البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِلَّا ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُۥ سَيَهۡدِينِ} (27)

والظاهر أن قوله : { إلا الذي فطرني } استثناء منقطع ، إذ كانوا لا يعبدون الله مع أصنامهم .

وقيل : كانوا يشركون أصنامهم معه تعالى في العبادة ، فيكون استثناء متصلاً .

وعلى الوجهين ، فالذي في موضع نصب ، وإذا كان استثناء متصلاً ، كانت ما شاملة من يعلم ومن لا يعلم .

وأجاز الزمخشري أن يكون الذي مجروراً بدلاً من المجرور بمن ، كأنه قال : إنني براء مما تعبدون ، إلا من الذي .

وأن تكون إلا صفة بمعنى : غير ، على أن ما في ما تعبدون نكرة موصوفة تقديره : إنني براء من آلهة تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } انتهى .

ووجه البدل لا يجوز ، لأنه إنما يكون في غير الموجب من النفي والنهي والاستفهام .

ألا ترى أنه يصلح ما بعد إلا لتفريغ العامل له ؟ وإنني بريء ، جملة موجبة ، فلا يصلح أن يفرغ العامل فيها للذي هو بريء لما بعد إلا .

وعن الزمخشري : كون بريء ، فيه معنى الانتفاء ، ومع ذلك فهو موجب لا يجوز أن يفرغ لما بعد إلا .

وأما تقديره ما نكرة موصوفة ، فلم يبقها موصولة ، لاعتقاده أن إلا لا تكون صفة إلا لنكرة .

وهذه المسألة فيها خلاف .

من النحويين من قال : توصف بها النكرة والمعرفة ، فعلى هذا تبقى ما موصولة ، ويكون إلا في موضع الصفة للمعرفة ، وجعله فطرني في صلة الذي .

تنبيه على أنه لا يعبد ولا يستحق العبادة إلا الخالق للعباد .

{ فإنه سيهدين } : أي يديم هدايتي ، وفي مكان آخر : { الذين خلقني فهو يهدين } فهو هاديه في المستقبل .

والحال والضمير في جعلها المرفوع عائد على إبراهيم ، وقيل على الله .

والضمير المنصوب عائد على كلمة التوحيد التي تكلم بها ، وهي قوله : { إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني } .

وقال قتادة ومجاهد والسدي : لا إله إلا الله ، وإن لم يجر لها ذكر ، لأن اللفظ يتضمنها .

وقال ابن زيد : كلمة الإسلام لقوله : { ومن ذريتنا أمة مسلمة لك } { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت } { هو سماكم المسلمين }