اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي ٱلۡحَجِّۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٖ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (197)

" الحَجُّ " مبتدأ ، و " أشْهُرٌ " خبره ، والمبتدأ والخبر لا بدّ أن يصدقا على ذاتٍ واحدٍ ، و " الحَجُّ " فعلٌ من الإفعال ، و " أشْهُرٌ " زمانٌ ، فيهما غيران ، فلا بدَّ من تأويل ، وفيه ثلاثة احتمالات :

أحدها : أنَّه على حذف مضافٍ من الأوَّل ، تقديره : أشهر الحج أشهر معلوماتٌ . أي : لا حجَّ إلاَّ في هذه الأشهر ولا يجوز في غيرها ، كما كان يفعله أهل الجاهيلَّة في غيرها ، كقوله البرد شهران ، أي : وقت البرد شهران .

الثاني : الحذف من الثاني تقديره : الحجّ حجّ أشهرٍ ، فيكون حذف من كل واحدٍ ما أثبت نظيره .

الثالث : أن تجعل الحدث نفس الزَّمان مبالغةً ، ووجه المجاز كونه حالاًّ فيه ، فلما اتُّسع في الظَّرف جعل نفس الحدث ، ونظيره :

{ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } [ الأحقاف : 15 ] وإذا كان ظرف الزمان نكرةً مخبراً به عن حدثٍ ، جاز فيه الرفع والنَّصب مطلقاً ، أي : سواءً كان الحدث مستوعباً للظَّرف ، أم لا ، هذا مذهب البصريين .

وأمَّا الكوفيُّون فقالوا : إن كان الحدث مستوعباً ، فالرَّفع فقط نحو : " الصَّوْمُ يومٌ " ، وإن لم يكن مستوعباً ، فهشامٌ يلتزم رفعه أيضاً نحو : " مِيَعَادُكَ يَوْمٌ " والفرَّاء يجيز نصبه مثل البصريّين ، وقد نقل عنه أنَّه منع نصب " أشْهُر " ، يعني : في الآية الكريمة ، لأنها نكرةٌ ، فيكون له في المسألة قولان ، وهذه مسألةٌ طويلةٌ .

قال ابن عطيَّة : " ومنْ قَدَّر الكَلاَم : الحج في أشهر ، فيلزَمُهُ مع سقوطِ حَرْفِ الجَرّ نصبُ الأَشْهُر ، ولم يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ " قال أبَو حيان رحمه الله : ولا يَلْزَمُ ذلك ؛ لأنَّ الرَّفْع على جِهة الاتِّساع ، وإن كان أصلُهُ الجرَّ ب " في " .

فصل

أجمع المفسِّرون على أنَّ شوَّالاً ، وذا القعدة ، من أشهر الحج ، واختلفوا فى ذي الحَّجة فقال عروة بن الزُّبير : إنها بكليتها من أشهر الحج وهو قول مالك ، وداود .

وقال أبو حنيفة : العشر الأول من ذي الحجَّة من أشهر الحجِّ ؛ وهو قول ابن عبَّاسٍ ، وابن عمر ، والنخعي ، والشعبي ، ومجاهد ، والحسن{[2933]} .

وقال الشافعيُّ – رحمه الله – التسعة الأول ، مع ليلة النَّحر من أشهر الحج{[2934]} .

حجَّة الأوَّل : أن الأشهر جمعٌ ، وأقلُّه ثلاثةٌ{[2935]} ، وأيضاً فإنَّ أيَّام النَّحر يفعل فيها بعض ما يتَّصل بالحج : من رمي الجمار ، والذَّبح ، والحلق ، وطواف الزِّيارة ، والبيتوتة يعني ليالي منى ، وإذا حاضت المرأة ، فقد تؤخِّر الطَّواف الذي لا بدَّ منه إلى انقضاء أيَّامٍ بعد العشرة . ومذهب عروة{[2936]} تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر .

والجواب أنَّ لفظ الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد ؛ بدليل قوله :

{ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا } [ التحريم : 4 ] . وقال – عليه السَّلام : " الاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ{[2937]} " وأيضاً فإنَّه نزَّل بعض الشَّهر منزلة كلِّه ، فإنّ العرب تسمِّي الوقت تامّاً بقليله ، وكثيره ، يقال زرتك سنة كذا ، وأتيتك يوم الخميس ، وإنما زاره ، وأتاه في بعضه ، وأيضاً فإنَّ الجمع ضمُّ شيءٍ إلى شيءٍ ، فإذا جاز أن يسمَّى الاثنان جماعةً ، جاز أن يسمَّى الاثنان ، وبعض الثَّالث جماعةً ، وأمَّا رمي الجمار ، فإنما يفعله الإنسان ، وقد حلّ بالحلق والطَّواف ، والنَّحر ، فكأنه ليس من أعمال الحجِّ ، والحائضُ إذا طافت بعده ، فكأنه في حكم القضاء ، لا في حكم الأداء .

حجَّة الثاني : أنَّ المفسرين قالوا : أنّ يوم الحجِّ الأكبر ، هو يوم النَّحر ، لأنَّ معظم أفعال الحج يفعل فيه : من طواف الزيارة ؛ الذي هو ركنٌ في الحج ، والرَّمي ، والذَّبح ، والحلق ، فدخوله في أيام الحج أولى .

حجَّة الشافعي – رحمه الله تعالى - :أنَّ الحجَّ يفوت بطلوع الفجر يوم النَّحر ، والعبادة لا تفوت مع بقاء وقتها .

فصل

قال بعض العلماء : لا يجوز أن يُهِلَّ بالحج قيل أشهر الحج ، وهو قول ابن عباس ، وجابر ، وبه قال عطاء ، وطاوس ، ومجاهد{[2938]} ، وإليه ذهب الأوزاعي ، والشافعيُّ ، وأحمد فى رواية ، وإسحاقٌ .

وقال مالكٌ ، والثوريُّ وأبو حنيفة – رضي الله عنه – يجوز .

حجَّة الأول : قوله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ } .

جمع الأشهر جمع تقليلٍ ، على سبيل التَّنكير ؛ لا يتناول الكلَّ ، وأكثر الجمع إلى عشرةٍ ، وأدناه إلى ثلاثةٍ ، وعند التنكير ينصرف إلى الأدنى ، واتفق المفسِّرون على أنّ تلك الثَّلاثة ، شوَّال وذو القعدة ، وبعض ذي الحجَّة .

وإذا تقرَّر هذا ، وجب ألاَّ يجوز الإحرام بالحجِّ قبل الوقت ؛ لأنَّ الإحرام بالعبادة قبل وقت أدائها لا يصحّ ؛ كالصَّلاة ، وخطبة الجمعة قبل الوقت .

حجَّة الثاني : قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } [ البقرة : 189 ] ، فجعل الأهلَّة كلَّها مواقيت الحجِّ ، وليس مواقيتاً للأداء ، فثبت أنها مواقيت لصحَّة الإحرام ، ويجوز أن يسمَّى الإحرام حجّاً ؛ مجازاً ، كما سمّيَ الوقت حجّاً في قوله : " الحَجُّ أَشْهُرٌ " بل هنا أولى ؛ لأن الإحرام أقرب إلى الحج من الوقت . وقد اشتهر بين أكابر الصّحابة أنَّهم قالوا : إتمام الحجِّ والعمرة أن يحرم بهما من دويرة أهله ، ومن يكن منزله بعيداً يجب أن يكون في المشرق أو في المغرب ، فلا بدَّ وأن يحرم بالحج قبل أشهرٍ ، وأيضاً فإنَّ الإحرام التزامٌ بالحجِّ ، فجاز تقديمه على الوقت ؛ كالنَّذر .

وأجاب الأوَّلون عن قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ } بأنَّ قوله " الحجُّ أَشْهُرٌ " أخصُّ منها ، وفرَّقوا بين النَّذر ، والإحرام : بأنَّ الوقت معتبرٌ للأداء ، ولا اتِّصال للنذر بالأداء ، بدليل أنّ الأداء لا يتصور إلاَّ بعقد مبتدأ ، والإحرام مع كونه التزاماً ، فهو شروعٌ في الأداء ، وعقدٌ عليه ؛ فلا جرم افتقر إلى الوقت .

فصل

قوله : " مَعْلُومَاتٌ " أي : معلومات عندهم ، مقررة لبيان الشرع ، بخلاف مرادهم بها . أو معلوماتٌ ببيان الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام وأنها مؤقتةٌ في أوقات معينة ، لا يجوز تقديمها ولا تأخيرها ، كما فعلوه في النَّسيء .

قوله : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } .

يجوز في " مَنْ " أن تكون شرطيةً ، وأن تكون موصولةً ، كما تقدَّم في نظائرها ، و " فِيهنَّ " متعلِّقٌ ب " فَرَضَ " . والضَّمير في " فِيهِنَّ " يعود على " أَشْهُر " وجيء به كضمير الإناث ، لما تقدم من أنَّ جمع غير العاقل في القلَّة يعامل معاملة جمع الإناث على الأفصح ؛ فلذلك جاء " فِيهِنَّ " دون " فِيهَا " ، وهذا بخلاف قوله :

{ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [ التوبة : 36 ] لأنه هناك جمع كثرة .

وفرض في اللُّغة : ألزم وأوجب ، يقال فرضت عليك كذا ، أي : أوجبته ، وأصل الفرض في اللغة : التَأثير والحزُّ والقطع .

قال ابن الأعرابي{[2939]} – رحمه الله تعالى - : الفرض الحزُّ في القدح ، [ وفي الوتد ، وفي غيره ] ، وفرضة القوس : الحزُّ الذي فيه الوتر ، وفرضه الوتد الحزُّ الذي فيه ، ومنه فرض الصلاة ؛ لأنها لازمةٌ للعبد كلزوم الحزّ للقدح ، ففرض ها هنا – بمعنى : أوجب ، وقد جاء في القرآن " فَرَضَ " بمعنى أبان ؛ قال تعالى : { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [ النور : 1 ] بالتخفيف ، وقوله : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [ التحريم : 2 ] .

وهو راجع إلى معنى القطع ؛ لأنَّ من قطع شيئاً ، فقد أبانه من غيره ، والله تعالى إذا فرض شيئاً ، أبانه عن غيره ، ففرض بمعنى : أوجب : وفرض : بمعنى أبان ؛ كلاهما راجعٌ إلى أصل واحدٍ ؛ ومن ها هنا فرَّق بعضهم بين الفرض والواجب{[2940]} ، فقالوا :

الفرضُ ما ثبت بدليل قطعيّ ؛ لأن أصله القطع ، وسمَّاه بالركن .

والواجب ما ثبت بدليل ظنِّي ، وجعل الفرض لا يسامح به ، عمداً ولا سهواً ، وليس له جابر ، والواجب ما يجبر ويسامح فيه العباد لسهوة ، قال أبو العباس المقرىء : ورد لفظ " فَرَضَ " في القرآن بإزاء خمسة معان :

الأول : فرض بمعنى أوجب ، كهذه الآية الكريمة ، ومثله : { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ } [ البقرة : 237 ] أي أوجبتم .

الثاني : فرض بمعنى بيَّن ، قال تعالى : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [ التحريم : 2 ] .

ومثله { سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا } [ النور : 1 ] .

الثالث : فرض : بمعنى أحلَّ ؛ قال تعالى : { مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ } [ الأحزاب : 38 ] أي أحلَّ .

الرابع : فرض : بمعنى أنزل ؛ قال تعالى : { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ }

[ القصص : 85 ] أي : أنزل .

الخامس : الفرض : الفريضة في قسمة المواريث ؛ كما قال تبارك وتعالى : { فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ } [ النساء : 11 ] .

فصل

قوله : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } يدلُّ على أنّه لا بدَّ للمحرم من فعل يفعله ؛ يصير به محرماً وحاجاً ، واختلفوا في ذلك الفعل .

فقال الشَّافعيُّ ، وأحمد : ينعقد الإحرام بمجرد النِّية ، من غير حاجةٍ إلى التَّلبية .

وقال أبو حنيفة : لا يصحُّ الشُّروع في الإحرام بمجرد النية ؛ حتى يضمَّ إليه التَّلبية أو سوق الهدي .

وقال القفَّال في تفسيره{[2941]} : ويروى عن جماعةٍ من العلماء ؛ أنّ من أشعر هديه أو قلَّده ، فقد أحرم ، وروى نافع عن ابن عمر أنّه قال : إذا قلَّد أو أشعر ، فقد أحرم{[2942]} ، وعن ابن عباسٍ : إذا قلَّد الهدي وصاحبه يريد العمرة أو الحجَّ ، فقد أحرم{[2943]} .

قوله : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } إمَّا جواب الشَّرط ، وإمَّا زائدةٌ في الخبر على حسب القولين المتقدِّمين .

وقرأ{[2944]} أبو عمرٍ وابن كثير : بتنوين " رَفَثَ " و " فُسُوقَ " ، ورفعهما ، وفتح " جِدَالَ " .

والباقون : بفتح الثَّلاثة .

وأبو جعفر – ويروى عن عاصم – برفع الثلاثة والتنوين .

فأمَّا قراءة الرفع ففيها وجهان :

أظهرهما : أنَّ " لا " ملغاةٌ ، وما بعدها رفع بالابتداء ، وسوَّغ الابتداء بالنكرة ؛ تقدُّم النفي عليها ، و " في الحجّ " خبر المبتدأ الثالث ، وحذف خبر الأول ، والثاني ؛ لدلالة خبر الثالث عليهما ، أو يكون " في الحج " خبر الأول ، وحُذِفَ خبرُ الثاني ، والثالث ؛ لدلالةِ خبرِ الأولِ عليهما ، ويجوزُ أنْ يكونَ " في الحج " خبرَ الثلاثة ، ولا يجوزُ أَنْ يكونَ " في الحجِّ " خبرَ الثاني ، وحُذِفَ خبرُ الأولِ ، والثالث ؛ لقبح مثل هذا التركيب ، ولتأديته إلى الفصل .

والثاني : أن تكون " لاَ " عاملةً عمل ليس ، ولعملها عمل ليس شروطٌ : تنكير الاسم ، وألاَّ يتقدَّم الخبر ، ولا ينتقض النفيُ ؛ فيكونُ " رَفَثَ " اسمَها ، وما بعده عطْفٌ عليه ، و " في الحجِّ " الخبرُ على حسب ما تقدَّم من التقادير فيما قبله .

وخرَّجه ابن عطية بهذا الوجه ، وهو ضعيفٌ ؛ لأنَّ إعمال " لا " عمل ليس لم يقم عليه دليل صريحٌ ، وإنما أنشدوا أشياء محتملةً ، أنشد سيبويه : [ مجزوء الكامل ]

987 – مَنْ صَدَّ عَنْ نِيرَانِهَا *** فَأَنَا ابْنُ قَيْسٍ لاَ بَرَاحُ{[2945]}

وأنشد غيره : [ الطويل ]

988 – تَعَزَّ فَلاَ شَيْءٌ عَلَى الأَرْضِ باقيَا *** وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ وَاقِيَا{[2946]}

وقول الآخر : [ البسيط ]

989 – أَنْكَرْتُها بَعْدَ أَعْوَامِ مَضَيْنَ لَهَا *** لاَ الدَّارُ دَاراً وَلاَ الجِيرَانُ جَيرَانَا{[2947]}

وأنشد ابن الشَّجري : [ الطويل ]

990 – وحَلَّتْ سَوادَ القَلْبِ لاَ أَنَا بِاغِياً *** سِوَاهَا وَلاَ فِي حُبِّها مُتَرَاخِيَا{[2948]}

وللكلام على الأبيات موضعٌ غير هذا .

