غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ} (49)

{ قال فمن ربكما يا موسى } خاطب الاثنين ووجه النداء إلى موسى لأنه الأصل في ادعاء الرسالة وهارون وزيره ، ويجوز أنه خص موسى عليه السلام بالنداء لما عرف من فصاحة هارون والرتة التي كانت في لسان موسى . فأراد أن يعجز عن الجواب . قال أهل الأدب : إن فرعون كان شديد البطش جباراً ومع ذلك لم يبدأ بالسفاهة والشغب بل شرع في المناظرة وطلب الحجة ، فدل على أن الشغب من غير حجة شيء ما كان يرتضيه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم ؟ ! وفي اشتغال موسى بإقامة الدلالة على المطلوب دليل على فساد التقليد وفساد قول القائل بأن معرفة الله تستفاد من قول الرسول ، وفيه جواز حكاية كلام المبطل مقروناً بالجواب لئلا يبقى الشك . وفيه أن المحق يجب عليه استماع شبهة المبطل حتى يمكنه الاشتغال بحلها . واعلم أن العلماء اختلفوا في كفر فرعون فقيل : كان عارفاً بالله إلا أنه كان معانداً بدليل قوله { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض } [ الإسراء : 102 ] وقوله { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا } [ النمل : 14 ] وقوله في سورة القصص { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون }

[ الآية : 39 ] وليس فيه إلا إنكار المعاد دون إنكار المبدأ . وقوله في الشعراء

{ وما رب العالمين } [ الشعراء :23 ] إلى قوله { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون }

[ الشعراء : 27 ] يعني أنا أطلب منه الماهية وهو يشرح الوجود فدل على أنه اعترف بأصل الوجود . وأيضاً إن ملك فرعون لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام لأن موسى لما هرب إلى مدين قال له شعيب { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } [ القصص : 25 ] فكيف يعتقد مثل هذا الشخص إنه إله العالم بل كل عاقل مكلف يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم فلا يكون واجب الوجود . وأيضاً إنه سأل ههنا بمن طالبا للكيفية ، وفي " الشعراء " بما طالبا للماهية فكأن موسى لما أقام الدلالة على الوجود ترك المناظرة والمنازعة معه في هذا المقام لظهوره وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر . وأيضاً إنه قال في الجواب { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه } وصلة الذي لا بد أن تكون جملة معلومة الانتساب . ومن الناس من قال : إنه كان جاهلاً بالله بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السموات والأرض وما فيهما . فمنهم من قول : إنه كان دهرياً نافياً للمؤثر أصلاً . ومنهم من قال : إنه فلسفي قائل بالعلة الموجبة أو هو من عبدة الكواكب ، أو من الحلولية والمجسمة . وأم إدعاء الالهية والربوبية فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد لحكمه . قال بعض العلماء : إنما قال { فمن ربكما } [ طه : 49 ] ولم يقل " فمن إلهكما " تعريضاً بأنه رب موسى كما قال { ألم نربك فينا وليداً } [ الشعراء : 18 ] قلت : يحتمل أن يكون تخصيص موسى بالنداء تنبيهاً على هذا المعنى . ولم يعلم الكافر أن الربوبية التي ادّعاها موسى لله في قوله { إنا رسولا ربك } غير هذه في الحقيقة ولا مشاركة بينهما إلا في اللفظ ، وهذا كما عارض نمرود إبراهيم صلوات الرحمان عليه في قوله { أنا أحيي وأميت } [ البقرة : 258 ] ولم يعلم أن إحياءه وإماتته ليسا من الإحياء والإماتة في شيء ثم شرع موسى في الدلالة على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات ، وفيه دلالة على أن موسى كان أصلاً في النبوة وأن هارون راعى الأدب فلم يشتغل بالجواب قبله لأن الأصل في النبوة هو موسى ، ولأن فرعون خصص موسى بالنداء .

/خ37