التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

ثم بين القرآن الكريم أن قوم موسى لم يكونوا جميعا ضالين . وإنما كان فيهم الأخيار وفيهم الأشرار فقال - تعالى - : { وَمِن قَوْمِ . . . } .

أى : ومن قوم موسى جماعة عظيمة يهدون الناس بالحق الذي جاءهم به من عند الله ، وبالحق - أيضاً - يسيرون في أحكامهم فلا يجورون ، ولا يرتشون ، وإنما يعدلون في كل شئونهم .

والمراد بهم أناس كانوا على خير وصلاح في عهد موسى - عليه السلام ، مخالفين لأولئك السفهاء من قومه .

وقيل المراد بهم من آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم عند بعثته .

وهذا لون من ألوان عدالة القرآن في أحكامه ، وإنصافه لمن يستحق الانصاف من الناس .

إنه لا يسوق أحكامه معممة بحيث يندرج تحتها الصالح والطالح بدون تمييز ، كلا وإنما القرآن يسوق أحكامه بإنصاف واحتراس ، فهو يحكم للصالحين بما يستحقونه ، وتلك هى العدالة التي ما أحوج الناس في كل زمان ومكان إلى السير على طريقها ، وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - :

{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ } وقوله : { وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب لَمَن يُؤْمِنُ بالله وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَناً قَلِيلاً } وقوله { بالحق } الباء للملابسة ، وهى مع مدخولها في محل الحال من الواو في يهدون . أى : يهدون الناس حال كونهم ملتبسين بالحق .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمِن قَوۡمِ مُوسَىٰٓ أُمَّةٞ يَهۡدُونَ بِٱلۡحَقِّ وَبِهِۦ يَعۡدِلُونَ} (159)

138

ثم تمضي القصة في سياقها بعد الرجفة التي أخذت رجالات بني إسرائيل . . ولا يذكر السياق هنا ماذا كان من أمرهم بعد دعوات موسى - عليه السلام - وابتهالاته . ولكنا نعرف من سياق القصة في سور أخرى أن الله أحياهم بعد الرجفة ، فعادوا إلى قومهم مؤمنين . وقبل أن يمضي السياق هنا في حلقة جديدة ، يقرر حقيقة عن قوم موسى . . أنهم لم يكونوا جميعاً ضالين :

( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) . .

هكذا كانوا على عهد موسى ؛ وهكذا كانت منهم طائفة تهدي بالحق وتحكم بالعدل من بعد موسى . . ومن هؤلاء من استقبلوا رسالة النبي الأمي في آخر الزمان بالقبول والاستسلام ، لما يعرفونه عنها في التوراة التي كانت بين أيديهم على مبعث رسول الله [ ص ] وفي أولهم الصحابي الجليل : عبدالله بن سلام رضي الله عنه . الذي كان يواجه يهود زمانه بما عندهم في التوراة عن النبي الأمي ، وما عندهم كذلك من شرائع تصدقها شرائع الإسلام .