التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ} (49)

وبعد أن غرس - سبحانه - الطمأنينة فى قلب موسى وهارون وزودهما بأحكم الوسائل وأنجعها فى الدعوة إلى الحق . . . أتبع ذلك بحكاية جانب من الحوار الذى دار بينهما وبين فرعون بعد أن التقوا جميعها وجها لوجه فقال - تعالى - : { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا . . . } .

فقوله - تعالى - : { قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا ياموسى } حكاية لما قاله فرعون لموسى وهارون - عليهما السلام - بعد أن ذهبا إليه ليبلغاه دعوة الحق كما أمرهما ربهما - سبحانه - .

ولم تذكر السورة الكريمة كيف وصلا إليه . . لأن القرآن لا يهتم بجزئيات الأحداث التى لا تتوقف عليها العبر والعظات ، وإنما يهتم بذكر الجوهر واللباب من الأحداث .

والمعنى : قال فرعون لموسى وهارون بعد أن دخلا عليه . وأبلغاه ما أمرهما ربهما بتبليغه : من ربكما يا موسى الذى ارسلكما إلى ؟

وكأنه - لطغيانه وفجوره - لا يريد أن يعترف بأن رب موسى وهارون هو ربه وخالقه . كما قالا له قبل ذلك { إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ } وخص موسى بالنداء مع أنه وده الخطاب إليهما لظنه أن موسى - عليه السلام - هو الصل فى حمل رسالة الحق غليه ، وأن هارون هو وزيره ومعاونه أو أنه لخبثه ومكره ، تجنب مخاطبة هارون لعلمه أنه أفصح لسانا من موسى - عليهما السلام - .

قال صاحب الكشاف : خاطب فرعون الاثنين ، ووجه النداء إلى أحدهما وهو موسى ، لأنه الأصل فى النبوة ، وهارون وزيره وتابعه ، ويحتمل أن يحمله خبثه ودعارته - أى فسقه - على استدعاء كلام موسى دون كلام أخيه ، لما عرف من فصاحة هارون والرَّتة فى لسان موسى ، ويدل عليه قوله : { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } ولا شك أن ما حكاه الله - تعالى - عن فرعون من قوله { مَن رَّبُّكُمَا يا موسى } يدل على نهاية الغرور والفجور والجحود ، وشبيه بذلك قوله : - سبحانه - حكاية عنه : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي . . } وقوله - تعالى - : { فَحَشَرَ فنادى فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى }