التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله - سبحانه - : { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } معطوف على ما قبله ، ومؤكد لمضمونه . أى : ومن جاهد فى طاعة الله ، وفى سبيل إعلاء كلمته ، ونصرة دينه ، فإنما يعود ثواب جهاده ونفعه لنفسه لا لغيره .

{ إِنَّ الله } - تعالى - { لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين } جميعا ، لأنه - سبحانه - لا تنفعه طاعة مطيع ، كما لا تضره معصية عاص ، وإنما لنفسه يعود ثواب المطيع وعليها يرجع عقاب المسئ .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

والإيقاع الرابع يواجه القلوب التي تحتمل تكاليف الإيمان ، ومشاق الجهاد ، بأنها إنما تجاهد لنفسها ولخيرها ولاستكمال فضائلها ، ولإصلاح أمرها وحياتها ؛ وإلا فما بالله من حاجة إلى أحد ، وإنه لغنى عن كل أحد :

( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ، إن الله لغني عن العالمين ) . .

فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق ، فإنما ذلك لإصلاحهم ، وتكميلهم ، وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة . والجهاد يصلح من نفس المجاهد وقلبه ؛ ويرفع من تصوراته وآفاقه ؛ ويستعلي به على الشح بالنفس والمال ، ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات . وذلك كله قبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة ، وما يعود عليها من صلاح حالها ، واستقرار الحق بينها ، وغلبة الخير فيها على الشر ، والصلاح فيها على الفساد .

( ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ) .

فلا يقفن أحد في وسط الطريق ، وقد مضى في الجهاد شوطا ؛ يطلب من الله ثمن جهاده ؛ ويمن عليه وعلى دعوته ، ويستبطئ المكافأة على ما ناله ! فإن الله لا يناله من جهاده شيء . وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل : ( إن الله لغني عن العالمين ) . وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده ، وأن يستخلفه في الأرض به ، وأن يأجره في الآخرة بثوابه :