقول : أعبادة أرباب شتى متفرّقين وآلهة لا تنفع ولا تضرّ خير ، أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه ، الذي قهر كلّ شيء فذَلَّلَهُ وسخره ، فأطاعه طوعا وكرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { يا صَاحِبَيِ السّجْنَ أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ . . . } ، إلى قوله : { لا يَعْلَمُونَ } ، لما عرف نبي الله يوسف أن أحدهما مقتول دعاهما إلى حظهما من ربهما وإلى نصيبهما من آخرتهما .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ } ، يوسف يقوله .

قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم دعاهما إلى الله وإلى الإسلام ، فقال : { يا صَاحِبَيِ السّجْنِ أأرْبابٌ مُتَفَرّقُونَ خَيْرٌ أمِ اللّهُ الوَاحِدُ القَهّارُ } ، أي : خير أن تعبدوا إلها واحدا ، أو آلهة متفرّقة لا تغني عنكم شيئا ؟