اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ إِنَّكَ لَن تَسۡتَطِيعَ مَعِيَ صَبۡرٗا} (67)

{ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } . وإنَّما قال ذلك ؛ لأنَّه علم أنَّه يرى معه أموراً كثيرة منكرة ، بحسب الظاهر ، ولا يجوز للأنبياء أن يصبروا على المنكرات ، ثمَّ بيَّن عذره في ترك الصَّبر ، فقال : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } ، أي : علماً .

واعلم أنَّ المتعلِّم على قسمين : متعلِّم ليس عنده شيءٌ من المعلوم ، ولم يمارس الاستدلال ، ولم يتعوَّد التقرير ، و الاعتراض ، ومتعلِّم حصَّل العلوم الكثيرة ، ومارس الاستدلال والاعتراض ، ثم إنَّه يريد أن يخالط إنساناً أكمل منه ؛ ليبلغ درجة الكمال ، فالتعلم في حقِّ هذا القسم الثاني شاقٌّ شديدٌ ؛ لأنه إذا رأى شيئاً ، أو سمع كلاماً ، فربَّما يكون ذلك منكراً بحسب الظاهر ، إلاَّ أنه في الحقيقة صوابٌ حقٌّ ، فهذا المتعلم لأجل أنه ألف الكلام والجدال ، يغترُّ بظاهره ، ولأجل عدم كماله ، لا يقف على سرِّه وحقيقته ، فيقدم على النِّزاع ، والاعتراض ، والمجادلة ، وذلك مما يثقل سماعه على [ الأستاذ ]{[13]} المتبحِّر ، فإذا اتَّفق مثل هذه الواقعة مرتين أو ثلاثة ، حصلت النُّفرة التامَّة والكراهة الشديدة العظيمة ، وإلى هذا ، أشار الخضر بقوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } أي أنَّه ألف الإثبات والإبطال ، والاستدلال والاعتراض .


[13]:ستأتي في "المؤمنون" 1 وينظر: شرح الطيبة 4/ 145.