فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِ} (6)

{ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد( 4 )كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب( 5 )وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار( 6 ) } .

ما يجادل جدال المماري في آيات ربنا ، وما يصدّ عنها ويسعى لإطفاء نورها إلا الخاسر الفاجر المعاند الجاحد ، ويشهد لهذا المعنى ما بينته الآية التالية : { . . وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } ، أما الجدال لإقامة الحجة فهو منهاج القرآن : { . . قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }{[4048]}-لأنه لا يظهر الفرق بين الحق والباطل ، إلا بظهور حجة الحق ودحض حجة الباطل ، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الكتاب وباهلهم{[4049]} بعد الحجة ؛ وفي قول الله عز وجل : { . . فلما تحاجون فيما ليس لكم به علم . . }{[4050]} دليل أن الاحتجاج بالعلم مباح سائغ لمن تدبر .

[ فأما الجدال فيها لإيضاح ملتبسها ، وحل مشكلها ، ومقادحة أهل العلم في استنباط معانيها ، ورد أهل الزيغ بها وعنها ، فأعظم جهاد في سبيل الله{[4051]} ] ؛ فلا تلتفت لاستدراجهم مهما أمهلتهم ومهما يسرت لهم من تقلب في البلاد ، وانتشار في أرجائها ، وسعة في الرزق وزخرف الدنيا ومتاعها ، فإني لن أمهلهم بل سأبطش بهم كما فعلت بالطاغين من قبلهم ، قوم نوح ومن على شاكلتهم ؛ كذبوا مثل تكذيبهم ، وأرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، وشرع كل قوم في التنكيل برسولهم ، لكني عجلت في الدنيا النكال بهم ، وقضيت أن يُرَدّوا في الآخرة إلى عذاب النار مخلدين في سوء مصيرهم .


[4048]:سورة البقرة: من الآية 111.
[4049]:المباهلة: أن يجتمع قوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا لعنة الله على الظالم منا.
[4050]:سورة آل عمران: من الآية 66.
[4051]:ما بين العارضتين مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن.