التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ} (3)

ثم بين - سبحانه - ما يترتب على قيام الساعة من أحوال فقال : { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } أى : هى خافضة للأشقياء إلى أسفل الدركات : وهى رافعة للسعداء إلى أعلى الدرجات .

والخفض والرفع يستعملان عند العرب فى المكان والمكانة . وفى العز والإهانة . . . ونسب - سبحانه - الخفض والرفع إلى القيامة على سبيل المجاز .

والمقصود بالآية الكريمة ترغيب الصالحين فى الازدياد من العمل الصالح ، لترفع منزلتهم يوم القيامة ، وترهيب الفاسقين من سوء المصير الذى ينتظرهم ، إذا ما استمروا فى فسقهم وعصيانهم .

ويرى بعضهم أن المراد بالخفض والرفع فى هذا اليوم ، ما يترتب عليه من تناثر النجوم ، ومن تبدل الأرض غير الأرض ، ومن صيرورة الجبال كالعهن المنفوش .

وعلى هذا يكون المقصود بالآية : التهويل من شأن يوم القيامة ، حتى يستعد الخلق لاستقباله ، بالإيمان والعمل الصالح ، حتى لا يصيبهم فيه ما يصيب العصاة المفسدين ، من خزى وهوان .

والآية الكريمة تسع المعنيين ، لأن فى هذا اليوم يرتفع الأخيار وينخفض الأشرار ، ولأن فيه - أيضا - { تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات . . . }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ} (3)

وقوله : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول تعالى ذكره : الواقعة حينئذٍ خافضة ، أقواما كانوا في الدنيا ، أعزّاء إلى نار الله .

وقوله : رَافِعَةٌ يقول : رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته . وقيل : خفضت فأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى . ذكر من قال في ذلك ما قلنا :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا عبيد الله ، يعني العَتَكيّ ، عن عثمان بن عبد الله بن سُراقة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال : الساعة خفضت أعداء الله إلى النار ، ورفعت أولياء الله إلى الجنة .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ يقول : تخللت كلّ سهل وجبل ، حتى أسمعت القريب والبعيد ، ثم رفعت أقواما في كرامة الله ، وخفضت أقواما في عذاب الله .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال : أسمعت القريب والبعيد ، خافضة أقواما إلى عذاب الله ، ورافعة أقواما إلى كرامة الله .

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرِمة ، قوله : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال : خفضت وأسمعت الأدنى ، ورفعت فأسمعت الأقصى قال : فكان القريب والبعيد من الله سواء .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ قال : سمّعت القريب والبعيد .

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : خافِضَةٌ رَافِعَةٌ خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى ، فكان فيها القريب والبعيد سواء .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{خَافِضَةٞ رَّافِعَةٌ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{خافضة} يقول: أسمعت القريب، ثم قال: {رافعة} آية يقول: أسمعت البعيد، فكانت صيحة، يعني فصارت صيحة واحدة، أسمعت القريب والبعيد. قال أبو محمد: قال الفراء عن الكلبي: {خافضة} قوما إلى النار، و {رافعة} قوما إلى الجنة.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"خافِضَةٌ رَافِعَةٌ "يقول تعالى ذكره: الواقعة حينئذٍ خافضة، أقواما كانوا في الدنيا، أعزّاء إلى نار الله.

وقوله: "رَافِعَةٌ" يقول: رفعت أقواما كانوا في الدنيا وُضَعاء إلى رحمة الله وجنته. وقيل: خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {خافضة} لمن تكبر، وتعظم على الخلق، رادّة إياه و {رافعة} لمن تواضع للخلق، وانقاد له، وقبله. وقيل: {خافضة} لأهل النار في النار كقوله تعالى: {يوم يسحبون في النار} [القمر: 48] و {رافعة} لأهل الجنة كقوله تعالى: {في مقعد صدق عند مليك مقتدر} [القمر: 55].

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

خفضت قوماً بالعدل ورفعت قوماً بالفضل.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

{خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ} فيه ثلاثة أقاويل:...

رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ترفع أقواماً وتضع آخرين: إما وصفاً لها بالشدّة؛ لأنّ الواقعات العظام كذلك، يرتفع فيها ناس إلى مراتب ويتضع ناس، وإما لأنّ الأشقياء يحطون إلى الدركات، والسعداء يرفعون إلى الدرجات؛ وإما أنها تزلزل الأشياء وتزيلها عن مقارّها، فتخفض بعضاً وترفع بعضاً: حيث تسقط السماء كسفاً وتنتثر الكواكب وتنكدر وتسير الجبال فتمرّ في الجوّ مرّ السحاب

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل، يقولون: ليل نائم ونهار صائم. وفي التنزيل: "بل مكر الليل والنهار " [سبأ: 33] والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وقرر عظمتها وحقق بعث الأمور فيها بقوله مخبراً عن مبتدأ محذوف: {خافضة} أي هي لمن يشاء الله خفضه من عظماء أهل النار وغيرهم مما يشاؤه من الجبال وغيرها إلى أسفل سافلين {رافعة} أي لضعفاء أهل الجنة وغيرهم من منازلهم وغيرها مما يشاؤه إلى عليين، لا راد لأمره ولا معقب لحكمه.