السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ} (49)

ولما أتياه وقالا : { إنا رسولا ربك } وبلغاه ما أمرا به { قال } لهما { فمن ربكما يا موسى } إنما نادى موسى وحده بعد مخاطبته لهما معاً إما لأنّ موسى هو الأصل في الرسالة وهارون تبع وردء ووزير وإما لأن فرعون كان لخبثه يعلم الرتة التي كانت في لسان موسى عليه الصلاة والسلام ويعلم فصاحة أخيه بدليل قوله : { هو أفصح مني لساناً } [ القصص ، 34 ] فأراد أن يفحمه ويدل عليه قول فرعون { ولا يكاد يبين } [ الزخرف ، 52 ] وإمّا لأنه حذف المعطوف للعلم به أي : يا موسى وهارون قاله أبو البقاء ، ثم إنّ فرعون لم يشتغل مع موسى بالبطش والإيذاء لما دعاه إلى الله تعالى مع أنه كان شديد القوّة عظيم الغلبة كثير العسكر بل خرج معه في المناظرة لأنه لو أذاه لنسب إلى الجهل والسفاهة فاستنكف من ذلك وشرع في المناظرة وذلك يدل على أنّ السفاهة من غير حجة لم يرضه فرعون مع كمال جهله وكفره فكيف يليق ذلك بمن يدّعي الإسلام والعلم .

تنبيه : قال هاهنا { فمن ربكما يا موسى } وقال في سورة الشعراء : { وما ربّ العالمين } [ الشعراء ، 23 ]

وهو سؤال عن الماهية فهما سؤالان مختلفان والواقعة واحدة قال ابن عادل والأقرب أن يقال سؤال من كان مقدّماً على سؤال ما لأنه كان يقول : إني أنا الله والرب فقال : فمن ربكما فلما أقام موسى الدلالة على الوجود وعرف أنه لا يمكنه أن يقاومه في هذا المقام لظهوره وجلائه عدل إلى طلب الماهية لأنّ العلم بماهية الله تعالى غير حاصل للبشر .

فإن قيل : لم قال { فمن ربكما } ولم يقل فمن إلهكما ؟ أجيب : بأنه أثبت نفسه رباً في قوله : { ألم نربك فينا وليداً } [ الشعراء ، 18 ] فذكر ذلك على سبيل التعجب كأنه قال أنا ربك فلم تدع رباً آخر وهذا يشبه كلام نمروذ حين قال له إبراهيم : { ربي الذي يحي ويميت } قال له نمروذ { أنا أحيي وأميت } فلم تكن الإماتة التي ذكرها إبراهيم هي الإماتة مع الإحياء التي عارضه نمروذ بها إلا فيّ اللفظ فكذا هاهنا لما ادّعى موسى ربوبية الله تعالى ذكر فرعون هذا الكلام أي : أنا الرب الذي ربيتك ومعلوم أنّ الربوبية التي ادعاها موسى غير الربوبية في المعنى وأنه لا مشاركة بينهما ،