التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ} (3)

وقوله - سبحانه - : { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غوى وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى } . جواب القسم . و " ما " نافية . و " ضل " من الضلال ، والمراد به هنا : عدم الاهتداء إلى الحق ، وإلى الطريق المستقيم .

و " غوى " من الغى ، وهو الجهل الناشىء من اعتقاد فاسد ، وهو ضد الرشد .

و " الهوى " الميل مع شهوات النفس ، دون التقيد بما يقتضيه الحق ، أو العقل السليم .

والمعنى : وحق النجم الذى ترونه بأعينكم - أيها المشركون - عند غربوه وأفوله ، وعند رجمنا به للشياطين . . . إن محمدا - صلى الله عليه وسلم - الذى أرسلناه إليكم - { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } ما ضل عن طريق الحق فى أقواله وأفعاله ، وما كان رأيه مجانبا للصواب فى أمر من الأمور ، وما ينطق بنطق صادر عن هوى نفسه ورأيه ، وإنما ينطق بما نوحيه إليه من قرآن كريم ، ومن قول حيكم ، ومن توجيه سديد .

وقد أقسم - سبحانه - بالنجم عند غروبه ، للإشعار بأن هذا المخلوق العظيم مسخر لإرادة الله - تعالى - وقدرته فهو مع لمعانه وظهوره فى السماء لا يتأبى عن الغروب والأفول ، إذا ما أراد الله - تعالى - له ذلك ، ولا يصلح أن يكون إلها ، لأنه خاضع لإرادة خالقه .

ولقد حكى - سبحانه - عن نبيه إبراهيم أنه حين { جَنَّ عَلَيْهِ الليل رَأَى كَوْكَباً قَالَ هذا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفلين } قال بعض العلماء : والوجه أن يكون قوله : { إِذَا هوى } بدل اشتمال من النجم ، لأن المراد من النجم أحواله الدالة على قدرة خالقه ومصرفه ، ومن أعظم أحواله حال هويّه وسقوطه ، ويكون " إذا " اسم زمان مجردا عن معنى الظرفية ، فى محل جر بحرف القسم . .

وقال - سبحانه - : { صَاحِبُكُمْ } للإشارة إلى ملازمته صلى الله عليه وسلم - لهم ، طوال أربعين سنة قبل البعثة ، وأنهم فى تلك المدة الطويلة لم يشاهدوا منه إلا الصدق ، والأمانة ، والعقل الراجح ، والقول السديد . . . وأنهم لم يخف عليهم حاله بل كانوا مصاحبين له ، ومطلعين على سلوكه بينهم ، فقولهم بعد بعثته - صلى الله عليه وسلم - إنه ساحر أو مجنون . . . هو نوع من كذبهم البين ، وجهلهم المطبق . .