التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله - سبحانه - : { وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ } معطوف على ما قبله ، ومؤكد لمضمونه . أى : ومن جاهد فى طاعة الله ، وفى سبيل إعلاء كلمته ، ونصرة دينه ، فإنما يعود ثواب جهاده ونفعه لنفسه لا لغيره .

{ إِنَّ الله } - تعالى - { لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين } جميعا ، لأنه - سبحانه - لا تنفعه طاعة مطيع ، كما لا تضره معصية عاص ، وإنما لنفسه يعود ثواب المطيع وعليها يرجع عقاب المسئ .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

وقوله : وَمَنْ جاهَدَ فإنّمَا يُجاهِدُ لنَفْسِهِ يقول : ومن يجاهد عدوّه من المشركين فإنما يجاهد لنفسه ، لأنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب من الله على جهاده ، والهرب من العقاب ، فليس بالله إلى فعله ذلك حاجة ، وذلك أن الله غنيّ عن جميع خلقه ، له الملك والخلق والأمر .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (6)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه} من يعمل الخير فإنما يعمل لنفسه، إنما أعمالهم لأنفسهم {إن الله لغني عن العالمين}.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وَمَنْ جاهَدَ فإنّمَا يُجاهِدُ لنَفْسِهِ"، ومن يجاهد عدوّه من المشركين فإنما يجاهد لنفسه، لأنه يفعل ذلك ابتغاء الثواب من الله على جهاده، والهرب من العقاب، فليس بالله إلى فعله ذلك حاجة، وذلك أن الله غنيّ عن جميع خلقه، له الملك والخلق والأمر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

إن الله امتحن الخلائق لا لحاجة له في ما امتحنهم في دفع مضرة وجر نفع، لكن إنما امتحنهم لحاجة أنفسهم في دفع المضار وجر المنافع. وكذلك إنما أنشأ الدنيا وهذا العالم فيها لا لحاجة له في إنشاء ذلك، ولكن لحوائج أنفسهم. وكذلك ما أنشأ من الخلائق سوى البشر؛ إنما أنشأه للبشر، وله سخر جميع ذلك، وجعل البشر بحيث يقدر على استعمال جميع ذلك لمنافع أنفسهم وحاجاتهم، وهو ما ذكر في غير آية من القرآن حين قال: {وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13] وقال: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: 29] ونحو ذلك. فعلى ذلك امتحن هذا العالم لحاجة أنفسهم في دفع مضار وجر منفعة.

{إن الله لغني عن العالمين} هذا تفسير ما ذكر. ثم المجاهدة تكون مرة مع الشيطان والجن، ومرة مع أعدائه من الإنس، ومرة مع هوى النفس، ومرة في أمر الدنيا. كل ذلك مجاهدة في الله. قال الله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] والله أعلم...

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

مَنْ أَحْسَنَ فنجاة نفسه طلبها، وسعادة حالة حَصَّلَها. ومن أساء فعقوبة بنفسه جَلَبَها، وشقاوة جَدِّه اكتسبها.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَمَن جَاهَدَ} نفسه في منعها ما تأمر به وحملها على ما تأباه {فَإِنَّمَا يجاهد} لها، لأن منفعة ذلك راجعة إليها، وإنما أمر الله عز وجل ونهى، رحمة لعباده وهو الغني عنهم وعن طاعتهم.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

... من جاهد فثمره جهاده له فلا يمن بذلك على أحد.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{فإنما} يقتضي الحصر فينبغي أن يكون جهاد المرء لنفسه فحسب ولا ينتفع به غيره وليس كذلك فإن من جاهد ينتفع به ومن يريد هو نفعه، حتى أن الوالد والولد ببركة المجاهد وجهاده ينتفعان فنقول ذلك نفع له فإن انتفاع الولد انتفاع للأب والحصر ههنا معناه أن جهاده لا يصل إلى الله منه نفع ويدل عليه قوله تعالى: {إن الله لغنى عن العالمين}...

الآية فيها بشارة وفيها إنذار، أما الإنذار فلأن الله إذا كان غنيا عن العالمين فلو أهلك عباده بعذابه فلا شيء عليه لغناه عنهم، وهذا يوجب الخوف العظيم، وأما البشارة فلأنه إذا كان غنيا، فلو أعطى جميع ما خلقه لعبد من عباده لا شيء عليه لاستغنائه عنه، وهذا يوجب الرجاء التام...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما حث على العمل، بين أنه ليس إلا لنفع العامل، لئلا يخطر في خاطر ما يوجب تعب الدنيا وشقاء الآخرة من اعتقاد ما لا يليق بجلاله تعالى، فقال عاطفاً على ما تقديره: فمن أراح نفسه في الدنيا فإنما ضر نفسه: {ومن جاهد} أي بذل جهده حتى كأنه يسابق آخر في الأعمال الصالحة {فإنما يجاهد لنفسه} لأن نفع ذلك له فيتعبها ليريحها، ويشقيها ليسعدها، ويميتها ليحييها، وعبر بالنفس لأنها الأمارة بالسوء، وإنما طوى ما أدعى تقديره لأن السياق للمجاهدة، ثم علل هذا الحصر بقوله: {إن الله} أي المتعالي عن كل شائبة نقص {لغني} وأكد لأن كثرة الأوامر ربما أوجبت للجاهل ظن الحاجة، وذلك نكتة الإتيان بالاسم الأعظم، وبين أن غناه الغنى المطلق بقوله موضع "عنه "{عن العالمين} فلا تنفعه طاعة ولا تضره معصية.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فإذا كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال المشاق، فإنما ذلك لإصلاحهم، وتكميلهم، وتحقيق الخير لهم في الدنيا والآخرة. والجهاد يصلح من نفس المجاهد وقلبه؛ ويرفع من تصوراته وآفاقه؛ ويستعلي به على الشح بالنفس والمال، ويستجيش أفضل ما في كيانه من مزايا واستعدادات. وذلك كله قبل أن يتجاوز به شخصه إلى الجماعة المؤمنة، وما يعود عليها من صلاح حالها، واستقرار الحق بينها، وغلبة الخير فيها على الشر، والصلاح فيها على الفساد...

(ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه). فلا يقفن أحد في وسط الطريق، وقد مضى في الجهاد شوطا؛ يطلب من الله ثمن جهاده؛ ويمن عليه وعلى دعوته، ويستبطئ المكافأة على ما ناله! فإن الله لا يناله من جهاده شيء. وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل: (إن الله لغني عن العالمين). وإنما هو فضل من الله أن يعينه في جهاده، وأن يستخلفه في الأرض به، وأن يأجره في الآخرة بثوابه.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... الجهاد وإن كان في ظاهر الأمر دفاعاً عن دين الله فهو أيضاً به نصرهم وسلامة حياة الأحياء منهم وأهلهم وأبنائهم وأساس سلطانهم في الأرض كما قال تعالى: {وعَدَ الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنَّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم ولَيُمكِّنَنَّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم ولَيُبدِّلَنَّهم من بعد خوفهم أمناً} [النور: 55].