اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} (27)

قوله : { إِلاَّ الذي فَطَرَنِي } فيه أربعةُ أوجهِ :

أحدها : أنه استثناء منقطع ، لأنهم{[49764]} كانوا عَبَدَةَ أصنامٍ{[49765]} فقط{[49766]} .

الثاني : أنه متصل ؛ لأنه روي أنهم كانوا يشركون مع الباري غيره{[49767]} .

الثالث : أن يكون مجروراً بدلاً من » ما «الموصولة في قوله : { مِّمَّا تَعْبُدُونَ } قاله الزمخشري{[49768]} . ورده أبو حيان : بأنه لا يجوز إلا في نفي أو شبهه . قال : «وغَرَّهُ كونُ «بَرَاء » في معنى النفي ، ولا ينفعه ذلك ، لأنه موجب »{[49769]} . قال شهاب الدين : قد تأول النحاة ذلك في مواضع من القرآن كقوله : { ويأبى الله إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ } [ التوبة : 32 ] ، { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخاشعين } [ البقرة : 45 ] . والاستثناء المفرغ لا يكون في إيجاب ، ولكن لما كان «يَأْبى » بمعنى لا يفعل ، «وَإنَّها لكَبِيرَةٌ » بمعنى لا تَسْهلُ ولا تَخِفُّ ساغ ذلك فهذا مثله{[49770]} .

الرابع : أن تكون إلا صفة بمعنى غير على أن تكون «ما » نكرةة موصوفة . قاله الزمخشري{[49771]} . قال أبو حيان : وإنما أخْرَجَهَا في هذا الوجه عن كونها موصولة ، لأنه يرى أن «إلاَّ » بمعنى غير لا يوصف بها إلا النكرة وفيها خلاف . فعلى هذا يجوز أن تكون «ما » موصولة «و » إلا «بمعنى غير صفة لها{[49772]} .

فصل

{ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي } أي خلقني { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } يرشدني لدينه ويوفقني لطاعته .


[49764]:في ب وأنهم.
[49765]:في ب الأصنام.
[49766]:وقد ذكره أبو إسحاق الزجاج في المعاني 4/409.
[49767]:ذكره هو وما قبله أبو حيان في البحر 8/11، 12.
[49768]:الكشاف 3/484.
[49769]:بالمعنى من البحر 8/12.
[49770]:الدر المصون 4/779.
[49771]:الكشاف له 3/484.
[49772]:بالمعنى من البحر المحيط 8/12.