التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا} (61)

ثم صور - سبحانه - إعراضهم عن الحق ، ونفورهم عن شريعة الله - تعالى - فقال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول رَأَيْتَ المنافقين يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } .

أى : وإذا قيل لهؤلاء المنافقين أقبلوا على حكم الله وحكم رسوله ، فإن الخير كل الخير فيما شرعه الله وقضاه ، إذا ما قيل لهم ذلك { رَأَيْتَ المنافقين } الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك ، رأيتم لسوء نواياهم ، ولؤم طواياهم { يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } أى يعرضون عنك - يا محمد - إعراضا شديدا .

وقوله { تَعَالَوْاْ إلى مَآ أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول } إغراء لهم بتقبل الحق ، وحض لهم على الامتثال لشريعة الله ؛ لأنها هى الشريعة التى فيها سعادتهم ، ولكنهم لمرض قلوبهم ينفرون من الحكم المنزل من السماء إلى حكم الطاغوت الباطل .

وقال - سبحانك - { رَأَيْتَ المنافقين } ولم يقل رأيتهم بالإِضمار ؛ لتسجيل النفاق عليهم ، وذمهم به ، وللإِشعار بعلة الحكم اى : رأيتهم لنفاقهم يصدون عنك صدودا .

وقوله { صُدُوداً } مصدر مؤكد بفعله أى : يعرضون عنك إعراضا تاما بحيث لا يريدون أن يسمعوا منك شيئاً ، لأن حكمك لا يناسب أهواءهم .

فذكر المصدر هنا للتأكيد والمبالغة فكأنه قيل : صدودا أى صدود .

فأنت ترى أن الآية الكريمة قد ذكرت علامة جلية من علامات المنافقين حتى يأخذ المؤمنون حذرهم منهم ، وهى أنهم إذا ما دعوا إلى حكم الله الذى يزعمون أنهم آمنوا به ، أعرضوا عن هذا الحاكم إعراضا شديدا ، وظهر بذلك كذبهم ونفاقهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا} (61)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىَ مَآ أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدّونَ عَنكَ صُدُوداً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : ألم تر يا محمد إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك من المنافقين ، وإلى الذي يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبلك من أهل الكتاب ، يريدون أن يتحاكموا إلى الطّاغوت ، { وإذَا قِيلَ لهم تَعَالوْا إلى ما أَنْزَلَ الله } يعني بذلك : وإذا قيل لهم : تعالوا هلموا إلى حكم الله الذي أنزله في كتابه ، { وإلى الرّسُولِ } ليحكم بيننا ، { رَأَيْتَ المُنَافِقِينَ يَصُدّونَ عَنْكَ } يعني بذلك : يمتنعون من المصير إليك لتحكم بينهم ، ويمنعون من المصير إليك كذلك غيرهم صدودا .

وقال ابن جريج في ذلك بما :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { وَإذَا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إلى ما أنْزَلَ اللّهُ وَإلى الّرسُولِ } قال : دعا المسلم المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم ، قال : رأيت المنافقين يصدّون عنك صدودا .

وأما على تأويل قول من جعل الداعي إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم اليهوديّ والمدعو إليه المنافق على ما ذكرت من أقوال من قال ذلك في تأويل قوله : { ألَمْ تَرَ إلى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ } فإنه على ما بينت قبل .