قوله : { { فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ } الآية .
قيل : كان ملكاً من الملائكة ، والصحيح ما ثبت في التَّواريخ ، وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه الخضر ، واسمه بليا بن ملكان .
وقيل : كان من نسل بني إسرائيل .
وقيل : كان من أبناء الملوك الذين زهدُوا في الدنيا ، والخضر لقبٌ له ، سمِّي بذلك ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنَّما سمِّي خضراً ؛ لأنَّه جلس على فَرْوةٍ بيْضاءَ ، فإذا هِيَ تهتزُّ تَحْتَهُ خَضِراً " {[21209]} .
وقال مجاهد : إنما سمِّي خضراً ؛ لأنَّه كان إذا صلَّى ، اخضرَّ ما حوله{[21210]} .
روي في الحديث أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا رأى الخضر - عليه السلام - سلَّم عليه ، فقال الخضر : وأنَّى بأرضك السلام ؟ قال : أنا موسى ، قال : موسى بني إسرائيل ؟ قال : نعم ، أتيتك ؛ لتعلِّمنِي ممَّا علِّمت رشداً{[21211]} .
فصل في بيان أن الخضر كان نبياً
قال أكثر المفسرين{[21212]} : إنَّه كان نبيًّا ، واحتجوا بوجوهٍ :
الأول : قوله : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } والرحمة : هي النبوة ؛ لقوله تعال { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } [ الزخرف : 32 ] .
وقوله : { وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [ القصص : 86 ] .
والمراد من هذه الرحمة النبوة ، ولقائلٍ أن يقول : سلَّمنا أن النبوَّة رحمة ، ولكن لا يلزمُ بكلِّ رحمةٍ نبوةٌ .
الثاني : قوله تعالى : { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } وهذا يدل على أنه علمه لا بواسطة ، ومن علَّمه الله شيئاً ، لا بواسطة البشر ، يجب أن يكون نبيًّا ، وهذا ضعيفٌ ؛ لأنَّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله ، وذلك لا يدلُّ على النبوَّة .
الثالث : قول موسى - عليه السلام - : " هل أتَّبِعُك على أن تعلِّمنِي ممَّا علِّمتَ رُشداً " والنبي لا يتَّبع غير النبي في التعلُّم .
وهذا أيضاً ضعيفٌ ؛ لأنَّ النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيًّا ، [ أما في غير تلك العلوم فلا ]{[21213]} . الرابع : أنَّ ذلك العبد أظهر الترفُّع على موسى ، فقال : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } فأما موسى ، فإنه أظهر التواضع له ؛ حيث قال : { وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً } وذلك يدلُّ على أنَّ ذلك العالم كان فوق موسى ، ومن لا يكون نبيًّا ، لا يكون فوق النبيِّ ، وذلك أيضاً ضعيفٌ ؛ لأنه يجوز أن يكون غير النبيِّ فوق النبي في علومٍ لا تتوقَّف نبوته عليها .
فالجواب : وتكليمه بغير واسطة يوجب التَّنفير .
فإن قالوا : هذا لا يوجبُ التنفير ، فكذلك فيما ذكروه .
الخامس : احتجَّ الأصم بقوله : " وما فعلتهُ عن أمْرِي " أي : فعلته بوحي الله تعالى ، وذلك يدلُّ على النبوة ، وهذا ضعيف أيضاً .
روي أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا وصل إليه ، فقال : السلام عليك ، فقال : وعليك السلام ، يا نبيَّ بني إسرائيل ، فقال موسى : من عرَّفك هذا ؟ قال : الذي بعثك إليَّ{[21214]} ؛ وهذا يدلُّ على أنَّه إنما عرف ذلك بالوحي ، والوحي لا يكون إلا إلى النبيِّ .
ولقائلٍ أن يقول : لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات ؟ .
قال البغوي{[21215]} : ولم يكن الخضرُ نبيًّا عند أكثر أهل العلم .
قوله : { آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } أي : علم الباطن إلهاماً .
و " عِلْماً " : مفعول ثان ل " عَلَّمْناهُ " قال أبو البقاء{[21216]} : " ولو كان مصدراً ، لكان تعليماً " يعني : لأنَّ فعله على " فعَّل " بالتشديد ، وقياس مصدره " التَّفعيلُ " .
و " مِنْ لدُنَّا " يجوز أن يتعلق بالفعل قبله ، أو بمحذوف على أنه حالٌ من " عِلْماً " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.