قوله «بِذنْبِهِمْ » وحَّده ؛ لأنه مصدر في الأصل ، ولم يقصد التنويع بخلاف «بِذُنُوبِهِم » في موضع ؛ ولأنه في معنى الجمع ؛ ولأن اسم الجنس إذا أضيف عم .
قال ابن الخطيب{[57392]} : يحتمل أن يكون المراد من الضَّلال الكبير ، ما كانوا عليه في الدنيا من ضلالهم ، ويحتمل أن يكون المراد بالضَّلال الهلاك ، ويحتمل أن يكون قد سمى عقاب الضلال باسمه .
احتجت المرجئةُ بهذه الآية على أنه لا يدخل النارَ إلا الكفار ، قالوا{[57393]} : لأنه تعالى حكى عن كل من ألقي في النار أنهم قالوا : فكذبنا النذير ، وهذا يدل على أن من لم يكذب الله ورسوله لا يلقى في النار ، وظاهر هذه الآية يقتضي القطع بأن الفاسق المصرَّ لا يدخل النار ، وأجاب القاضي عنه : بأن النذير قد يطلق على ما في العقول من الأدلة المخوفة ، وكل من يدخل النار مخالف للدليل .
فصل في معرفة الله بعد ورود السمع
واحتج بهذه الآية من قال : إن معرفة الله ، وشكره لا يجبان إلا بعد ورود السمع ، قالوا : لأنه تعالى إنما عذبهم ؛ لأنه أتاهم النذير ، فدل على أنه لو لم يأتهم النذير لم يعذبوا{[57394]} .
قوله : { فَسُحْقاً } . فيه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب على المفعول به ، أي : ألزمهم الله سحقاً .
والثاني : أنه منصوب على المصدر ، تقديره : «أسحقهم الله سحقاً » فناب المصدر عن عامله في الدعاء ، نحو «جَدْعاً له ، وعقراً » فلا يجوز إظهار عامله .
واختلف النحاة : هل هو مصدر لفعل ثلاثي ، أم لفعل رباعي ، فجاء على حذف الزوائد .
فذهب الفارسي والزجاج إلى أنه مصدر «أسْحَقهُ اللَّهُ » أي : أبعده .
قال الفارسي{[57395]} : فكان القياس إسحاقاً ، فجاء المصدر على الحذف ، كقوله : [ الوافر ]
4799 - . . . *** وإنْ يَهْلِكْ فذلِكَ كانَ قَدْرِي{[57396]}
والظاهر أن لا يحتاج إلى ذلك ؛ لأنه سمع «سَحَقَهُ اللَّهُ » ثلاثياً ؛ ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
4800 - يَجُولُ بأطْرَافِ البِلادِ مُغَرِّباً***وتَسْحَقُهُ ريحُ الصَّبَا كُلَّ مَسْحَقِ{[57397]}
والذي يظهر أن الزجاج{[57398]} والفارسي إنما قالا ذلك فيمن يقول من العرب : أسحقه الله سحقاً .
والكسائي وآخرون{[57399]} : بضمتين .
وهما لغتان ، والأحسن أن يكون المثقل أصلاً للمخفف ، و «لأصْحابِ » بيان ك { هَيْتَ لَكَ }[ يوسف : 23 ] ، وسقياً لَكَ .
وقال مكيٌّ{[57400]} : «والرفع يجوز في الكلام على الابتداء » .
أي : لو قيل : «فسحق » جاز ، لا على أنه تلاوة ، بل من حيث الصناعة ، إلاَّ أن ابن عطية قال ما يضعفه ، فإنه قال{[57401]} : «فسحقاً ، نصباً على جهة الدعاء عليهم ، وجاز ذلك فيه وهو من قبل الله - تعالى - من حيث إن هذا القول فيهم مستقر أزلاً ، ووجوده لم يقع ولا يقع إلا في الآخرة ، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى فيه ، كما تقول : سُحْقاً لزيد ، وبُعْداً له ، والنصب في هذا كله بإضمار فعل ، فأما ما وقع وثبت ، فالوجه الرفع ، كما قال تعالى { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ }[ المطففين : 1 ] و { سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 54 ] ، وغير هذا من الأمثلة » ، انتهى .
فضعف الرفع كما ترى ؛ لأنه لم يقع ، بل هو متوقع في الآخرة .
قال المفسِّرون{[57402]} : { فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السعير } ، أي : فَبُعْداً لهم من رحمة الله .
وقال سعيد بن جبير ، وأبو صالح : هو واد في جهنَّم يقال له : السحق{[57403]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.