البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا} (61)

{ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً } قرأ الحسن : تعالوا بضم اللام .

قال أبو الفتح : وجهها أنَّ لام الفعل من تعاليت حذفت تخفيفاً ، وضمت اللام التي هي عين الفعل لوقوع واو الجمع بعدها .

ولظهر الزمخشري حذف لام الكلمة هنا بحذفها في قولهم : ما باليت به بالة ، وأصله : بالية كعافية .

وكمذهب الكسائي في آية ، أن أصلها أيلة فحذفت اللام .

قال : ومنه قول أهل مكة : تعالي بكسر اللام للمرأة .

وفي شعر الحمداني :

تعالي أقاسمك الهموم تعالي *** والوجه : فتح اللام انتهى .

وقول الزمخشري : قول أهل مكة تعالي يحتمل أن تكون عربية قديمة ، ويحتمل أن يكون ذلك مما غيرته عن وجهه العربي فلا يكون عربياً .

وأما قوله في شعر الحمداني فقد صرّح بعضهم بأنه أبو فراس ، وطالعت ديوانه جمع الحسين بن خالويه فلم أجد ذلك فيه .

وبنو حمدان كثيرون ، وفيهم عدة من الشعراء ، وعلى تقدير ثبوت ذلك في شعرهم لا حجة فيه ، لأنه لا يستشهد بكلام المولدين .

والظاهر من قوله : رأيت المنافقين أنها من رؤية العين ، صدوا مجاهرة وتصريحاً ، ويحتمل أن يكون من رؤية القلب أي : علمت .

ويكون صدهم مكراً وتخابثاً ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالتأويل عليه .

وصدوداً : مصدر لصد ، وهو هنا متعد بحرف الجر ، وقد يتعدى بنفسه نحو : { فصدهم عن السبيل } وقياس صدّ في المصدر فعل نحو : صده صدّاً .

وحكى ابن عطية : أن صدوداً هنا ليس مصدراً ، والمصدر عنده صد .