وأمَّا من نصب الثلاثة منونةً فتخريجها على أن تكون منصوبةً على المصدر بأفعال مقدرةٍ من لفظها ، تقديره : فلا يَرْفُثُ رَفَثاً ، ولا يَفُسُقُ فُسُوقاً ولا يُجَادِلُ جِدَالاً ، وحينئذٍ فلا عمل ل " لا " فيما بعدها ، وإنَّما هي نافيةٌ للجمل المقدرة ، و " في الحجِّ " متعِّلقٌ بأيِّ المصادر الثَّلاثة شئت ، على أنَّ المسألة من التنازع ، ويكون هذا دليلاً على تنازع أكثر من عاملين ، وقد يمكن أن يقال : إنَّ " لا " هذه هي التي للتَّبرئة على مذهب من يرى أنَّ اسمها معربٌ منصوب ، وإنما حذف تنوينه ؛ تخفيفاً ، فرجع الأصل في هذه القراءة الشاذة كما رجع في قوله : [ الوافر ]

991 – أَلاَ رَجُلاً جَزَاهُ اللَّهُ خَيْراً *** . . . {[2949]}

وقد تقدَّم تحريره .

وأمَّا قراءة الفتح فى الثَّلاثة فهي " لا " التي للتَّبرئة . وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أم بناءٍ ؟ فيه قولان ، الجمهور على أنَّها فتحة بناءٍ ، وإذا بني معها ، فهل المجموع منها ، ومن اسمها في موضع رفع بالابتداء ، وإن كانت عاملة فى الاسم النصب على الموضع وما بعدها ، ولا خبر لها ؟ أو ليس المجموع فى موضع مبتدأ ، بل " لاَ " عاملةٌ في الاسم النَّصب على الموضع ، وما بعدها خبرٌ ل " لاَ " ؛ لأنَّها أجريت مجرى " أنَّ " فى نصب الاسم ، ورفع الخبر ؟ قولان :

الأول : قول سيبويه{[2950]} .

والثاني : قول الأخفش . وعلى هذين المذهبين ، يترتَّب الخلاف فى قوله : " فِي الحَجِّ " ، فعلى مذهب سيبويه : يكون فى موضع خبر المبتدأ ، وعلى رأي الأخفش : يكون فى موضع خبر " لا " ، وقد تقدَّم شيء من هذا أول الكتاب .

وأمَّا من رفع الأولين ، وفتح الثالث : فالرفع على ما تقدَّم ، وكذلك الفتح ، إلا أنه ينبغي أن ينبَّه على شيءٍ : وهو أنَّا قلنا بمذهب سيبويه من كون " لا " وما بني معها في موضع المبتدأ ، يكون " في الحج " خبراً عن الجميع ؛ إذ ليس فيه إلاَّ عطف مبتدأ على مبتدأ ، وأمّا على مذهب الأخفش ، فلا يجوز أن يكون " في الحجِّ " إلا خبراً للمبتدأين ، أو خبراً ل " لاَ " . لا يجوز أن يكون خبراً للكلِّ ؛ لاختلاف الطالب ؛ لأنَّ المبتدأ يطلبه خبراً له ، ولا يطلبه خبراً لها .

وإنَّما قرئ كذلك ، قال الزمخشري{[2951]} : " لأنَّهما حَمَلا الأوَّلَيْنِ على معنى النَّهي ، كأنه قيلَ : فلا يكوننَّ رَفَثٌ ولا فُسُوقٌ ، والثالثُ على معنى الإخبارِ بانتفاء الجِدالِ ، كأنه قِيلَ : ولا شكَّ ولا خلاف في الحجِّ " ، واستدلَّ على أنّ المنهيَّ عنه هو الرفث والفسوق دون الجدال ، بقوله عليه السلام : " مَنْ حَجَّ فلم يَرْفُثْ ولم يَفْسُقْ{[2952]} . . . " وأنه لم يذكر الجدال .

وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ سبقه إليه صاحب هذه القراءة ؛ إلاَّ أنه أفصح عن مراده ، قال أبو عمرو بن العلاء - أحد قارئيها - : الرفع بمعنى فَلاَ يَكُونُ رَفَثٌ وَلاَ فُسُوقٌ ؛ أي شيء يخرج من الحجِّ ، ثم ابتدأ النفي فقال : " ولا جدال " ، فأبوا عمرو لم يجعل النفيين الأوَّلين نهياً ، بل تركهما على النَّفي الحقيقي .

فمن ثم ، كان في قوله هذا نظيرٌ ؛ فإنَّ جملة النفي بلا التبرئة ، قد يراد بها النهي أيضاً ، وقيل ذلك فى قوله تعالى :

{ لاَ رَيْبَ فِيهِ }

[ البقرة : 2 ] . والذي يظهر فى الجواب عن ذلك ، ما نقله أبو عبد الله الفاسي عن بعضهم فقال : " وقيل : الحُجَّةُ لِمَنْ رَفَعَهُمَا أنَّ النفيَ فيهما ليس بعامٍّ ؛ إذ قد يقعُ الرفَثُ ، والفُسُوقُ فى الحَجِّ من بعض الناسِ ، بخِلاَفِ نفي الجِدَالِ في أَمْرِ الحجِّ ؛ فإنه عامٌّ ؛ لاسْتِقْرَارِ قَوَاعِدِهِ " .

قال شهاب الدِّين . وهذا يتمشَّى على عُرف النَّحويين ، فإنهم يقولون : " لا " العاملة عمل " لَيْسَ " لنفي الوحدة ، والعاملة عمل " إنَّ " لنفي الجنس ، قالوا : ولذلك يقال : لا رجل فيها ، بل رجلان ، أو رجالٌ ؛ إذا رفعت ، ولا يحسن ذلك إذا بنيت اسمها أو نصبت بها .

وتوسَّط بعضهم فقال : التي للتبرئة نصٌّ في العموم ، وتلك ليس نصًّا .

والظاهر أنَّ النكرة في سياق النفي مطلقاً للعموم ، وقد تقدَّم معنى الرَّفث فى قوله : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر : هو الجماع{[2953]} ، وهو قول الحسن ، ومجاهد ، وعمرو بن دينار ، وقتادة ، وعكرمة ، والنخعي ، والربيع .

وروي عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - : الرَّفث : غشيان النساء ، والتَّقبيل ، والغمز ، وأن يعرض لها بالفحش من الكلام{[2954]} .

وقال طاوسٌ{[2955]} : هو التَّعريض للنساء بالجماع ، وذكره بين أيديهنَّ .

وقال عطاءٌ : الرَّفث : هو قول الرجل للمرأة فى حال الإحرام : إذا حللت ، أَصَبْتُكِ{[2956]} .

وقيل الرَّفث : الفحش ، والفسق{[2957]} وقد تقدم في قوله : { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ } [ البقرة : 26 ] .

وقرأ{[2958]} عبد الله " الرَّفُوث " وهو مصدر بمعنى الرَّفث .

وقوله : " فَلاَ رَفثَ " وما في حيِّزه فى محلِّ جزمٍ ، إن كانت " مَنْ " شرطيةً ، ورفع ، إن كانت موصولةً ، وعلى كلا التقديرين ، فلا بدَّ من رابطٍ يرجع إلى " مَنْ " ؛ لأنها إن كانت شرطيةً ، فقد تقدَّم أنه لا بدَّ من ضمير يعود على اسم الشرط ، وإن كانت موصولة ، فهي مبتدأ والجملة خبرها ، ولا رابط فى اللَّفظ ، فلا بدَّ من تقديره ، وفيه احتمالان :

أحدهما : أن تقديره : ولا جدال منه ، ويكون " منه " صفَّة ل " جِدَال " ، فيتعلَّق بمحذوف ، فيصير نظيره قولهم : " السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ " تقديره : منوان منه .

والثاني : أن يقدَّر بعد " الحج " تقديره : ولا جدال في الحجِّ منه ، أو : له . ويكون هذا الجارُّ في محلِّ نصب على الحال من " الحج " .

وللكوفيِّين في هذا تأويل آخر : وهو أنَّ الألف واللام نابت مناب الضمير ، والأصل : في حجِّه ، كقوله : { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ }

ثم قال : { فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } [ النازعات :40-41 ] أي : مأواه .

وكرَّر الحجَّ ؛ وضعاً للظاهر موضع المضمر تفخيماً ؛ كقوله : [ الخفيف ]

992 – لاَ أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ *** . . . {[2959]}

وكأنَّ نظم الكلام يقتضي : " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الحجَّ فَلاَ رَفَث فيه " ، وحسَّن ذلك في الآية الكريمة الفصل بخلاف البيت .

والجدال مصدر " جَادَل " . والجدال : أشدُّ الخصام ، مشتقٌّ من الجدالة ، وهي الأرض ؛ كأن كلَّ واحد من المتجادلين يرمي صاحبه بالجدالة .

قال القائل : [ الرجز ]

993 – قَدْ أَرْكَبُ الآلَةَ بَعْدَ الآلهْ *** واتْرُكُ العَاجِزَ بالْجَدَالَهْ{[2960]}

ومنه " الأَجْدَلُ " للصَّقر ؛ لشدَّته .

وقال القائل : [ الكامل ]

994 - . . . *** يَهْوِي مُحَارِبُهَا هُوِيَّ الأجْدَلِ

والجدل : فَتْلُ الحبل ، ومنه زمامٌ مجدولٌ ، أي : محكم الفتل .

فصل

قد تقدَّم أنّ الفسق : هو الخروج عن الطَّاعة{[2961]} ، واختلف المفسرون فيه ، فحمله أكثر المحقِّقين على كلِّ المعاصي ، وهذا قول ابن عباس – رضي الله عنهما - ، وطاوس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، والزهري ، والربيع ، والقرظي ، قالوا : لأنَّ اللفظ صالحٌ للكلِّ ، والنَّهي عن الشَّيء يوجب الانتهاء عن جميع أنواعه ؛ ويؤكده قوله تعالى { فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } [ الكهف : 50 ] ، وقوله :

{ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ } [ الحجرات : 7 ] .

وذهب بعضهم إلى أنَّ المراد منه بعض أنواعه ، ثم ذكروا وجوهاً .

أحدها : قال الضحّاك{[2962]} : المراد التنابز بالألقاب ؛ لقوله تعالى :

{ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإَيمَانِ } [ الحجرات : 11 ] .

والثاني : قال عطاء ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي{[2963]} : المراد السّباب ، لقوله – عليه السلام - " سِبَابُ المؤْمِن فُسُوقٌ ، وقِتَالُه كُفْرٌ " {[2964]} .

الثالث : أنَّ المراد منه الإيذاء ، والإفحاش ؛ قال تعالى : { وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ } [ البقرة : 282 ] .

الرابع : قال ابن زيد : هو الذَّبح للأصنام{[2965]} ؛ فإنّهم كانوا فى حجِّهم يذبحون لأجل الأصنام قال تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] ، وقوله : { أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ الأنعام : 145 ] .

الخامس : قال ابن عمر : هو قتل الصَّيد ، وسائر محظورات الإحرام{[2966]} .

وأمّا الجدال : فهو " فِعَالٌ " من المجادلة ، الذي هو الفَتْلُ ، يقال : زمامٌ مجدولٌ وجديلٌ ، أي : مفتولٌ ، والجديل : اسم للزِّمام ؛ لأنه لا يكون إلاَّ مفتولاً ، وسميت المخاصمة مجادلة لأنّ كلَّ واحدٍ من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه . وذكر المفسرون فيه وجوهاً :

أحدها : قال ابن مسعود ، وابنُ عباس ، والحسنُ : هو الجدالُ الذي يخافُ معه الخروجُ إلى السِّباب ، والتكذيب ، والتجهيل{[2967]} . وهو قولُ عمرو بن دينار ، وسعيد بن جُبَيرٍ ، وعِكْرمة ، والزهريِّ ، وعطاءٍ ، وقتادة{[2968]} .

الثاني : قال محمد بن كعب القُرظيُّ : إِنَّ قُريشاً كانوا إذا اجتمعوا بِمنَى قال بعضهُم : حجُّنا أَتَمُّ . وقال آخرون : بل حَجُّنَا أَتَم ، فَنَهَاهُمَّ اللَّهُ عن ذلك{[2969]} .

الثالث : قال القاسِمُ بن محمد : هو أنْ يقولَ بعضهُم : الحَجُّ اليَوْمَ ، ويقول بعضُهم : الحج غداً{[2970]} ، وذلك بأنهم أُمِرُوا بأن يَجْعَلُوا حِسَابَ الشهور على الأهِلَّةِ ، فكان بعضُهم يجعلُ الشهورَ على الأَهِلّةِ ، وآخرون يجعلونها بالعدد فلهذا السبب ؛ كانوا يختلفون .

الرابع : قال مقاتِلٌ ، والقفّال{[2971]} : هو ما جادلُوا فيه النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – حين أمرهُم بنسخ الحج إلى العُمْرَة ، إلاَّ مَنْ قَلّدَ الهَدْيَ ، قالُوا : كيف نجعلُها عُمْرَةً ، وقد سمينا الحج ؟ ! فهذا جِدَالُهم{[2972]} .

الخامس : قال مَالِكٌ في " الموطأ " : الجدالُ في الحج أنَّ قريشاً كانوا يقفون عن المشعَرِ الحَرَامِ في المُزْدَلِفة بقزح{[2973]} وغيرهم يقفُ بعرفاتٍ ، وكُلٌّ منهم يزعَمُ أنّ موقفهُ موقف إبراهيم ، ويقولُ عليه الصلاة والسلام نحن أصْوَبُ ؛ فقال الله تعالى : { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } [ الحج : 67 – 68 ] قال مالكٌ : هذا هو الجِدالُ فيما يُروى والله أعلم .

السَّادس : قال ابنُ زيْدٍ : كانوا يَقِفُون مَواقِف مختلقة ، فبعضهم يقفُ بعرفة ، وبعضهم بالمزدلفة ، وبعضُهم حجَّ في ذي القَعْدة ، وبعضُهم في ذي الحَجَّةِ ، وكُلٌّ يقول : ما فعلتُه هو الصَّوَابُ{[2974]} ؛ فقال تعالى : { وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، أَي : اسْتَقَرَّ أَمرُ الحج على ما فعلهُ الرسولُ - عليه السلام - فلا اختلاف فيه مِنْ بعدِ ذلك ، وذلك معنى قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - " أَلاَ إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوات والأَرْضَ " {[2975]} .

قال مجاهدٌ : معناه : لا شَكَّ في الحجِّ أنّه في ذي الحجةِ ، فأَبْطَلَ اللَّهُ النَّسِيءَ{[2976]} .

قال أهلُ المعاني{[2977]} : ظَاهِرُ الآية الكريمة نفيٌ ومعناه نَهْيٌ ، أي لا ترفُثُوا ، ولا تَفسقوا ولا تُجَادِلُوا ؛ كقوله تعالى { لاَ رَيْبَ فِيهِ }

[ البقرة : 3 ] أي : لا ترتابُوا .

قال القاضي{[2978]} : قوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } يحتملُ أن يكونَ خبراً ، وأنْ يكونَ نَهْياً ، كقوله : { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ، أي : لا تَرْتَابُوا فيه ، وظاهرُ اللفظِ للخبر ، فإذا حَمَلناهُ على الخبر كان معناه : أنّ الحجة لا تثبتُ مع واحدةٍ من هذه الخِلالِ ، بل تَفْسُدُ ؛ كالضدِّ لها وهي مانعةٌ من صحَّته ، وعلى هذا الوجه لا يستقيم المعنى ؛ إلاَّ أَنْ يُراد بالرفَثِ ، الجماعُ [ المفسِدُ للحج ، ويُحْملُ الفسوقُ على الزِّنا ؛ لأنه يُفسِدُ الحجَّ ، ويُحملُ الجِدالُ على الشَّكِّ في وجوب الحجِّ ]{[2979]} ؛ لأن ذلك يكون كُفْراً ، فلا يَصِحَّ معه الحج ، وإنَّما حَمَلْنَا هذه الألفاظ على هذه المعاني ؛ حتَّى يصحَّ خبرُ اللَّهِ بأنَّ هذه الأشياء لا تُوجَدُ مع الحج .

فصل

قال ابنُ العَرَبيِّ{[2980]} : المرادُ بقوله : " فَلاَ رَفَثَ " نَفْيُهُ مَشْرُوعاً لا مَوجُوداً ، فإِنَّا نَجِدُ الرفثَ فيه حِسّاً ، وخبرُ اللَّهِ تعالى لا يجُوزُ أَنْ يَقَعَ بخلاف مخبره ، وإنما يرجعُ النفيُ إلى وجوده مَشْرُوعاً لا إلى وجوده مَحْسُوساً ؛ كقوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ } [ البقرة : 228 ] أي : مشروعاً لا حسّاً ، فإنَّا نجدُ المطلقاتِ لا يتربصْنَ ؛ فعاد النَّفْيُ إلى الحكم الشَّرعيِّ لا إلى الوجود الحِسّيّ ؛ وهو كقوله تعالى : { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ }

[ الواقعة : 79 ] إذا قلنا : إنّه واردٌ فى الآدَمِيِّينٍ ؛ وهو الصَّحيحُ ، فإنَّ معناه لا يَمَسُّه أَحَدٌ منهم شَرْعاً ، فإن وجد المَسُّ ، فعلى خلاف حُكْم الشرع ، وهذه الدَّقِيقةً فاتت العُلماء فقالوا : إِنّ الخبرَ يكونُ بمعنى النَّهْي ، وما وجِدَ ذَلك قَطُّ ، ولا يصح أَنْ يُوجَدَ ؛ فإنهما مُخْتَلِفَان حقيقةً ، ومُتَضَادان وَصْفاً .

فصل

قال ابن الخطيب{[2981]} - رحمه الله تعالى - فإن قيل أليس أن مع هذه الأشياء يصير الحجُّ فَاسِداً ويجبُ على صاحبه المضيّ فيه ، وإذا كان الحجُّ باقِياً معها ، لم يصدق الخبرُ لأَنَّ هذه الأشياء لا توجدُ مع الحج ؟

قلنا المرادُ من الآية الكريمة حصولُ المضادةِ بين هذه الأشياء ، وبَيْن الحجة المأمُورِ بها ابتداءً ، وتلك الحجةُ الصحيحةُ لا تَبْقَى مع هذه الأشياء ؛ بدليل أنّه يجبُ قضاؤُهَا ، والحجةُ الفاسِدَةُ التي يجبُ عليه المضِيُّ فيها شيءٌ آخر سوى تلك الحجةِ المأمُورِ بها ابتداءً ، وأَمَّا الجِدَالُ الحَاصِلُ بسبب الشَّكِّ في وجوب الحج ، فظاهره أنَّه لا يبْقَى معه عملُ الحج ؛ لأنَّ ذلك كُفْرٌ وعملُ الحج مشروطٌ بالإسلام ، فثبت أَنَّا إِذَا حملنا اللفظ على الخبر ، وجب حَمْلُ الرَّفث والفُسُوق والجِدَالِ على ما ذكرنا ، وأمَّا إِذَا حملناه على النَّهي ، وهو في الحقيقة عُدُولٌ عن الظَّاهِر ، فقد يَصِحُّ أنْ يرادَ بالرفثِ الجماعُ ومقدماتُه ، وقولُ الفُحْشِ ، وأَنْ يرُادَ بالفِسْقِ جميعُ أنْواعه ، وبالجدالِ جميعُ أَنواعه ؛ لأَنَّ اللفْظَ مُطْلَقٌ ومتناولٌ لكل هذه الأقسامِ ، فيكون النهي عنها نَهْياً عن جميع أقسامها .

فإن قيل : ما الحكمةُ في أنّ الله تعالى ذكر هذه الألفاظ الثلاثة : وهي الرَّفث ، والفُسُوق ، والجدَال في الحج ، مِنْ غير زِيَادَةٍ ولا نَقْصٍ ؟

فالجواب : لأنه ثَبَتَ في العلوم العقلية أنّ للإنسان أربَعَ قُوًى : قوّة شَهْوَانيةٌ بهيميَّةٌ ، وقُوَّةٌ غَضَبيَّةٌ سبعيَّةٌ ، وقُوَّةٌ وهمِيَّةٌ شيطانيَّةٌ ، وقُوة عقليةٌ مَلكيَّةٌ ، والمقصود من جميع العبادات قَهْرُ القُوَى الثلاث ، أعْنِي : الشهوانية والغضبية والوهْمية .

فقوله : " فَلاَ رَفَثَ " إشارةٌ إلى قَهْرِ الشهوانية .

وقوله : " ولا فُسُوقَ " إشارةٌ إلى قَهْرِ القُوةِ الغضبيةِ التي توجِبُ المعصية والتمردَ .

وقوله : { وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } إشارةٌ إلى قَهْرِ القوةِ الوهْمية ، التي تحملُ الإنسانَ على الجدال في ذاتِ الله ، وصفاتِهِ ، وأفعاله ، وأحكامه ، وأسمائِهِ ، وهي البَاعِثَةُ على مُنَازعِةِ الناسِ ، ومُمَاراتِهِم ، والمخاصَمَةِ مَعَهُم في كل شَيْءٍ ، فلمّا كان سَبَبُ الشَّرِّ مَحْصُوراً في هذه الأمور الثلاثة ؛ لا جرم لا يَذْكُرْ معَها غيرَها .

فصل

من الناس مَنْ عاب الاستدلالَ ، والبَحْثَ ، والنَّظر ، والجِدال ؛ واحْتَجَّ بقوله تعالى : { وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ، وهذا يَقْتَضِي نَفْيَ جميع أنواعِ الجدال ، ولو كان الجِدَالُ في الدين طَاعَةٌ ، لما نُهِيَ عَنْهُ في الحج ، بل على ذلك التقدير ، يكونُ الاشتغالُ بالجِدَالِ ضَمَّ طاعَةٍ إلى طَاعَةٍ ، فيكون أَوْلَى بالترغيب فيه . وأيضاً قال تبارك وتعالى :

{ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }[ الزخرف : 58 ] ، عابهم بكونِهم مِنْ أَهْل الجَدَلِ ، فدلّ على أن الجدل مَذْمُومٌ ، وقال تبارك وتعالى : { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } [ الأنفال : 46 ] فنهى عن المنازعة .

وأمّا جمهور المتكلِّمين فقالوا : الجدَالُ في الدين طاعةٌ عظيمةٌ ؛ لقوله تعالى : { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] ، وحكى قول الكفَّار لنوح – عليه السلام – { قَالُواْ ينُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا } [ هود : 32 ] ، ومعلومٌ أَنَّ ذلك الجِدال ، إنما كان لتقريرِ أُصُولِ الدين ، فيُحملُ الجدالُ المذمومُ على الجدل في تقرير الباطل ، وطلب المالِ ، والجَاهِ ، والجدالُ الممدوحُ على الجَدَلِ في تقرير الحقِّ ، ودعوةِ الخَلْقِ إلى سبيل اللِّهِ ، والذَّبِّ عن دين الله .

قولُه : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } تقدَّمَ الكلامُ على نَظِيرتِهَا ، وهي :

{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } فَكُلُّ ما قيلَ ثَمَّ ، يُقالُ هُنَا . قال أبو البقاء{[2982]} رحمه الله " وَنَزِيدُ هنا وَجْهاً آخرَ : وهو أَنْ يَكُونَ " مِنْ خَيْر " في مَحلِّ نصبٍ نَعْتاً لمَصْدرٍ مَحْذُوفٍ ، تقديرُه : وَمَا تَفْعَلُوا فِعْلاً كَائِناً مِنْ خَيْرٍ " .

و " يَعْلَمْه " جَزْمٌ على جوابِ الشَّرط ، ولاَ بُدَّ مِنْ مَجَازٍ فِي الكَلامَ : فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَبَّر بالعِلْم عن المُجازاة على فعل الخَيْر ، كأنّهُ قِيل : يُجازِيكم ، وإِمَّا أَنْ تُقَدَّر المُجازاة بعد العِلم ، أي : فيثيبُه عَلَيْه .

وفي قوله : " وَمَا تَفْعَلُوا " التفَاتٌ ؛ إذْ هو خُرُوج مِنْ غَيْبَةٍ في قوله : فَمَنْ فَرَضَ " وحُمِلَ على َمَعْنَى " مَنْ " إذ جَمَعَ الضميرَ ولم يُفْرده .

