إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيۡتَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودٗا} (61)

وقولُه تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إلى مَا أَنزَلَ الله وَإِلَى الرسول } تكملةٌ لمادة التعجيبِ ببيان إعراضِهم صريحاً عن التحاكم إلى كتاب الله تعالى ورسولِه إثرَ بيانِ إعراضِهم عن ذلك في ضمن التحاكُمِ إلى الطاغوت ، وقرئ تعالوا بضم اللام على أنه حذفُ لامِ الفعلِ تخفيفاً كما في قولهم : ما باليت بالةً أصلُها بالِية كعافية وكما قالوا في آية أن أصلُها آيِيَة فحُذفت اللام ووقعت واوُ الجمعِ بعد اللامِ في تعالَ فضُمت فصار تعالُوا ومنه قول أهلِ مكةَ للمرأة : تعالِي بكسر اللام وعليه قولُ أبي فراس الحمداني : [ الطويل ]

أيا جارتى ما أنصف الدهرُ بيننا *** تعالَيْ أُقاسمْك الهمومَ تعالِي{[146]}

{ رَأَيْتَ المنافقين } إظهارُ المنافقين في مقام الإضمارِ للتسجيل عليهم بالنفاق وذمّهم به والإشعارِ بعلة الحُكمِ ، والرؤيةُ بصَريةٌ وقوله تعالى : { يَصُدُّونَ عَنكَ } حالٌ من المنافقين ، وقيل : الرؤيةُ قلبيةٌ والجملةُ مفعولٌ ثانٍ لها والأولُ هو الأنسبُ بظهور حالِهم ، وقولُه تعالى : { صُدُوداً } مصدرٌ مؤكدٌ لفعله أي يُعرِضون عنك إعراضاً وأيَّ إعراضٍ ، وقيل : هو اسمٌ للمصدر الذي هو الصدُّ والأظهرُ أنه مصدرٌ لصدَّ اللازمِ ، والصدُّ مصدرٌ للمتعدي يقال : صَدَّ عنه صُدوداً أي أعرض عنه وصدَّه عنه صداً أي منعه منه .


[146]:ورد في ديوان أبي فراس ص 246 وبلا نسبة في شرح شذور الذهب ص 29 وشرح قطر الندى ص 32 والشاهد فيه قوله: "تعالي" حيث كسر اللام ضرورة والقياس فتحها وقيل الكسر لغة.