اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَكَيۡفَ تَصۡبِرُ عَلَىٰ مَا لَمۡ تُحِطۡ بِهِۦ خُبۡرٗا} (68)

وقوله : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } إشارةٌ إلى كونه غير عالمٍ بالحقائقِ ، وقد تقدم أنه متى حصل الأمران ، [ عسر ]{[14]} السُّكوت ، وعسر التعلم ، وانتهى الأمر بالآخرة إلى النُّفرة التامة ، وحصول التقاطع .

قوله : " خُبْراً " : فيه وجهان :

الأول : أنه تمييزٌ لقوله " تُحِطْ " وهو منقول من الفاعلية ؛ إذ الأصل : مما لم يحطْ به خبرك .

والثاني : أنه مصدر لمعنى لم تحط ؛ إذ هو في قوَّة : لم يخبره خبراً ، وقرأ{[15]} الحسن " خُبُراً " بضمتين .

فصل في أن الاستطاعة تحصل قبل الفعل

قال ابن الخطيب{[16]} : احتجَّ أصحابنا بقوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } على أن الاستطاعة تحصل قبل الفعل .

وقالوا : لو كانت الاستطاعة على الفعل حاصلة قبل [ حصول الفعل ]{[17]} ، لكانت الاستطاعة على الصَّبْر حاصلة لموسى قبل حصول الصَّبر ، فيلزم أن يكون قوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } كذباً ، ولمَّا بطل ذلك ، علمنا أنَّ الاستطاعة لا توجد قبل الفعل .

أجاب الجبائيُّ بأنَّ المراد من هذا القول : أنَّه يثقل عليه الصَّبر ؛ لا أنه لا يستطيعه ، يقال في العرف : " إنَّ فلاناً لا يستطيع أن يرى فلاناً ، ولا أن يجالسه " إذا كان يثقل عليه ذلك .

ونظيره قوله تعالى : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع } [ هود : 20 ] أي كان يشقُّ عليهم الاستماع .

وأجيب بأنَّ هذا عدولٌ عن الظاهر من غير دليل ، وأنه لا يجوز ، ومما يؤكد استدلال الأصحاب قوله تعالى : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } استبعد حصول الصبر على ما لا يقف الإنسان على حقيقته ، ولو كانت الاستطاعة قبل الفعل لكانت القدرة على الفعل حاصلة قبل حصول ذلك العلم ، ولو كان كذلك لما كان حصول الصبر عند عدم ذلك العلم مستبعداً ؛ لأن القادر على الفعل لا يبعد منه إقدامه على ذلك الفعل ولما حكم الله تعالى باستبعاده ، علمنا أن الاستطاعة ، تحصل قبل الفعل .


[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.