التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى ٱلۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلۡهُدَىٰٓ} (23)

ثم بين لهم - سبحانه - وجه الحق فى هذه الأصنام فقال : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ . . } . أى : ما هذه الأصنام التى عبدتموها من دون الله ، أو توهمتم أنها تشفع لكم عنده - تعالى - . ما هى إلا أسماء محضة ، ليس فيها شىء أصلا من صفات الألوهية ، وأنتم وآباؤكم سميتموها آلهة من تلقاء أنفسكم ، دون أن يكون معكم على هذه التسمية شىء من الحجة أو الدليل أو البرهان . . .

فالمضير " هى " يعود إلى اللات والعزى ومناة وغيرها نم الآلهة الباطلة .

والمراد بقوله : { أَسْمَآءٌ } : أنها ليس لها من الألوهية التى أثبتوها لها سوى اسمها ، وأما معناها وحقيقتها فهى أبعد ما تكون عن ذلك . . .

وجملة " سميتموها " صفة للأسماء ، والهاء هى المفعول الثانى ، والمفعول الأول محذوف ، والتقدير : إن هى إلا أسماء سميتموها الأصنام ، أى : سميتم بها الأصنام .

والمراد بالسلطان : الحجة والدليل ، والمراد بالإنزال : الإخبار بأنها آلهة و " من " مزيدة لتوكيد عدم الإنزال على سبيل القطع والبت .

أى : ما أخبر الله - تعالى - عنها بأنها آلهة ، بأى لون من ألوان الإخبار ، ولا توجد حجة من الحجج حتى ولو كانت واهية تشير إلى ألوهيتها .

ثم يهمل - سبحانه - خطابهم بعد ذلك ، ويذرهم فى أوهامهم يعمهون ، ويلتفت بالحديث عنهم حتى كأنهم لا وجود لهم ، فيقول : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الأنفس . . } .

أى : ما يتبع هؤلاء الجاهلون فى عبادتهم لتلك الآلهة الباطلة ، إلا الظنون الكاذبة ، وإلا ما تشتهيه أنفسهم الأمارة بالسوء ، وتقليد للآباء بدون تفكر أو تدبر . .

فالمراد بالظن هنا : الظن الباطل الذى يقوم على الاعتقاد الفاسد ، كما فى قوله - تعالى - : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } والتعريف فى قوله - سبحانه - : { وَمَا تَهْوَى الأنفس } عوض عن المضاف إليه . و { مَا } موصولة والعائد محذوف . أى : والذى تهواه أنفسهم التى استحوذ عليها الشيطان . .

وجملة : { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى } حالية من فاعل " يتبعون " ، وجىء بها لزيادة التعجب من حالهم .

أى : هم ما يتبعون إلا الظنون وما تهواه أنفسهم المحجوبة عن الحق ، والحال أنه قد جاء إليهم ، ووصل إلى مسامعهم من ربهم ، ما يهديهم إلى الصواب لو كانوا يعقلون .

وأكد - سبحانه - هذه الجملة بلام القسم وقد ، لتأكد الخبر ، ولزيادة التعجب من أحوالهم التى بلغت الغاية فى الغرابة .

والتعبير بقوله : { جَآءَهُم } يشعر بأن الحق قد وصل إليهم بدون عناء منهم ، ولكنهم مع ذلك رفضوه وأعرضوا عنه .

والتعريف فى لفظ " الهدى " يدل على كماله وسموه . أى . ولقد جاءهم من ربهم الهدى الكامل الذى ينتهى بمن يتبعه إلى الفوز والسعادة .

والمراد به : ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم - من قرآن كريم ومن سنة مطهرة .