التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (161)

وقوله : { وَأَخْذِهِمُ الربا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ الناس بالباطل } بيان للون آخر من رذائلهم وقبائحهم . أى : ومن أسباب تحريم بعض الطيبات عليهم ولعنهم ، أخذهم الربا مع نهيهم عنه على ألسنة رسلنا ، وأكلهم اموال الناس بالباطل ، أى على طريق الرشوة والخيانة ، والسرقة وغير ذلك من سائر الوجوه المحرمة .

وما حملهم على هذا الولوغ فى المحرمات بشراهة وعدم مبالاة إلا أنانيتهم وبيعهم الدين بالدنيا . وقوله . { وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } جملة حالية فى محل نصب .

قال الآلوسى . وفى الآية دلالة على أن الربا كان محرما عليهم كما هو محرم علينا لأى النهى يدل على حرمة المنهى عنه ، وإلا لما توعد - سبحانه - على مخالفته .

تلك هى بعض العقوبات التى عاقبهم الله بها فى الدنيا . أما عقوبة هؤلاء اليهود فى الآخرة فقد بينها - سبحانه - فى قوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .

أى : وهيأنا وأعددنا للكافرين من أولئك اليهود الذين فسدت نفوسهم عذابا موجعا أليما ، جزاء ظلمهم وفسوقهم عن أمر الله .

وقوله { لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ } احتراس قصد به إخراج من آمن منهم من هذا العذاب الأليم ، لأن العذاب إنما هو للكافرين منهم فسحب ، أما من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأشباهه فلهم أجرهم عند ربهم .

وقد أكد - سبحانه - هذا المعنى بعد ذلك ، بأن أكرم من يستحق الإِكرام منهم ، وبشره بالأجر بالعظيم فقال ، { لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ والمؤمنون يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر أولئك سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ مِنۡهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (161)

وقوله : وأخْذِهِمُ الرّبا وهو أخذهم ما أفضلوا على رءوس أموالهم لفضل تأخير في الأجل بعد مَحِلها . وقد بينت معنى الربا فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . وقَدْ نُهُوا عَنْهُ : يعني عن أخذ الربا .

وقوله : وأكْلِهِمْ أمْوَالَ النّاسِ بالباطِلِ يعني : ما كانوا يأخذون من الرشا على الحكم ، كما وصفهم الله به في قوله : وَتَرَى كَثِيرا مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الإثْمِ والعُدْوَانِ وأكْلِهِمُ السّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ وكان من أكلهم أموال الناس بالباطل ما كانوا يأخذون من أثمان الكتب التي كانوا يكتبونها بأيديهم ، ثم يقولون : هذا من عند الله ، وما أشبه ذلك من المآكل الخسيسة الخبيثة . فعاقبهم الله على جميع ذلك بتحريمه ما حرّم عليهم من الطيبات التي كانت لهم حلالاً قبل ذلك . وإنما وصفهم الله بأنهم أكلوا ما أكلوا من أموال الناس كذلك بالباطل بأنهم أكلوه بغير استحقاق وأخذوا أموالهم منهم بغير استيجاب ، فقوله : وأعْتَدْنا للكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابا ألِيما يعني : وجعلنا للكافرين بالله وبرسوله محمد من هؤلاء اليهود العذاب الأليم ، وهو الموجع من عذاب جهنم ، عدة يصلونها في الاَخرة ، إذا وردوا على ربهم فيعاقبهم بها .