التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَٱعۡتَرَفُواْ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقٗا لِّأَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ} (11)

والفاء الأولى في قوله - تعالى - : { فاعترفوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير } للإفصاح ، والثانية للسببية ، والسُّحقُ : البُعد ، يقال : سَحُق - ككَرم وعَلِم - سُحقا ، أي بَعُدَ بُعْداً ، وفلان أسحقه الله ، أي : أبعده عن رحمته ، وهو مصدر ناب عن فعله فى الدعاء ، ونصبه على أنه مفعول به لفعل مقدر ، أي : ألزمهم الله سحقا ، أو منصوب على المصدرية ، أي : فسحقهم الله سحقا .

أي : إذا كان الأمر كما أخبروا عن أنفسهم ، فقد أقروا واعترفوا بذنوبهم ، وأن الله - تعالى - ما ظلمهم ، وأن ندمهم لن ينفعهم في هذا اليوم . . بل هم جديرون بالدعاء عليهم بالطرد من رحمة الله - تعالى - وبخلودهم في نار السعير .

واللام في قوله { لأَصْحَابِ } للتبين ، كما في قولهم : سَقياً لك .

فالآية الكريمة توضح أن ما أصابهم من عذاب كان بسبب إقرارهم بكفرهم ، وإصرارهم عليه حتى الممات ، وفي الحديث الشريف : " لن يدخل أحد النار ، إلا وهو يعلم أن النار أولى به من الجنة " وفي حديث آخر : " لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱعۡتَرَفُواْ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقٗا لِّأَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ} (11)

( فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ) . .

والسحق البعد . وهو دعاء عليهم من الله بعد اعترافهم بذنبهم في الموقف الذي لم يؤمنوا به ولم يصدقوا بوقوعه . والدعاء من الله قضاء . فهم مبعدون من رحمته . لا رجاء لهم في مغفرة ، ولا إقالة لهم من عذاب . وهم أصحاب السعير الملازمون له . ويا لها من صحبة ! وياله من مصير !

وهذا العذاب ، عذاب السعير ، في جهنم التي تشهق بأنفاسها وهي تفور ، عذاب شديد مروع حقا . والله لا يظلم أحدا . ونحسب - والله أعلم - أن النفس التي تكفر بربها - وقد أودع فطرتها حقيقة الإيمان ودليله – هي نفس فرغت من كل خير . كما فرغت من كل صفة تجعل لها اعتبارا في الوجود ، فهي كالحجر الذي توقد به جهنم . وقد انتهت إلى نكسة وارتكاس مكانها هذه النار ، إلى غير نجاة منها ولا فرار !

والنفس التي تكفر بالله في الأرض تظل تنتكس وترتكس في كل يوم تعيشه ، حتى تنتهي إلى صورة بشعة مسيخة شنيعة ، صورة منكرة جهنمية نكيرة . صورة لا يماثلها شيء في هذا الكون في بشاعتها ومسخها وشناعتها . فكل شيء روحه مؤمنة ، وكل شيء يسبح بحمد ربه ، وكل شيء فيه هذا الخير ، وفيه هذه الوشيجة التي تشده إلى محور الوجود . . ما عدا هذه النفوس الشاردة المفلتة من أواصر الوجود ، الآبدة الشريرة ، الجاسية الممسوخة النفور . فأي مكان في الوجود كله تنتهي إليه ، وهي مبتوتة الصلة بكل شيء في الوجود ? إنها تنتهي إلى جهنم المتغيظة المتلمظة ، الحارقة ، المهدرة لكل معنى ولكل حق ولكل كرامة ؛ بعد أن لم يعد لتلك النفوس معنى ولا حق ولا كرامة !