البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱعۡتَرَفُواْ بِذَنۢبِهِمۡ فَسُحۡقٗا لِّأَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ} (11)

{ فاعترفوا بذنبهم } : أي بتكذيب الرسل ، { فسحقاً } : أي فبعداً لهم ، وهو دعاء عليهم ، والسحق : البعد ، وانتصابه على المصدر : أي سحقهم الله سحقاً ، قال الشاعر :

يجول بأطراف البلاد مغربا *** وتسحقه ريح الصبا كل مسحق

والفعل منه ثلاثي .

وقال الزجاج : أي أسحقهم الله سحقاً ، أي باعدهم بعداً .

وقال أبو علي الفارسي : القياس إسحاقاً ، فجاء المصدر على الحذف ، كما قيل :

وإن أهلك فذلك كان قدري . . .

أي تقديري .

انتهى ، ولا يحتاج إلى ادعاء الحذف في المصدر لأن فعله قد جاء ثلاثياً ، كما أنشد :

وتسحقه ريح الصبا كل مسحق . . .

وقرأ الجمهور : بسكون الحاء ؛ وعلي وأبو جعفر والكسائي ، بخلاف عن أبي الحرث عنه : بضمها .

قال ابن عطية : { فسحقاً } : نصباً على جهة الدعاء عليهم ، وجاز ذلك فيه ، وهو من قبل الله تعالى من حيث هذا القول فيهم مستقر أولاً ، ووجوده لم يقع إلا في الآخرة ، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى به ، كما تقول : سحقاً لزيد وبعداً ، والنصب في هذا كله بإضمار فعل ، وإن وقع وثبت ، فالوجه فيه الرفع ، كما قال تعالى : { ويل للمطففين } و { سلام عليكم } وغير هذا من الأمثلة . انتهى .