التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} (47)

ثم أبطل - سبحانه - ما يتعللون به من معاذير فقال : { ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لولا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين } .

و { ولولا } الأولى : امتناعية ، تدل على امتناع الجواب لوجود الشرط ، وجوابها محذوف لدلالة الكلام عليه ، و " أن " وما فى حيزها فى محل رفع بالابتداء .

و { لولا } الثانية : تحضيضية ، وجوابها قوله { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ . . } وجملة { فَيَقُولُواْ } عطف على { أَن تُصِيبَهُم } ومن جملة ما فى حيز { لولا } الأولى .

والمعنى : ولولا أن تصيب هؤلاء المشركين { مُّصِيبَةٌ } أى عقوبة شديدة . بسبب اقترافهم الكفر والمعاصى { فَيَقُولُواْ } على سبيل التعلل عند نزوزل العقوبة بهم { رَبَّنَا } أى : يا ربنا هلا أرسلت إلينا رسولا من عندك { فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ } الدالة على صدقه { وَنَكُونَ مِنَ المؤمنين } به وبما جاء به من آيات من عندك .

أى : ولولا قولهم هذا ، وتعللهم بأنهم ما حملهم على الكفر ، إلا عدم مجىء رسول إليهم يبشره وينذرهم . . لولا ذلك لما أرسلانك إليهم ، ولكنا أرسلناك إليهم لنقطع حجتهم ، ونزيل تعللهم ، ونثبت لهم أن استمرارهم على كفرهم - بعد إرسالك إليهم ، كان بسبب عنادهم وجحودهم ، واستحواذ الشيطان عليهم .

قال الإمام ابن كثير : قوله - تعالى - : { ولولا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ } أى : وأرسلناك إليهم - يا محمد لتقيم عليهم الحجة ، ولتقطع عذرهم إذا جاءهم عذاب من الله بسبب كفرهم ، فيحتجوا بأنهم لم يأتهم رسول ولا نذير ، كما قال - تعالى - بعد ذكره إنزال كتابه المبارك وهو القرآن : { أَن تقولوا إِنَّمَآ أُنزِلَ الكتاب على طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّآ أهدى مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ }