الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ} (2)

وكانت لقريش رحلتان ؛ يرحلون في الشتاء إلى اليمن ، وفي الصيف إلى الشام ، فيمتارون ويتجرون ، وكانوا في رحلتيهم آمنين ؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته ، فلا يتعرّض لهم ، والناس غيرهم يتخطفون ويغار عليهم ، والإيلاف من قولك : آلفت المكان أولفه إيلافاً : إذا ألفته ، فأنا مألف . قال :

مِنَ الْمُؤْلِفَاتِ الرَّهْوِ غَيْرِ الأوَاركِ ***

وقرىء : «لئلاف قريش » أي : لمؤالفة قريش . وقيل : يقال : ألفته إلفاً وإلافاً . وقرأ أبو جعفر : «لإلف قريش » ، وقد جمعهما من قال :

زَعَمْتُمْ أَنْ إخْوَتَكُمْ قُرَيْشٌ *** لَهُمْ إلْفٌ وَلَيْسَ لَكُمْ إلاَفُ

وقرأ عكرمة : «ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف » . وقريش : ولد النضر بن كنانة سموا بتصغير القرش : وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن ، ولا تطاق إلاّ بالنار . وعن معاوية أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما : بم سميت قريش ؟ قال : بدابة في البحر تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى . وأنشد :

وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ البح *** رَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشاً

والتصغير للتعظيم . وقيل : من القرش وهو الكسب ؛ لأنهم كانوا كسابين بتجاراتهم وضربهم في البلاد . أطلق الإيلاف ثم أبدل عنه المقيد بالرحلتين ، تفخيماً لأمر الإيلاف ، وتذكيراً بعظم النعمة فيه ؛ ونصب الرحلة بإيلافهم مفعولاً به ، كما نصب ( يتيماً ) بإطعام ، وأراد رحلتي الشتاء والصيف ، فأفرد لأمن الإلباس ، كقوله :

كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ . . . . . . ***

وقرىء : «رحلة » بالضم : وهي الجهة التي يرحل إليها .