السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

ولما بين تعالى أنّ التكليف حسن واقع وإن عليه وعداً وإيعاد ليس لهما دافع بين أن طلب الله تعالى ذلك من المكلف ليس لنفع يعود إليه بقوله تعالى : { ومن جاهد } أي : بذل جهده في جهاد حرب أو نفس حتى كأنه يسابق آخر في الأعمال الصالحة { فإنما يجاهد لنفسه } لأنّ منفعة جهاده له لا لله تعالى فإنه غني مطلق كما قال تعالى : { إن الله } أي : المتصرّف في عباده بما شاء { لغنيّ عن العالمين } أي : الأنس والجنّ والملائكة وعن عبادتهم ومثل هذا كثير في القرآن كقوله تعالى : { من عمل صالحاً فلنفسه } ( فصلت : 46 ) وقوله تعالى : { إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم } ( الإسراء : 7 )

فينبغي للعبد أن يكثر من العمل الصالح ويخلصه لأنّ من عمل فعلاً يطلب به ملكاً ويعلم أنّ الملك يراه يحسن العمل ويتقنه ، وإذا علم أن عمله لنفسه لا لأحد يكثر منه ، نسأل الله الكريم الفتاح أن يوفقنا للعمل الصالح وأن يفعل ذلك بأهلينا وذريتنا ومحبينا بمحمد وآله .

ولما بين تعالى حال المسيء مجملاً بقوله تعالى : { أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } إشارة إلى التعذيب مجملاً ، وذكر حال المحسن بقوله تعالى : { ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه } وكان التقدير فالذين جاهدوا والذين عملوا السيئات لنجزينهم أجمعين .