قوله : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا } بينَّا { فِي هذا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } .
اعلم أن الكفَّار ، لما افتخروا على فقراء المسلمين بكثرة أموالهم وأتباعهم ، وأبطل الله أقوالهم الفاسدة ، وذكر المثلين المتقدِّمين ، ذكر بعده : { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هذا القرآن لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ } وهو إشارة إلى ما سبق ، والتصريف يقتضي التكرير ، والأمر كذلك ؛ لأنه تعالى أجاب عن شبهتهم التي ذكروها من وجوهٍ كثيرةٍ ، والكفار مع تلك الجوابات الصَّافية ، والأمثلة المطابقة لا يتركون المجادلة الباطلة ؛ فقال : { وَكَانَ الإنسان أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } .
قوله : { مِن كُلِّ مَثَلٍ } : يجوز أن تكون " مِنْ كلِّ " صفة لموصوف محذوف ، وهو مفعول " صرَّفنا " ، أي : صرَّفنا مثلاً من كلِّ مثلٍ ، ويجوز أن تكون " مِنْ " مزيدة على رأي الأخفش والكوفيين .
قوله : " جَدَلاً " منصوب على التمييز ، وقوله : { أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً } أي : أكثر الأشياء التي يتأتَّى منها الجدالُ ، إن فصَّلتها واحداً واحداً ، يعني أنَّ الإنسان أكثر جدلاً من كلِّ شيء يجادلُ ، فوضع " شيءٍ " موضع الأشياء ، وهل يجوز أن يكون جدلاً منقولاً عن اسم كان ؛ إذ الأصل : وكان جدلُ الإنسان أكثر شيء ؟ فيه نظر ، وكلام أبي البقاء يشعر بجوازه ؛ فإنه قال{[21170]} : " فيه وجهان :
أحدهما : أنًَّ شيئاً ههنا في معنى فجادل ، لأنَّ أفعل يضاف إلى ما هو بعضٌ له ، وتمييزه ب " جدلاً " يقتضي أن يكون الأكثر مجادلاً ، وهذا من وضع العام موضع الخاص .
والثاني : أن في الكلام محذوفاً ، تقديره : وكان جدل الإنسان أكثر شيءٍ ، ثم ميَّزه " . فقوله : " تقديره : وكان جدل الإنسان " يفيد أنَّ إسناد " كان " إلى الجدلِ جائز في الجملة ، إلا أنه لا بدَّ من تتميم لذلك : وهو أن تتجوَّز ، فتجعل للجدلِ جدلاً ؛ كقولهم : " شِعرٌ شَاعرٌ " يعني أنَّ لجدل الإنسان جدلاً هو أكثر من جدلِ سائر الأشياءِ .
وهذه الآية دالَّة على أنَّ الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - جادلوهم في الدِّين حتَّى صاروا مجادلين ؛ لأنَّ المجادلة لا تحصل إلاَّ من الطرفين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.