قوله : { فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَماً فَقَتَلَهُ } الآية .
اعلم أنَّ لفظ الغلام قد يتناول الشابَّ البالغ ، وأصله من الاغتلامِ ، وهو شدَّة الشّبَقِ ، وذلك إنما يكون في الشَّباب ، وقد يتناولُ هذا اللفظُ الصبي الصغير ، وليس في القرآن كيف لقياه : هل كان يلعبُ مع الغلمان ، أو كان منفرداً ؟ أو هل كان مسلماً ، أو كان كافراً ؟ أو هل كان بالغاً ، أو صغيراً ؟ لكن اسم الغلام بالصَّغير أليقُ ، وإن احتمل الكبير ، إلاَّ أن قوله : " بغير نفسٍ " أليق بالبالغ منه بالصبيِّ ؛ لأن الصبيَّ لا [ يقتل ] {[21227]} {[21228]} .
قال ابن عباس{[21229]} : لم يكن نبي الله يقول : أقتلت نفساً زكيَّة بغير نفس إلاَّ وهو صبيٌّ لم يبلغ{[21230]} .
وكيفيَّة قتله ، هل كان بحزِّ رأسه ، أو بضرب رأسه بالجدار ، أو بطريق آخر ؟ فليس في لفظ القرآن ما يدلُّ على شيءٍ من هذه الأقسام ، لكنَّه روي في الحديث عن ابن عباس عن أبيِّ بن كعب قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنَّ الغلام الذي قتله الخضرُ ، طبع كافراً ، ولو عاش ، لأرهق والديه طغياناً وكفراً " {[21231]} .
فإن قيل : إنَّ موسى استبعد أن يقتل النَّفس إلاَّ لأجل القصاصِ ، وليس الأمر كذلك ، لأنه قد يحلُّ دمه بسبب آخر .
فالجواب : أنَّ السَّبب الأقوى هو ذاك .
قوله : { زَكِيَّةً } : قرأ{[21232]} " زَاكِية " بألف وتخفيف الياء : نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وبدون الألف وتشديد الياء : الباقون ، فمن قرأ " زاكيةً " فهو اسمُ فاعلٍ على أصله ، ومَنْ قرأ " زَكِيَّةً " فقد أخرجه إلى فعيلة للمبالغة .
قال الكسائيُّ والفراء : معناهما واحدٌ ؛ مثل القاسيةِ والقسيَّة ، وقال أبو عمرو بن العلاء : الزَّاكيةُ : التي لم تذنبْ قطُّ ، والزكيَّة : التي أذنبت ثم تابت .
[ والغلام : من لم يبلغْ ] . وقد يطلق على البالغ الكبير . فقيل مجازاً باعتبار ما كان . ومنه قول ليلى : [ الطويل ]
شَفاهَا مِنَ الدَّاءِ الذي قَدْ أصَابهَا *** غُلامٌ إذَا هزَّ القَناةَ شَفاهَا{[21233]}
تَلقَّ ذُبَابَ السَّيفِ عنِّي فإنَّني *** غُلامٌ إذا هو جيتُ لستُ بِشاعرِ{[21234]}
وقيل : بل هو حقيقة ، لأنه من الاغتلام وهو الشَّبق ، وذلك إنما يكون في الشاب المحتلمِ ، والذي يظهرُ أنه حقيقةٌ فيهما عند الاطلاق ، فإذا أريد أحدهما ، قيد كقوله : " لغُلامَيْنِ يَتيمينِ " وقد تقدَّم ترتيب أسماءِ الآدميِّ من لدن هو جنينٌ إلى أن يصير شيخاً ، ولله الحمد ، في آل عمران .
قال الزمخشري : " فإن قلت : لم قال : " حتى إذا ركبا في السفينة خرقها " بغير فاءٍ ، و " حتَّى إذا لقيا غلاماً ، فقتله " بالفاء ؟ قلت : جعل " خَرقهَا " جزاء للشرط ، وجعل " قتلهُ " من جملة الشرط معطوفاً عليه ، والجزاء " قال : أقتلت " فإن قلت : لم خولف بينهما ؟ قلت : لأنَّ الخرق لم يتعقَّب الركوب ، وقد تعقَّب القتل لقاء الغلام " .
قوله : بغَيْرِ نفسٍ " فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أنها متعلقة ب " قَتلْتَ " .
الثاني : أنها متعلقة بمحذوف ، على أنها حال من الفاعل ، أو من المفعول ، أي : قتلته ظالماً ، أو مظلوماً ، كذا قدَّره أبو البقاء{[21235]} ، وهو بعيد جدًّا .
الثالث : أنها صفة لمصدر محذوف ، أي : قتلاً بغير نفسٍ .
قوله : " نُكْراً " قرأ نافع{[21236]} ، وأبو بكر ، وابن ذكوان بضمَّتين ، والباقون بضمة وسكون ، وهما لغتان ، أو أحدهما أصلٌ ، و " شَيْئاً " : يجوز أن يراد به المصدر ، أي : مجيئاً نكراً ، وأن يراد به المفعول به ، أي : جئت أمراً منكراً ، وهل النكر أبلغ من الإمر ، أو بالعكس ؟ فقيل : الإمرُ أبلغُ ؛ لأنَّ قتل أنفسٍ بسبب الخرقِ أعظم من قتل نفسٍ واحدة وأيضاً : فالإمر هو الداهية العظيمة فهو أبلغ من النكر ، وقيل : النُّكر أبلغ ، لأن معه القتل الحتم ، بخلاف خرق السفينة ، فإنه يمكن تداركه ؛ ولذلك قال : " ألَمْ أقُلْ لَكَ " ولم يأتِ ب " لَكَ " مع " إمْراً " ؛ لأن هذه اللفظة تؤكِّد التَّوبيخ . وقيل : زاد ذلك ، لأنَّه نقض العهد مرَّتين ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.