فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{غَافِرِ ٱلذَّنۢبِ وَقَابِلِ ٱلتَّوۡبِ شَدِيدِ ٱلۡعِقَابِ ذِي ٱلطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ} (3)

{ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير( 3 ) } .

ومع قهر الملك المهيمن فوق عباده ، ومع إحاطته بأعمالهم وأقوالهم وأحوالهم –وكذا سائر ما برأ وذرأ- فإنه يستر الذنب ويقبل رجعة من أقلع عن الغواية ، وأقبل على طريق الهداية ، وتشتد{[4046]} بطشته ونكاله بمن طغى واستحب العمى على الهدى ، وإن عطاءه ينال من يحب ومن لا يحب-ولا يعطي الدين إلا من أحب- وإنه الرب على الحقيقة ولا معبود بحق سواه ، وكل من في السماوات والأرض راجع إليه ، موقوف بين يديه ، مجزي بما قدم في دنياه .

نقل القرطبي{[4047]}عن ابن عباس : { غافر الذنب } لمن قال لا إله إلا الله { وقابل التوب } ممن قال لا إله إلا الله { شديد العقاب } لمن لم يقل لا إله إلا الله . . { ذي الطول } ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله .


[4046]:مما نقل النيسابوري: ذكر أهل الإعراب هنا سؤالا، وهو أن {غافر الذنب وقابل التوب} توجيههما بأنهما معرفتان كما سبق في {مالك يوم الدين} وهو بمعنى أنهما الماضي أو الاستمرار فيصح وقوعهما صفتين لله، إلا أن قوله:{شديد العقاب} لا يمكن فيه هذا الوجه لأنه في معنى شديد عقابه، فإن قلنا إنه صفة لزم وقوع النكرة صفة للمعرفة؛ وإن قلنا إنه بدل لزم نبوّ ظاهر، للزوم بدل واحد فيما بين صفات كثيرة؛ وأجيب على تقدير أن لا يكون الكل أبدالا بأن الألف واللام من {شديد} محذوفة لمناسبة ما قبله من أمن من اللبس؛ ومن جهالة الموصوف أو تعمد تنكيره من بين الصفات للإبهام والدلالة على فرط الشدة، وجوزوا أن تكون هذه النكتة سببا لجعله بدلا من بين سائر أخواته.
[4047]:كما قال: وقال أهل الإشارة:{غافر الذنب} فضلا {وقابل التوب} وعدا {شديد العقاب} عدلا {لا إله إلا هو إليه المصير} فردا. وروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه افتقد رجلا ذا بأس شديد من أهل الشام، فقيل له: تتابع في هذا الشراب، فقال عمر لكاتبه: اكتب من عمر إلى فلان؛ سلام عليك، وأنا أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو {بسم الله الرحمن الرحيم حم. تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم.غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير} ثم ختم الكتاب وقال لرسوله: لا تدفعه إليه حتى تجده صاحيا؛ ثم أمر من عنده بالدعاء له بالتوبة؛ فلما أتته الصحيفة جعل يقرؤها ويقول: قد وعدني الله أن يغفر لي، وحذرني عقابه؛ فلم يبرح يرددها حتى بكى ثم نزع فأحسن النزع وحسنت توبته. فلما بلغ عمر أمره قال: هكذا فاصنعوا إذا رأيتم أحدا قد زل زلة فسددوه وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه.