التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

أى : وقال فرعون لحاشيته ومستشاريه وخاصته : اتركونى لأقتل موسى - عليه السلام - وأتخلص منه ومن أقواله التى فيها ما فيها من الضرر بى وبكم .

ويبدو من أسلوب الآية الكريمة أن اتجاه فرعون لقتل موسى كان يجد معارضة مستشاريه . لأنهم يرون أن قتله لا ينهى المتاعب ، بل قد يزيدها اشتعالا لأن عامة الناس سيفهمون أن قتل موسى كان بسبب أنه على الحق ، فتثور ثائرتهم لقتله ، أو لأنهم كانوا يخافون أن قتله سيؤدى إلى نزول العذاب بهم ، غضبا من رب موسى ، ولعل بعضهم كان يعتقد أن موسى على حق ولكن الخوف منعه من الجهر بذلك ، أو لأنهم كانوا يرون أن قتل موسى سيؤدى إلى تفرغ فرعون لهم ، وهم لا يريدون هذا التفرغ ، لأنه يؤدى إلى ضياع الكثير من منافعهم .

قال صاحب الكشاف : قوله : { ذروني أَقْتُلْ موسى } كانوا إذا هم بقتله كفُّوه بقولهم : ليس موسى بالذى تخافه . وهو أقل من ذلك وأضعف وما هو إلا بعض السحرة . . وإنك إذا قتلته أدخلت الشبهة على الناس . واعتقدوا أنك قد عجزت عن معارضة بالحجة .

والظاهر أن فرعون - لعنه الله - كان قد استيقن أن موسى نبيا .

وأن ما جاء به آيات وما هو بسحر ، ولكن الرجل كان قتالا سفاكا للدماء فى أهون شئ ، فكيف لا يقتل من أحس منه بأنه هو الذى يثل عرشه . ويهدم ملكه . ولكنه كان يخاف إن همّ بقتله . أن يعاجل بالهلاك . .

وقوله : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } تظاهر من فرعون بأنه لا يبالى بما يكون من وراء قتله لموسى . وأنه غير مكترث لا بموسى ولا برب موسى .

فالجملة الكريمة بيان لما جبل عليه هذا الطاغية من فجور وتكبر واستهزاء بالحق فكأنه يقول : إنى قاتل لموسى وليدع ربه لكى يخلصه منى . . ! !

ثم نرى فرعون بعد ذلك يتظاهر أمام حاشيته ، أنه ما حمله على إرادة قتل موسى ، إلا الحرص على منفعتهم . فيقول : { إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد }

أى : اتركونى لأقتل موسى . وليدع ربه لكى يخلصه منى . إن كان فى إمكانه ذلك . فإنى أخاف إن لم أقتله أن يبدل دينكم الذى أنتم عليه بدين آخر أو أبان يظهر فى الأرض التى تعيشون عليها الفساد ، عن طريق بث الفتن بينكم وإيقاد نار العداوة فى صفوفكم . والعمل على اضطراب أمر دنياكم ومعاشكم .

وهكذا الطغاة الماكرون فى كل زمان ومكان : يضربون الحق بكل سلاح من أسلحتهم الباطلة . ثم يزعمون بعد ذلك أمام العامة والبسطاء والمغلوبين على أمرهم . . أنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الحرص على مصالحهم الدينية والدنيوية ! !

قال الإمام الرازى : والمقصود من هذا الكلام ، بيان السبب لقتل موسى ، وهو أن وجوده يوجب إما فساد الدين أو فساد الدنيا ، أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو الذى كانوا عليه . فلما كان موسى ساعيا فى إفساده كان فى اعتقادهم أنه ساع فى إفساد الدين الحق .

وأما فساد الدنيا فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قوم ، ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن .

ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم ، لا جرم بدأ فرعون يذكر الدين فقال :

{ إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } ثم أتبعه بذكر فساد الدنيا فقال : { أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِيَ أَقْتُلْ مُوسَىَ وَلْيَدْعُ رَبّهُ إِنّيَ أَخَافُ أَن يُبَدّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ } .

يقول تعالى ذكره : وَقالَ فِرْعَوْنُ لملئه : ذَرُونِي أقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبّهُ الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا إنّي أخاف أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ يقول : إني أخاف أن يغير دينكم الذي أنتم عليه بسحره .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : أو أن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسادَ فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والشأم والبصرة : «وأنْ يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الفَسادَ » بغير ألف ، وكذلك ذلك في مصاحف أهل المدينة ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : أوْ أنْ بالألف ، وكذلك ذلك في مصاحفهم «يَظْهَرَ فِي الأرْضِ » بفتح الياء ورفع الفساد .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان في قراءة الأمصار متقاربتا المعنى ، وذلك أن الفساد إذا أظهره مظهر كان ظاهرا ، وإذا ظهر فبإظهار مظهره يظهر ، ففي القراءة بإحدى القراءتين في ذلك دليل واضح على صحة معنى الأخرى . وأما القراءة في : أوْ أنْ يُظْهِرَ بالألف وبحذفها ، فإنهما أيضا متقاربتا المعنى ، وذلك أن الشيء إذا بدل إلى خلافه فلا شكّ أن خلافه المبدل إليه الأوّل هو الظاهر دون المبدل ، فسواء عطف على خبره عن خوفه من موسى أن يبدّل دينهم بالواو أو بأو ، لأن تبديل دينهم كان عنده ظهور الفساد ، وظهور الفساد كان عنده هو تبديل الدين .

فتأويل الكلام إذن : إني أخاف من موسى أن يغير دينكم الذي أنتم عليه ، أو أن يظهر في أرضكم أرض مصر ، عبادة ربه الذي يدعوكم إلى عبادته ، وذلك كان عنده هو الفساد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّي أخافُ أنْ يُبَدّلَ دِينَكُمْ : أي أمركم الذي أنتم عليه أوْ أنْ يُظْهِرَ فَي الأرْضِ الفَسادَ والفساد عنده أن يعمل بطاعة الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ ذَرُونِيٓ أَقۡتُلۡ مُوسَىٰ وَلۡيَدۡعُ رَبَّهُۥٓۖ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ} (26)

{ وقال فرعون ذروني أقتل موسى } كانوا يكفونه عن قتله ويقولون إنه ليس الذي تخافه بل هو ساحر ، ولو قتلته ظن أنك عجزت عن معارضته بالحجة وتعلله بذلك مع كونه سفاكا في أهون شيء دليل على أنه تيقن أنه نبي فخاف من قتله ، أو ظن أنه لو حاوله لم يتيسر له ويؤيده قوله . { وليدع ربه } فإنه تجلد وعدم مبالاة بدعائه . { إني أخاف } إن لم أقتله . { أن يبدل دينكم } أن يغير ما أنتم عليه من عبادته وعبادة الأصنام لقوله تعالى : { ويذرك وآلهتك } . { أو أن يظهر في الأرض الفساد } ما يفسد دنياكم من التحارب والتهارج إن لم يقدر أن يبطل دينكم بالكلية . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر بالواو على معنى الجمع ، وابن كثير وابن عامر والكوفيون غير حفص بفتح الياء والهاء ورفع الفساد .