{ قال فمن ربكما يا موسى } خاطب الاثنين ووجه النداء إلى موسى لأنه الأصل في ادعاء الرسالة وهارون وزيره ، ويجوز أنه خص موسى عليه السلام بالنداء لما عرف من فصاحة هارون والرتة التي كانت في لسان موسى . فأراد أن يعجز عن الجواب . قال أهل الأدب : إن فرعون كان شديد البطش جباراً ومع ذلك لم يبدأ بالسفاهة والشغب بل شرع في المناظرة وطلب الحجة ، فدل على أن الشغب من غير حجة شيء ما كان يرتضيه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدعي الإسلام والعلم ؟ ! وفي اشتغال موسى بإقامة الدلالة على المطلوب دليل على فساد التقليد وفساد قول القائل بأن معرفة الله تستفاد من قول الرسول ، وفيه جواز حكاية كلام المبطل مقروناً بالجواب لئلا يبقى الشك . وفيه أن المحق يجب عليه استماع شبهة المبطل حتى يمكنه الاشتغال بحلها . واعلم أن العلماء اختلفوا في كفر فرعون فقيل : كان عارفاً بالله إلا أنه كان معانداً بدليل قوله { لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض } [ الإسراء : 102 ] وقوله { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا } [ النمل : 14 ] وقوله في سورة القصص { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون }
[ الآية : 39 ] وليس فيه إلا إنكار المعاد دون إنكار المبدأ . وقوله في الشعراء
{ وما رب العالمين } [ الشعراء :23 ] إلى قوله { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون }
[ الشعراء : 27 ] يعني أنا أطلب منه الماهية وهو يشرح الوجود فدل على أنه اعترف بأصل الوجود . وأيضاً إن ملك فرعون لم يتجاوز القبط ولم يبلغ الشام لأن موسى لما هرب إلى مدين قال له شعيب { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } [ القصص : 25 ] فكيف يعتقد مثل هذا الشخص إنه إله العالم بل كل عاقل مكلف يعلم بالضرورة أنه وجد بعد العدم فلا يكون واجب الوجود . وأيضاً إنه سأل ههنا بمن طالبا للكيفية ، وفي " الشعراء " بما طالبا للماهية فكأن موسى لما أقام الدلالة على الوجود ترك المناظرة والمنازعة معه في هذا المقام لظهوره وشرع في مقام أصعب لأن العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر . وأيضاً إنه قال في الجواب { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه } وصلة الذي لا بد أن تكون جملة معلومة الانتساب . ومن الناس من قال : إنه كان جاهلاً بالله بعد اتفاقهم على أن العاقل لا يجوز أن يعتقد في نفسه أنه خالق السموات والأرض وما فيهما . فمنهم من قول : إنه كان دهرياً نافياً للمؤثر أصلاً . ومنهم من قال : إنه فلسفي قائل بالعلة الموجبة أو هو من عبدة الكواكب ، أو من الحلولية والمجسمة . وأم إدعاء الالهية والربوبية فبمعنى أنه يجب عليهم طاعته والانقياد لحكمه . قال بعض العلماء : إنما قال { فمن ربكما } [ طه : 49 ] ولم يقل " فمن إلهكما " تعريضاً بأنه رب موسى كما قال { ألم نربك فينا وليداً } [ الشعراء : 18 ] قلت : يحتمل أن يكون تخصيص موسى بالنداء تنبيهاً على هذا المعنى . ولم يعلم الكافر أن الربوبية التي ادّعاها موسى لله في قوله { إنا رسولا ربك } غير هذه في الحقيقة ولا مشاركة بينهما إلا في اللفظ ، وهذا كما عارض نمرود إبراهيم صلوات الرحمان عليه في قوله { أنا أحيي وأميت } [ البقرة : 258 ] ولم يعلم أن إحياءه وإماتته ليسا من الإحياء والإماتة في شيء ثم شرع موسى في الدلالة على إثبات الصانع بأحوال المخلوقات ، وفيه دلالة على أن موسى كان أصلاً في النبوة وأن هارون راعى الأدب فلم يشتغل بالجواب قبله لأن الأصل في النبوة هو موسى ، ولأن فرعون خصص موسى بالنداء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.