إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ} (49)

{ قَالَ } أي فرعون بعد ما أتياه وبلَّغاه ما أُمرا به ، وإنما طُوي ذكرُه للإيجاز والإشعارِ بأنهما كما أُمرا بذلك سارعا إلى الامتثال به من غير تلعثم ، وبأن ذلك من الظهور بحيث لا حاجة إلى التصريح به { فَمَن رَّبُّكُمَا يا موسى } لم يُضِف الربَّ إلى نفسه ولو بطريق حكاية ما في قوله تعالى : { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } وقوله تعالى : { قَدْ جئناك بِآيَةٍ مّن رَّبّكَ } لغاية عتوِّه ونهاية طُغيانه بل أضافه إليهما لما أن المرسِلَ لا بد أن يكون رباً للرسول ، أو لأنهما قد صرحا بربوبيته تعالى للكل بأن قالا : { إِنَّا رَسُولُ رَبّ العالمين } كما وقع في سورة الشعراءِ ، والاقتصارُ هاهنا على ذكر ربوبيته تعالى لفرعون لكفايته فيما هو المقصودُ والفاءُ لترتيب السؤال على ما سبق من كونهما رسولَيْ ربِّهما ، أي إذا كنتما رسولَي ربِّكما فأخبِراني مَنْ ربُّكما الذي أرسلكما ، وتخصيصُ النداء بموسى عليه الصلاة والسلام مع توجيه الخطابِ إليهما لما أنه الأصلُ في الرسالة وهارونُ وزيرُه ، وأما ما قيل من أن ذلك لأنه قد عرف أن له عليه الصلاة والسلام رُتّةً فأراد أن يُفحِمه فيردُّه ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حسن البيانِ القاطعِ لذلك الطمعِ الفارغ ، وأما قوله : { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } فمن غلوّه في الخُبث والدعارة كما مر .