وقد خَبَطَ بعضُ المُعْربين ، فقال : " مِنْ خَيْر " مُتعَلِّق بتَفْعلوا ، وهو في مَوضع نصب ؛ لمصدَر محذوفٍ ، تقديرُه : " وَمَا تَفْعَلُوا فِعْلاً مِنْ خَيْر " والهاءُ في " يَعْلَمْه " تَعُودُ إلى خير . قال شهابُ الدِّين : وهذا غَلَطٌ فاحِشٌ ؛ لأَنَّه مِنْ حَيْثُ عَلَّقه بالفعلِ قبله كيف يَجْعَلُه نَعْتَ مصدرٍ مَحذوفٍ ؟ ولأنَّ جَعْلَه الهاءَ تعودُ إلى " خَيْر " يلزمُ منه خلوُّ جملة الجواب مِنْ ضمير يَعُودُ على اسم الشَّرْطِ ، وذلك لا يجوزُ ، أَمَّا لَوْ كانَتْ أَداةُ الشَّرْطِ حَرْفاً ، فلا يُشْترطُ فيه ذلك ، فالصَوابُ ما تقدَّم . وإنما ذكرت لك هذا لِئَّلا تراه فَتَتَوهَّمَ صِحَّتَه . والهاءُ عائِدةٌ على " ما " الَّتي هي اسمُ الشَّرْطِ .

فصل

اعلم أنَّ اللَّهَ تعالى يعلمُ كُلَّ شَيْءٍ وإذا خَصَّ هُنا الخير بأنه يعلمُه لفوائِد .

أحدها : إذا علمتُ منك الخير ، ذكرتُه وشَهَرْتُه ، وإذا علمتُ مِنْك الشرَّ ، سترتُه وأخفَيْتُه ؛ لِتَعلم أنّه إذا كانت رَحْمَتي بك في الدنيا هكذا فكيف{[2983]} في العُقْبَى ؟

وثانيها : قال بعضُ المفسرين في قوله : { إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا } [ طه : 15 ] معناه : لَو أمكَنَنِي أن أُخْفيها عن نفسي ، لَفَعلتُ ، فكذا - هاهنا - كأنَّه قيل لِلْعَبْدِ : ما تَفْعَلْه مِن الشَّرِّ ، فَلَوْ أَمْكنِني أَنْ أُخْفيهُ عن نَفْسي لَفَعلتُ ذلك .

وثالثها : أنّ السُّلطان العظيم إذا قال لعبده المطيع : كُلّ ما تتحمله من المشقَّة والخِدْمة في حَقِّي ، فأنا عالِمٌ به ، ومُطَّلِعٌ عليه ، كان هذا وَعْداً له بالثَّواب العظيم ، ولَو قال ذلك لعبده المذنِبِ ، كان تَوَعُّداً له بالعِقابِ الشَّديد ، ولَمَّا كان سبحانه أكرمَ الأَكرَمِينَ ؛ لا جرمَ ذَكرَ ما يَدُلُّ على الثَّوابِ ، ولم يذكرْ ما يدلُّ على العِقَابِ .

ورابعها : أَنَّ جبريل – عليه السلام – لمَّا قال : " ما الإحسان " ؟ فقال : " الإحْسَانُ : أَنْ تَعْبُد اللَّهُ كَأنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ " ، فهاهنا بيَّن للعبدِ أنَّه يَرَاهُ ، ويعلمُ ما يفعلهُ من الخيراتِ لتكون طاعةُ العَبْدِ للربِّ من الإحسانِ ، الذي هُو أَعْلَى دَرَجاتِ العِبَادِةِ ، فإن الخادِمَ مَتَى علم أَنَّ مخدومه مُطَّلِعٌ عليه ، ليس بغافلٍ عن أَحوالِهِ – كان أَحْرصَ على العَمَلِ{[2984]} .

فصل

قال القُرطبيُّ{[2985]} : هذا شرط وجوابه ، والمعنى أنَّ اللَّهَ يُجَازيكُم على أعمالكُم ؛ لأنَّ المجازاة إنما تقعُ من العَالِمِ بالشَّيءِ .

وقيل : هو تحريضٌ وحَثٌّ على حُسنِ الكَلاَمِ مَكَانَ الفُحشِ ، وعلى البِرِّ والتَّقْوَى في الأخلاقِ مكان الفُسُوقِ والجِدَالِ .

وقيل : جعل الخير عبارةً عن ضبط أَنفُسِهم ؛ حتى لا يوجد ما نهُوا عنه .

قوله : { وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } فيه قولان :

أحدهما : أن المراد تزوّدوا من التَّقْوَى ؛ لقولهِ { فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } فتحقيقٌ [ الكلام فيه : أَنَّ ]{[2986]} الإنسان له سَفَرانِ ، سفرٌ فى الدنيا ، وسَفَرٌ مِنَ الدُّنيا .

فالسَّفَرُ في الدنيا ، لا بُدَّ له مِنْ زَادٍ ، وهو الطَّعامُ ، والشَّرَابُ ، والمركبُ ، والمالُ .

والسَّفَرُ من الدنيا لاَ بُدّ له - أيضاً - مِنْ زَادٍ ، وهو معرفةُ الله تعالى ومحبتُه والإعراضُ عمّا سِوَاهُ ، وهذا الزادُ خيرٌ مِنَ الزَّادِ الأوَّلِ لوجوه :

أحدها : أنّ زادَ الدُّنيا [ يخلصُكَ مِنْ عَذَابِ مُنْقَطِعٍ ، وزادَ الآخرة يُخَلِّصُك مِنْ عذاب دائمٍ ، وزادُ الدُّنيا ]{[2987]} يوصلك إلى لذَّةٍ مَمزُوجةٍ بالآلامِ ، والبلايَا ، وزادَ الآخرةِ يُوصِلكّ إلى لذَّاتِ باقيةٍ خالصةٍ عن شوائب المضَرَّةِ ، وزادُ الدنيَا يُوصِلُك إلى دُنيا مُنقضيةٍ ، وزادُ الآخرة يُوصِلُكَ إلى الآخرة ، وهي كل ساعةٍ من الإِقبالِ ، والقُرْبِ ، والوُصُول غير منقضية وزادُ الدنيا يُوصِلُكُ إلى منصة الشَّهوة والنَّفْس وزادُ الآخرة يُوصِلُكَ إلى حضرة الجلالِ والقُدُس ؛ فلهذا قال : { خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } فَاشْتغلوا بتقواي يا أولي الألباب ، يعني : إِن كُنتُم من أُولي الألباب الَّذين يعلمون حقائق الأمور فاشتغلوا بتحصيل هذا الزادِ ؛ لما فيه من كثرةِ المَنافع ؛ وفي هذا المعنى قال الأعشى : [ الطويل ]

995 – إِذَا أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ بِزادٍ مِنَ التُّقَى *** وَلاَقَيْتَ بَعْدَ المَوْتِ مَنْ قَدْ تَزَوَّدَا

نَدْمِتَ عَلَى أَلاَّ تَكُونَ كَمِثْلِهِ *** وَأَنَّكَ لَمْ تَرْصْدْ كَمَا كَانَ أَرْصَدَا{[2988]}

والقولُ الثَّانِي : أنّ هذه الآية الكريمة نزلت في أُناسٍ مِنْ أهل اليمن{[2989]} ، كانوا يحجُّونَ بغير زادٍ ، ويقُولُونَ إِنّا مُتَوكِّلُونَ وكانوا يَسْأَلُونَ{[2990]} وربما ظَلَمُوا الناس وغصبُوهُم ، فأمرهم اللَّهُ تعالى أَنْ يَتَزوَّدُوا ما يَبْلُغُون به ، فإنّ خير الزادِ ما تكفون به وجوهكم عن السُّؤال ، وأنْفُسَكُم عن الظلم .

