التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

ثم بين - سبحانه - مظاهر قدرته ومنته على عباده بأجل النعم وأعظمها شأنا ، فقال : { عَلَّمَ القرآن } والقرآن هو أعظم وحى أنزله - سبحانه - على أنبيائه ورسله .

أى : علم نبيه - صلى الله عليه وسلم - القرآن الذى هو أعظم النعم شأنا وأرفعها مكانا ، إذ باتباع توجيهاته وإرشاداته ، يظفر الإنسان بالسعادة الدنيوية والأخروية .

ولفظ { القرآن } هو المفعول الثانى لعلم ، والمفعول الأول محذوف .

وهذه الآية الكريمة تتضمن الرد عل المشركين الذين زعموا أن هذا القرآن قد تعمله الرسول - صلى الله عليه وسلم - من البشر ، كما حكى - سبحانه - عنهم فى قوله : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ . . } وفى قوله : { وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ . . } كما تتضمن الرد عليهم لزعمهم أنهم لا يعرفون الرحمن ، كما فى قوله - تعالى - : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن . . }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

يقول تعالى ذكره : الرحمن أيها الناس برحمته إياكم علمكم القرآن ، فأنعم بذلك عليكم ، إذ بصّركم به ما فيه رضا ربكم ، وعرّفكم ما فيه سخطه ، لتطيعوه باتباعكم ما يرضيه عنكم ، وعملكم بما أمركم به ، وبتجنبكم ما يُسخطه عليكم ، فتستوجبوا بذلك جزيل ثوابه ، وتنجوا من أليم عقابه . وروي عن قتادة في ذلك ما :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، قال : حدثنا أبو العوام العجلي ، عن قتادة ، أنه قال في تفسير الرّحْمَنُ عَلّمَ القُرْآنَ قال : نعمة والله عظيمة .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ} (2)

وانتصب { القرآن } على أنه مفعول ثان لفعل { علم } ، وهذا الفعل هنا معدَى إلى مفعولين فقط لأنه ورد على أصل ما يفيده التضعيف من زيادة مفعول آخر مع فاعل فعلِه المجرد ، وهذا المفعول هنا يصلح أن يتعلق به التعليم إذ هو اسم لشيء متعلق به التعليم وهو القرآن ، فهو كقول معن بن أوس :

أعلِّمه الرماية كلَّ يوم

وقوله تعالى : { وإذ علمتك الكتاب } في سورة العقود ( 110 ) وقوله : { وما علمناه الشعر } في سورة يس ( 69 ) ، ولا يقال : علّمته زيداً صديقاً ، وإنما يقال : أعلمته زيداً صديقاً ، ففعل عَلِم إذا ضُعّف كان بمعنى تحصيل التعليم بخلافه إذ عُدّي بالهمزة فإنه يكون لتحصيل الإِخبار والإِنباء .

وقد عدد الله في هذه السورة نعماً عظيمة على الناس كلهم في الدنيا ، وعلى المؤمنين خاصة في الآخرة وقدم أعظمها وهو نعمة الدين لأن به صلاح الناس في الدنيا ، وباتباعهم إياه يحصل لهم الفوز في الآخرة . ولما كان دين الإسلام أفضل الأديان ، وكان هو المنزّل للناس في هذا الإِبَّان ، وكان متلقى من أفضل الوحي والكتب الإِلهية وهو القرآن ، قدمه في الإِعلام وجعله مؤذناً بما يتضمنه من الدين ومشيراً إلى النعم الحاصلة بما بين يديه من الأديان كما قال : { هذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه } [ الأنعام : 92 ] .

ومناسبة اسم { الرحمن } لهذه الاعتبارات منتزعة من قوله : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } [ الأنبياء : 107 ] .

و { القرآن } : اسم غلب على الوحي اللفظي الذي أوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم للإِعجاز بسورة منه وتعبُّد ألفاظه .