التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

ثم ساق لهم - سبحانه - ما يؤكد عدم تغيير سنته فى خلقه ، بأن حضهم على الاعتبار بأحوال المهلكين من قبلهم ، والذين يرون بأعينهم آثارهم ، فقال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً } .

أى أعمى هؤلاء الماكرين عن التدبر ، ولم يسروا فى الأرض ، فتيروا بأعينهم فى رحلاتهم إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى غيرهما ، كيف كانت عاقبة المكذبين من قبلهم ، لقد دمرناهم تدميرا ، مع أنهم كانوا أشد من مشركى مكة قوة ، وأكثر جمعا { وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض } أى وما كان من شأن الله - تعالى - أن يعجزه شئ من الأشياء ، سواء أكان فى السماوات أم فى الأرض . بل كل شئ تحت أمره وتصرفه .

{ إِنَّهُ } - سبحانه - { كَانَ عَلِيماً } بكل شئ { قَدِيراً } على كل شئ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

39

والأمور لا تمضي في الناس جزافاً ؛ والحياة لا تجري في الأرض عبثاً ؛ فهناك نواميس ثابتة تتحقق ، لا تتبدل ولا تتحول . والقرآن يقرر هذه الحقيقة ، ويعلمها للناس ، كي لا ينظروا الأحداث فرادى ، ولا يعيشوا الحياة غافلين عن سننها الأصيلة ، محصورين في فترة قصيرة من الزمان ، وحيز محدود من المكان . ويرفع تصورهم لارتباطات الحياة ، وسنن الوجود ، فيوجههم دائماً إلى ثبات السنن واطراد النواميس . ويوجه أنظارهم إلى مصداق هذا فيما وقع للأجيال قبلهم ؛ ودلالة ذلك الماضي على ثبات السنن واطراد النواميس .

وهذه الجولة الخامسة نموذج من نماذج هذا التوجيه بعد تقرير الحقيقة الكلية من أن سنة الله لا تتبدل ولا تتحول :

أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم - وكانوا أشد منهم قوة - وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض . إنه كان عليماً قديراً .

والسير في الأرض بعين مفتوحة وقلب يقظ ؛ والوقوف على مصارع الغابرين ، وتأمل ما كانوا فيه وما صاروا إليه . . كل أولئك خليق بأن تستقر في القلب ظلال وإيحاءات ومشاعر وتقوى . .

ومن ثم هذه التوجيهات المكررة في القرآن للسير في الأرض والوقوف على مصارع الغابرين ، وآثار الذاهبين . وإيقاظ القلوب من الغفلة التي تسدر فيها ، فلا تقف . وإذا وقفت لا تحس . وإذا أحست لا تعتبر . وينشأ عن هذه الغفلة غفلة أخرى عن سنن الله الثابتة . وقصور عن إدراك الأحداث وربطها بقوانينها الكلية . وهي الميزة التي تميز الإنسان المدرك من الحيوان البهيم ، الذي يعيش حياته منفصلة اللحظات والحالات ؛ لا رابط لها ، ولا قاعدة تحكمها . والجنس البشري كله وحدة أمام وحدة السنن والنواميس .

وأمام هذه الوقفة التي يقفهم إياها على مصارع الغابرين قبلهم - وكانوا أشد منهم قوة - فلم تعصمهم قوتهم من المصير المحتوم . أمام هذه الوقفة يوجه حسهم إلى قوة الله الكبرى . القوة التي لا يغلبها شيء ولا يعجزها شيء ؛ والتي أخذت الغابرين وهي قادرة على أخذهم كالأولين :

( وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض ) . .

ويعقب على هذه الحقيقة بما يفسرها ويعرض اسانيدها :

( إنه كان عليماً قديراً ) . .

يحيط علمه بكل شيء في السماوات والأرض ؛ وتقوم قدرته إلى جانب علمه . فلا يند عن علمه شيء ، ولا يقف لقدرته شيء . ومن ثم لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض . ولا مهرب من قدرته ولا استخفاء من علمه : ( إنه كان عليماً قديراً ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَوَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَكَانُوٓاْ أَشَدَّ مِنۡهُمۡ قُوَّةٗۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَلِيمٗا قَدِيرٗا} (44)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوَاْ أَشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ إِنّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } .

يقول تعالى ذكره : أو لم يَسِرْ يا محمد هؤلاء المشركون بالله ، في الأرض التي أهلكنا أهلها بكفرهم بنا وتكذيبهم رسلنا ، فإنهم تجار يسلكون طريق الشأم فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم التي كانوا يمرون بها ألم نهلكهم ونخربْ مساكنهم ونجعلْهم مثلاً لمن بعدهم ، فيتعظوا بهم ، وينزجروا عما هم عليه من عبادة الاَلهة بالشرك بالله ، ويعلموا أن الذي فعل بأولئك ما فعل وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً وَبَطْشا لن يتعذّر عليه أن يفعل بهم مثل الذي فعل بأولئك من تعجيل النقمة ، والعذاب لهم . وبنحو الذي قلنا في قوله : وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكانُوا أشَدّ مِنْهُمْ قُوّةً يخبركم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم .

وقوله : وَما كانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السّمَوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ يقول تعالى ذكره : ولن يعجزنا هؤلاء المشركون بالله من عبدة الاَلهة ، المكذّبون محمدا فيسبقونا هربا في الأرض ، إذا نحن أردنا هلاكهم ، لأن الله لم يكن ليعجزه شيء يريده في السموات ولا في الأرض ، ولن يقدر هؤلاء المشركون أن ينفُذوا من أقطار السموات والأرض . وقوله : إنّهُ كانَ عَلِيما قَدِيرا يقول تعالى ذكره : إن الله كان عليما بخلقه ، وما هو كائن ، ومن هو المستحقّ منهم تعجيل العقوبة ، ومَن هو عن ضلالته منهم راجع إلى الهدى آئب ، قديرا على الانتقام ممن شاء منهم ، وتوفيق من أراد منهم للإيمان .