وعن ابن زيدٍ ، أنّ بعض قبائِلِ العربِ كانوا يحرّمُون الزادَ في الحج ، والعمرة{[2991]} ؛ فنزلت الآية . قال ابنُ الجَوزيّ : قد لَبَسَ إِبْلِيسُ على قومٍ يَدعُون التوكُّل ؛ فخرجوا بِلاَ زادٍ ، وظنُّوا أن هذا هو التوكُّلُ وهُم على غاية الخطأَ ، قال رَجلٌ لأحمد بن حَنْبلٍ : أُرِيد أَنْ أَخْرُجَ إلى مكَّةَ المشرفة على التوكُّلِ بِغَير زادٍ ، فقال له أَحْمَدُ : اخرج في غير القَافِلَةِ . فقال : لا إِلاَّ معهُم ، فقال : على جُرُب النَّاسِ تَوكلت{[2992]} .

وروى محمد بنُ جرير الطبري عن ابن عمر قال : كانوا إذا أَحْرَموا ، ومعهم أزودةٌ رَمَوْا به ؛ فنهوا عن ذلك بهذه الآية الكريمة .

قال القاضي : فإن أردنا تصحيح هذا القول ففيه وجهان :

الأوَّل : أنّ القادر على أنْ يستصحِبَ المالَ في السفر إذا لم يستصحبه ، عَصَى اللَّهُ تعالى في ذلك ، فبهذا الطَّرِيق يصحُ دُخُولُه تحتَ{[2993]} الآية الكريمة .

والثاني : أَنْ يكونَ في الكلام حَذْفٌ ، والمرادُ تَزَوَّدوا لعاجل سفركم ، وللآجِلِ ، فإِنَّ خير الزادِ التقوَى . وقيل : المعنى فإنّ خَيْرَ الزادِ ما اتقى به المسافر من الهَلَكة ، والحاجة إلى السؤال ، والتكفُّفِ ، وأَلِفُ " الزَّادِ " مُنقلبَةٌ عَنْ " واوٍ " لقولهم تَزَوَّدَ .

قولهُ : " واتَقُونِي " أَثبتَ أبو عمر " الياءَ " في قوله : " وَاتَّقُونِي " على الأصل ، وحذف الآخرون ؛ للتخفيف ، ودلالة الكسرةِ عليه ، وفيه تَنْبيهٌ على كمالِ عظمةِ اللَّهِ وجلالِهِ ؛ وهو كقول الشَّاعر : [ الرجز ]

996 – أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي{[2994]} *** . . .

قولُه { يأُوْلِي الأَلْبَابِ } اعلم أَنَّ لُبَّ الشيءٍ ولُبَابَهُ هو الخَالِصُ منه .

قال النَّحاسُ : سمعت أبا إسحاق يقول : قال لي أحمدُ بن يحيى ثعلبٌ : أتعرف في كَلامِ العربِ شيْئاً من المُضاعَفِ جاء على فَعُلَ ؟ قلت : نعم ، حكى سيبويه عن يونس : لَبُبْتَ تَلُبّ ؛ فاسْتَحْسَنُه ، وقال : ما أَعْرفُ له نظيراً .

واختلفوا فيه فقال بعضهم : إنّه اسمٌ للعقلِ ؛ لأنه أشرفُ ما في الإنسان ، وبه تميز عن البهائِمِ ، وقَرُبَ مِنْ درجةِ الملائكة .

وقال آخرون : إنّه في الأَصْلِ اسمٌ للقَلْبِ الذي هو محل للعقلِ ، والقَلْبُ قد يُجعل كنايةً عن العَقلِ ، فقوله : { يأُوْلِي الأَلْبَابِ } أي : يا أُولِي العُقُولِ ، وإطلاق اسم المحلِّ على الحال مجازٌ مشهُورٌ .

فإن قيل : إذا كان لا يصِحُّ إِلاَّ خِطَابُ العقل ؛ فما فائدة قوله : { يأُوْلِي الأَلْبَابِ } ؟ !

فالجواب : معناهُ أنّكم لمّا كنتُم مِنْ أُولِي الألباب ، تمكنتُم مِنْ معرفة هذه الأشياء ، والعَمَلِ بها ، فَكَانَ وجوبها عليكم أَثبت ، وإعراضُكم عنها أقبحَ ؛ ولهذا قال الشاعر : [ الوافر ]

997 – وَلَمْ أَرَ في عُيُوب النَّاسِ شَيْئاً *** كَنَقْص الْقَادِرِيْن عَلَى التَّمَامِ{[2995]}

وقال تبَاركَ وتعالى : { أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [ الأعراف : 179 ] يعني : أَنَّ الأنعامَ مَعْذُورةٌ بسبب العَجزِ ، وأَمَّا هؤلاء فقادِرُون فكان إعراضهم أفحش ، فلا جرم كانُوا أَضَلَّ .


