الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِلَّا مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ} (23)

وقوله تعالى : { إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ } قال بعض المتأولين : الاستثناءُ متصلٌ ، والمعنى : إلا مَنْ تولى فإنَّكَ مُسَيْطِرٌ عليه ، فالآيةُ على هذا لا نَسْخَ فيهَا ، وقال آخرون : الاستثناء مُنْفَصِلٌ ، والمعنى : { لست عليهم بمسيطرٍ } لَكِنَّ مَنْ تَولَّى وكفر { فيعذبُه اللَّه } وهِي آيةُ مُوَادَعَةٍ مَنْسُوخَةٌ بالسَّيْفِ وهذا هُو القولُ الصحيحُ ؛ لأنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ والقِتَالُ إنَّما نَزَلَ بالمدينةِ ( ص ) : وقرأ زيد بن أسْلَم : «إلا من تولّى » : حرف تنبيه واستفتاحٍ ، انتهى . وقال ابن العربي في «أحكامِه » : روى الترمذيُّ وغيرُهُ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : " أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتى يَقُولُوا : لاَ إله إلاَّ اللَّه ، فإذَا قَالُوهَا ، عَصَمُوا مِنِّي دَمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " ، ثم قرأ : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ } مفسِّراً معنى الآيةِ وكاشفاً خفاءَ الخفاءِ عنها ، المعنى : إذا قال الناسُ : لا إله إلا اللَّه فَلَسْتَ بمسلَّطٍ على سَرَائرِهم وإنما عَلَيْكَ الظاهِرُ ، وَكِلْ سرائرَهم إلى اللَّه تعالى ، وهذا الحديثُ صحيحُ المعنى ، واللَّه أعلم ، انتهى .