التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

ولما كان تركه لملة هؤلاء القوم ، يقتضى دخوله في ملة قوم آخرين ، تراه يصرح بالملة التي اتبعها فيقولك { واتبعت مِلَّةَ آبآئي } الكرام المؤمنين بوحدانية الله وبالآخرة وما فيها من حساب وجزاء .

{ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ } وسماهم آباء جميعا ، لأن الأجداد آباء ، وقدم الجد الأعلى ثم الجد الأقرب ثم الأب ، لكون إبراهيم هو أصل تلك الملة التي اتبعها ، ثم تلقاها عنه إسحاق ، ثم تلقاها عن إسحاق يعقوب - عليهم السلام - .

وفى هذه الجملة الكريمة ، بيان منه - عليه السلام - لرفيقيه في السجن ، بأنه من سلسلة كريمة ، كلها أنبياء ، فحصل له بذلك الشرف الذي ليس بعده شرف ، وقوله { مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشْرِكَ بالله مِن شَيْءٍ } تنزه عن الشرك بأبلغ وجه .

أى : ما صح وما استقام لنا أن نشرك بالله - تعالى - أى شئ من الإِشراك ، فنحن أهل بيت النبوة الذين عصمهم الله - تعالى - عن ذلك .

و " من " في قوله " من شئ " لتأكيد النفى وتعميمه . أى : ما كان لنا أهل هذا البيت الكريم أن نشرك بالله شيئا من الإِشراك ، قليلا ذلك الشئ أو حقيرا .

وقوله { ذلك مِن فَضْلِ الله عَلَيْنَا وَعَلَى الناس . . . } اعتراف منه - عليه السلام - برعاية الله - تعالى - له ولآبائه .

واسم الإِشارة . يعود إلى الإيمان بالله - تعالى - المدلول عليه بنفى الشرك .

أى : ذلك الإِخلاص لله - تعالى - في العبادة ، كائن من فضله - سبحانه - علينا معاشر هذا البيت ، وعلى غيرنا من الناس ، الذين هداهم إلى الإِيمان الحق .

وقوله : { ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ } إنصاف للقلة الشاكرة لله - تعالى - .

أى : ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله - تعالى - على نعمه الجزيلة وآلائه التي لا تحصى .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

35

ثم يمضي يوسف بعد بيان معالم ملة الكفر ليبين معالم ملة الإيمان التي يتبعها هو وآباؤه :

( واتبعت ملة آبائي : إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ) . .

فهي ملة التوحيد الخالص الذي لا يشرك بالله شيئا قط . . والهداية إلى التوحيد فضل من الله على المهتدين ، وهو فضل في متناول الناس جميعا لو اتجهوا إليه وأرادوه . ففي فطرتهم أصوله وهواتفه ، وفي الوجود من حولهم موحياته ودلائله ، وفي رسالات الرسل بيانه وتقريره . ولكن الناس هم الذين لا يعرفون هذا الفضل ولا يشكرونه :

( ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكن أكثر الناس لا يشكرون ) . .

مدخل لطيف . . وخطوة خطوة في حذر ولين . . ثم يتوغل في قلبيهما أكثر وأكثر ، ويفصح عن عقيدته ودعوته إفصاحا كاملا ، ويكشف عن فساد اعتقادهما واعتقاد قومهما ، وفساد ذلك الواقع النكد الذي يعيشون فيه . . بعد ذلك التمهيد الطويل :

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ مَا كَانَ لَنَآ أَن نُّشۡرِكَ بِٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۚ ذَٰلِكَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ عَلَيۡنَا وَعَلَى ٱلنَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاتّبَعْتُ مِلّةَ آبَآئِيَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَآ أَن نّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاسِ وَلََكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } .

قال أبو جعغر : يعني بقوله : { واتّبَعْتُ مِلّةَ آبائي إبْرَاهِيمَ وإسْحاقَ وَيَعْقُوبَ } : واتبعت دينهم ، لا دين أهل الشرك . { ما كانَ لَنا أنْ نُشْرِكَ باللّهِ مِنْ شَيْءٍ } ، يقول : ما جاز لنا أن نجعل لله شريكا في عبادته وطاعته ، بل الذي علينا إفراده بالألوهة والعبادة . { ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنا } ، يقول : اتباعي ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب على الإسلام ، وتركي { مِلّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ باللّهِ وَهُمْ بالاَخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ } ، { من فضل الله } الذي تفضل به علينا ، فأنعم إذ أكرمنا به . { وعَلى النّاسِ } ، يقول : وذلك أيضا من فضل الله على الناس ، إذ أرسلنا إليهم دعاة إلى توحيده وطاعته . { ولكِنّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَشْكُرُونَ } ، يقول : ولكن من يكفر بالله لا يشكر ذلك من فضله عليه ، لأنه لا يعلم من أنعم به عليه ، ولا يعرف المتفضل به .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنا } ، أن جعلنا أنبياء . { وَعلى النّاسِ } ، يقول : أن بعثنا إليهم رسلاً .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ذلكَ مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنا وَعلى النّاسِ } ، ذُكِر لنا أن أبا الدرداء كان يقول : يا رُبّ شاكر نعمة غير منعمَ عليه لا يدري ، ورُبّ حامل فقه غير فقيه .