فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَجَزَىٰهُم بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةٗ وَحَرِيرٗا} (12)

{ وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ( 12 ) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ( 13 ) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ( 14 ) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير ( 15 ) قوارير من فضة قدروها تقديرا ( 16 ) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا ( 17 ) عينا فيها تسمى سلسبيلا ( 18 ) }

يجزي الله تعالى الأبرار فوق وقايتهم هول الحساب والعذاب ، ونضرة الوجوه وبهجة الخواطر يلقونها ، لهم من ربنا الغفور والودود لقاء صبرهم على الطاعة وفي السراء والضراء وحين البأس ، لهم دخول الجنة ، ولبس الحرير ، والاتكاء على السرر المزدانة ، والظل الظليل ، والحياة الناعمة ، التي لا حر فيها ولا قر ، ليس فيها وهج الشمس ، ولا برد الجليد ؛ وقطوف الثمار دانية قريبة منهم ، ينالونها قعودا أو قياما أو رقودا ، ويطوف عليهم خدم يحملون آنية الشراب ، وإنها لعجيبة ، وعجيب ما فيها ، فهي من فضة ليست كالتي نراها وإنما هي أبيض من الفضة وأصفى من الزجاج ، تشف عما بداخلها ، { . . صنع الله الذي أتقن كل شيء . . . }{[8538]} والشراب فيها على قدر حاجة الشارب دون زيادة أو نقصان ، وأشربتهم مزاجها وخلطها كل ما لذ طعمه وطاب ريحه من أنهار الجنة وعيونها .

نقل القرطبي عن الترمذي الحكيم ما حاصله : فالتسنيم للمقربين خاصة شربا لهم ، والكافور للأبرار شرب لهم ؛ يخرج للأبرار من التسنيم شرابهم ، وأما الزنجبيل والسلسبيل فللأبرار منها مزاج ، هكذا ذكره في التنزيل وسكت عن ذكر ذلك لمن هي له شرب ، فما كان للأبرار مزاج ، فهو للمقربين صرف ، وما كان للأبرار صرف فهو لسائر أهل الجنة مزاج ؛ والأبرار هم الصادقون ؛ والمقربون هم الصديقون . اه .

أقول : ويشهد لبعض ما ساق الترمذي قول الحق جل علاه : { ومزاجه من تسنيم }{[8539]} وقد جاءت متصلة بقوله سبحانه : { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين }{[8540]} وقوله تبارك وتعالى : { تعرف في وجوههم نضرة النعيم . يسقون من رحيق مختوم . ختامة مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ومزاجه من تسنيم }{[8541]} ثم جاء عقب تلك الآية قوله الله تبارك اسمه : { عينا يشرب بها المقربون }{[8542]} .


[8538]:-- سورة النمل. من الآية 88.
[8539]:- سورة المطففين. الآية 27.
[8540]:- سورة المطففين. الآية 18.
[8541]:- سورة المطففين. الآيات: 24-27.
[8542]:- سورة المطففين. الآية 28.