وقولُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُوا } [ التوبة : 74 ] .
نزلَتْ في الجُلاَسِ بْنِ سُوَيْدٍ ، وقوله : لَئِنْ كَانَ مَا يَقُولُ محمَّد حقًّا ، لَنَحْنُ شر مِنَ الحُمُر ، فسمعها منه رَبِيبُهُ أو رَجُلٌ آخر ، فأخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فجاء الجُلاسُ ، فَحَلَفَ باللَّه ؛ مَا قالَ هذه الكلمة ، فنزلَتِ الآية ، فكلمة الكُفْر : هي مقالته هذه ؛ لأن مضمنها قَوِيٌّ في التكذيب ، قال مجاهد : وقوله : { وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُوا } : يعني : أنَّ الجُلاَس قد كان هَمَّ بقَتْل صاحبه الذي أخبر النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : نزلَتْ في عبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيٍّ ابن سَلُولَ ، وقوله في غزوة المُرَيْسِيعِ : مَا مَثَلُنَا وَمَثَلُهُمْ إِلاَّ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ ، و{ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل } [ المنافقون : 8 ] ، فبلَغَ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فوقفه ، فَحَلفَ أَنَّه لم يقُلْ ذلك ، فنزلَتِ الآية مكذِّبة له .
( ت ) وزاد ابن العربيِّ في «أحكامه » قولاً ثالثاً ؛ أنَّ الآية نزلَتْ في جماعة المنافقين ؛ قاله الحسن ، وهو الصحيحُ ؛ لعموم القول ووجود المعنَى فيه ، وفيهم ، انتهى .
وحدَّث أبو بَكْرٍ بْنُ الخَطِيبِ بسنده ، قال : سُئِلَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ عن الهَمِّ : أيؤاخَذُ به صاحِبُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، إِذَا كَانَ عَزْماً ؛ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قوله تعالى : { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } الآية ، إِلى قوله : { فَإِن يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَّهُمْ } ، فجعل عليهم فيه التَّوْبَةِ ، قال سفيانُ : الهَمُّ يسوِّد القلْبَ انتهى .
قال ( ع ) : وعلى تأويل قتادة ، فالإِشارة ب{ كَلِمَةَ الكفر } إِلى تمثيل ابنِ أُبَيٍّ «سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ » ،
قال قتادة : والإِشارة ب{ هَمُّوا } إِلى قوله : { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة } [ المنافقون : 8 ] .
وقال الحَسَنُ : هُمَّ المنافِقُونَ من إِظهار الشرك ومكابرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا ، وقال تعالَى : { بَعْدَ إسلامهم } ، ولم يقل «بعد إِيمانهم » ؛ لأن ذلك لم يتجاوزْ ألسنتهم .
وقوله سبحانه : { وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله } كأَنَّ الكلامَ ، وما نقموا إِلا ما حقُّه أنْ يُشْكَرَ ، وذُكِرَ رسولُ اللَّه في إِغنائهم منْ حَيْثُ كَثُرَتْ أموالهم من الغنائِمِ ، ورسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَبٌ في ذلك ، وعلى هذا الحَدِّ قال عليه السلام للأنصارِ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ : ( كُنْتُمْ عَالَةً ، فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ ) ، قال العراقيُّ : { نَقَمُوا } : أي : أنْكَرُوا .
وقال ( ص ) : { إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله } : إِنْ وصلْتَها : مفعولُ{ نَقَمُوا } : أي : ما كرهوا إِلا إِغْنَاء اللَّه إِياهم ، وقيل : هو مفعولٌ من أجله ، والمفعولُ به محذوفٌ ، أي : ما كرهوا الإِيمانَ إِلاَّ للإغناء . انتهى .
ثم فتح لهم سبحانَهُ بابَ التَّوْبةِ ؛ رفقاً بهم ولطفاً ، فروي أن الجُلاَسَ تَابَ من النفاقِ ، وقال : إِن اللَّه قَدْ تَرَكَ لي بَابَ التَّوْبَة ، فاعترف وأخْلَصَ ، وحَسُنت توبته .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.