تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

الآية 6 وقوله تعالى : { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه } وكذلك قوله { من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها } [ فصلت : 46 ] وقوله : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها } [ الإسراء : 7 ] أي فعليها .

ففي هذا أن الله امتحن الخلائق لا لحاجة له في ما امتحنهم في دفع مضرة وجر نفع . لكن إنما امتحنهم لحاجة أنفسهم في دفع المضار وجر المنافع .

وكذلك إنما أنشأ الدنيا وهذا العالم فيها لا لحاجة له في إنشاء ذلك ، ولكن لحوائج أنفسهم .

وكذلك ما أنشأ من الخلائق سوى البشر ؛ إنما [ أنشأه للبشر ] ( {[15636]} ) ، وله سخر جميع ذلك ، وجعل البشر بحيث يقدر على استعمال جميع ذلك لمنافع أنفسهم وحاجاتهم( {[15637]} ) ، وهو ما ذكر في غير آية( {[15638]} ) من القرآن حين( {[15639]} ) قال : { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه } [ الجاثية : 13 ] وقال( {[15640]} ) : { هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا } [ البقرة : 29 ] ونحو ذلك .

فعلى ذلك امتحن هذا العالم لحاجة أنفسهم في دفع مضار وجر منفعة . لذلك قال : { وإن جاهد فإنما يجاهد لنفسه } أي لحاجة نفسه ومنفعة نفسه لا لمنفعته أو لحاجة الله تعالى .

[ وقوله تعالى ] ( {[15641]} ) : { إن الله لغني عن العالمين } هذا تفسير ما ذكر .

ثم المجاهدة تكون مرة مع الشيطان والجن ، ومرة مع أعدائه من الإنس ، ومرة مع هوى النفس ، ومرة في أمر الدنيا . كل ذلك مجاهدة في الله .

قال الله تعالى : { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } [ العنكبوت : 69 ] والله أعلم .


[15636]:في الأصل وم: أنشأ البشر.
[15637]:في الأصل وم: وحاجتهم.
[15638]:في الأصل وم: آي.
[15639]:في الأصل وم: حيث.
[15640]:في الأصل وم: وقوله.
[15641]:ساقطة من الأصل وم.