وقوله : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } إشارةٌ إلى كونه غير عالمٍ بالحقائقِ ، وقد تقدم أنه متى حصل الأمران ، [ عسر ]{[14]} السُّكوت ، وعسر التعلم ، وانتهى الأمر بالآخرة إلى النُّفرة التامة ، وحصول التقاطع .
قوله : " خُبْراً " : فيه وجهان :
الأول : أنه تمييزٌ لقوله " تُحِطْ " وهو منقول من الفاعلية ؛ إذ الأصل : مما لم يحطْ به خبرك .
والثاني : أنه مصدر لمعنى لم تحط ؛ إذ هو في قوَّة : لم يخبره خبراً ، وقرأ{[15]} الحسن " خُبُراً " بضمتين .
فصل في أن الاستطاعة تحصل قبل الفعل
قال ابن الخطيب{[16]} : احتجَّ أصحابنا بقوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } على أن الاستطاعة تحصل قبل الفعل .
وقالوا : لو كانت الاستطاعة على الفعل حاصلة قبل [ حصول الفعل ]{[17]} ، لكانت الاستطاعة على الصَّبْر حاصلة لموسى قبل حصول الصَّبر ، فيلزم أن يكون قوله : { إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً } كذباً ، ولمَّا بطل ذلك ، علمنا أنَّ الاستطاعة لا توجد قبل الفعل .
أجاب الجبائيُّ بأنَّ المراد من هذا القول : أنَّه يثقل عليه الصَّبر ؛ لا أنه لا يستطيعه ، يقال في العرف : " إنَّ فلاناً لا يستطيع أن يرى فلاناً ، ولا أن يجالسه " إذا كان يثقل عليه ذلك .
ونظيره قوله تعالى : { مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السمع } [ هود : 20 ] أي كان يشقُّ عليهم الاستماع .
وأجيب بأنَّ هذا عدولٌ عن الظاهر من غير دليل ، وأنه لا يجوز ، ومما يؤكد استدلال الأصحاب قوله تعالى : { وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً } استبعد حصول الصبر على ما لا يقف الإنسان على حقيقته ، ولو كانت الاستطاعة قبل الفعل لكانت القدرة على الفعل حاصلة قبل حصول ذلك العلم ، ولو كان كذلك لما كان حصول الصبر عند عدم ذلك العلم مستبعداً ؛ لأن القادر على الفعل لا يبعد منه إقدامه على ذلك الفعل ولما حكم الله تعالى باستبعاده ، علمنا أن الاستطاعة ، تحصل قبل الفعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.