[2933]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/137.
[2934]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/137.
[2935]:- اختلف العلماء في أقل الجمع، هل هو اثنان أو ثلاثة أو يصار فيه إلى التوقف؟ وليس محل الخلاف في المفهوم في لفظ الجمع لغة- وهو ضم شيء إلى شيء- فإن ذلك في الاثنين والثلاثة وما زاد من غير خلاف، وإنما محل النزاع والخلاف هو في اللفظ الذي هو مسمى بالجمع، نحو: الرجال والمسلمين، لا في لفظ الجمع الذي هو مركب من الجيم، والميم، والعين، فذهب جماعة: إلى أن أقل الجمع ثلاثة، وإلى هذا ذهب الجمهور من الحنفية، والشافعية، والحنابلة، وعليه أكثر الصحابة والمتكلمين وأهل اللغة وعزي هذا المذهب إلى عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود. ينظر: البرهان 1/348، المحصول 1/2/606، اللمع ص 15، التبصرة 127، الإبهاج 2/129، المعتمد 1/ 248، العدة 2/649، المنخول 148، شرح التنقيح 233، الإحكام للآمدي 402، روضة الناظر (121) ، جمع الجوامع 1/419، شرح الكوكب المنير 3/144، المنتهى لابن الحاجب (77)، أصول السرخسي 1/ 151، كشف الأسرار 2/28، فواتح الرحموت 1/269، المسودة 149، نشر البنود 1/234، شرح اللمع 1/330، الوصول لابن برهان 1/300، مفتاح الوصول 73، تقريب الوصول (78).
[2936]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/137.
[2937]:- أخرجه ابن ماجه (1/312) رقم (972) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 182) والبيهقي (3/ 69) والدارقطني (1/280) والخطيب في "تاريخ بغداد" (8/415 و 11/45-46) وابن عدي (5/ 1890) وابن سعد (7/34) وابن عبد البر في "التمهيد" (6/ 317). قال البوصيري في "الزوائد (1/331): هذا إسناد ضعيف لضعف الربيع ووالده بدر بن عمر. وقال البيهقي: رواه جماعة عن الربيع بن بدر وهو ضعيف.
[2938]:- أخرجه الطبري "تفسيره" 4/ 115 عن ابن عباس.
[2939]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/138.
[2940]:- الفرض والواجب لفظان مترادفان عند غير الحنفية، معناهما واحد: هو الفعل الذي طلبه الشاع طلبا جازما، سواه كان الطلب بدليل قطعي؛ كالقرآن، والسنة المتواترة، أو كان بدليل ظني؛ كخبر الآحاد. أما الحنفية فإنهم يفرقون بين الفرض والواجب. فالفرض عندهم: هو الفعل الذي طلبه الشارع طلبا حازما بدليل قطعي؛ كالصلاة، ومطلق القراءة فيها؛ والزكاة فإنها مطلوبة طلبا جازما بأدلة قطعية، هي قوله تعالى: {أقيموا الصلاة-وآتوا الزكاة- فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}؛ إذ لا شك أنها قطعية الثبوت، ومثل القرآن في ذلك السنة المتواترة. والواجب عندهم: هو الفعل الذي طلبه الشارع طلبا جازما بدليل ظني؛ كخصوص قراءة الفاتحة في الصلاة المدلول على طلبها طلبا جازما بخبر الآحاد؛ كما في الصحيحين: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب. وعللوا هذه التفرقة: بأن الفرض معناه في اللغة: القطع؛ لأنه مأخوذ من فرض الشيء بمعنى: حزّه أي: قطع بعضه، فالفرض بمعنى المفروض، أي: المقطوع به، والذي فرضه الله علينا لا يمكن علمه يقينا، إلا إذا كان ثابتا بالدليل القطعي. والواجب هو الساقط؛ لأنه مأخوذ من وجب بمعنى: سقط؛ يدل له قوله تعالى: {فإذا وجبت جنوبها} أي: سقطت، والذي أوجبه الله علينا بدليل ظني لما لم يعلم يقينا فرضه، وتقديره علينا، كان ساقطا، أي: غير معدود من القسم الذي يتعلق به العلم؛ لأنه خاص بالمقطوع به، ومن هنا سمّوا ما ثبت بقطعي بـ"الواجب" علما وعملا، وما ثبت بظني بـ"الواجب" عملا فقط. ولكن يرد عليهم بأن تخصيص الفرض بالمقطوع به فقط تحكم؛ لأن الفرض في اللغة التقدير مطلقا، سواء كان مقطوعا به أو مظنونا فالتخصيص بأحد القسمين دون الآخر تخصيص بلا دليل، فلا يكون مقبولا. وبأنه وردت في اللغة كلمة "وجب" بمعنين: الأول: بمعنى: سقط، ومصدرها حينئذ: الوجبة، وليس هذا محل النزاع. الثاني: بمعنى ثبت؛ ومنه قوله-عليه الصلاة والسلام-: "إذا وجب المريض فلا تبكين باكية" أي: إذا ثبت واستقر وزال عنه الاضطراب، فلا تبكين باكية؛ لأن ذلك علامة اشتغاله بمشاهدة أمر من أمور الآخرة، فمصدرها حينئذ الوجوب بمعنى: الثبوت، فيقال: وجب الشيء وجوبا، أي: ثبت ثبوتا، سواء كان مقطوعا به أو مظنونا، فتخصيص الواجب بما ثبت بدليل ظني؛ لأنه ساقط، أي: نازل عن اعتباره من قسم المعلوم لا أساس له. على أن كثرة استعمال أهل اللغة العربية لهذين اللفظين في معنييهما مطلقا، سواء كان مقطوعا بهما أو مظنونا يرجح ما نقول، ومن هنا نجد أن الحنفية قد نقضوا أصلهم هذا، واستعملوا الفرض فيما ثبت بظني، والواجب فيما ثبت بقطعي: كقولهم: الوتر فرض، وتعديل الأركان فرض؛ وكقولهم: الصلاة واجبة، والزكاة واجبة. والواقع أن الخلاف بين الحنفية وغيرهم خلاف لفظي وليس حقيقيا؛ لأنهم جميعا متفقون على أن ما ثبت بدليل ظني لا يكون في قوة ما ثبت بدليل قطعي، وأن جاحد الأول لا يكفر، بخلاف جاحد الثاني؛ كما أنهم متفقون على أن تفاوت مفهومي الفرض والواجب في اللغة. وإنما الخلاف بينهم في التسمية فقط، فنحن نقول: إن الفرض والواجب لفظان مترادفان اصطلاحا، نقلا عن معناهما اللغوي إلى معنى واحد، هو الفعل المطلوب طلبا جازما، سواء ثبت ذلك بدليل قطعي أو ظني، والحنفية يخصون كلا منهما باسم خاص، ويجعلونه اسما له، وهذا اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح. ومقتضى كون الخلاف لفظيا: ألا يكون له أثر في الفروع يترتب على الفرق بين الفرض والواجب، وهو كذلك. وما يظن من أن هذا الخلاف حقيقي؛ لأن له أثرا ظهر في ترك قراءة الفاتحة في الصلاة؛ حيث قيل بتأثيم التارك، وعدم فساد صلاته إن أتى بقراءة غيرها، بخلاف تارك القراءة فيها أصلا، حيث قيل بتأثيمه وفساد صلاته- غير سديد؛ لأن عدم الفساد عندهم ليس ناشئا من التفرقة بين الفرض والواجب، وإنما هو ناشئ عن الدليل الذي دل المجتهد على الحكم، وهو ظنية الدليل الذي تسبب عنه أمران: التسمية بالواجب، وعدم الفساد، ولا يلزم من سببية شيء، لأمرين: أن يكون أحدهما سببا للآخر، والذي كان في مقابلته الدليل القطعي الدال على فرضية مطلق القراءة الذي عدل عن الفاتحة إليها، فقيل بعدم الفساد عملا بظنية دليل الفاتحة، وقطعية دليل مطلقا القراءة. ينظر: الإحكام للآمدي 1/92-94، الإبهاج 1/55، نهاية السول 1/73، التمهيد للإسنوي ص (58)، المحصول 1/1/117، البرهان 1/308، المستصفى 1/42، المنتهى لابن الحاجب ص (23)، كشف الأسرار 2/300، أصول السرخسي 1/100، المنخول ص (76)، فواتح الرحموت 1/58، العدة 1/162، 2/376، شرح الكوكب المنير 1/351، سلاسل الذهب ص (114)، البحر المحيط 1/181، روضة الناظر ص (16)، الحدود للباجي ص (53) مختصر ابن اللحام ص (59)، ميزان الأصول 1/128-129، جمع الجوامع 1/86-88.
[2941]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/139.
[2942]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/139.
[2943]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/139.
[2944]:- انظر: السبعة 180، والكشف 1/285، وحجة القراءات 128، 129، وحجة القراءات 128، 129، والحجة 2/286، وشرح الطيبة 4/96، وشرح شعلة 287، والعنوان 73، وإتحاف 1/433.
[2945]:- البيت لسعد بن مالك. ينظر: خزانة الأدب 1/467، سيبويه 1/28، 354، 357، ابن يعيش 1/108، الإنصاف-367، ابن الشجري 1/239، 272، 323، 2/ 224، شرح شواهد المغني- 208، العيني 2/150، الهمع 2/119، 1/125، الأشموني 1/254، التصريح 1/199، المقتضب 4/360، الجمل للزجاجي 242، المغني 239، 631، (208) منهج السالك (1/254، الدرر اللوامع 1/97، شرح اللمع 1/92، البسيط في شرح جمل الزجاجي 1/543، شرح أبيات المغني 4/313، 7/319، أوضح المسالك رقم 107، شرح شواهد سيبويه للنحاس 77، الأصول 1/111، كتاب اللامات-107، شرح أبيات الكتاب لابن السيرافي 2/8، شرح أبيات الجمل لابن سيده 138، الحلل 325، الفصول والجمل -209، معاني الحروف للرماني 83، شرح الحماسة للمرزوقي 2/ 506، الفصول الخمسون-209، رصف المباني 266، الأشباه والنظائر 4/194، التمام في تفسير أشعار هذيل-54 شرح ديوان المتنبي 1/96. و"لا" من الحروف غير المختصة في إعمالها أقوال: أحدها-وهو المشهور-: أنها تعمل إلحاقا بـ"ليس" كقوله: تعز فلا شيء على الأرض باقيا ولا وزر مما قضى الله واقيا الثاني: أنها لا تعمل أصلا، ويرتفع ما بعدها بالابتداء والخبر، ولا ينصب أصلا، وعليه أبو الحسن، وإنما لم يقدروها مهملة، والرفع بالابتداء؛ لأنها حينئذ واجبة التكرار، وفيه نظر؛ لجواز تركه في الشعر. الثالث: أنها أجريت مجرى "ليس" في رفع الاسم خاصة فترفعه، ولا تعمل شيئا في الخبر، وعليه الزجاج، واستدل بأنه لم يسمع النصب في خبرها ملفوظا به، مع أنه قد ورد. وحكمها حكم- ما- في الشبه والإعمال، ولها شرائط ثلاثة: أحدها: أن تدخل على نكرة. ثانيها: أن يكون الاسم مقدما على الخبر. ثالثها: ألا يفصل بينها وبين الاسم بغيره، فتقول: لا رجل منطلقا؛ كما تقول: ليس زيد منطلقا، ويجوز أن تزاد الباء في خبرها؛ لتأكيد النفي، كما تدخل الباء في خبر "ليس"- و "ما"- تقول: لا رجل بقائم؛ كما تقول: ليس زيد بقائم، ويجوز حذف الخبر منه، كما في الشاهد: لا براح، جعل "لا" بمنزلة "ليس" ورفع بها –براح- والخبر محذوف، وتقديره: لا براح لي، ويجوز أن يكون رفع "براح" بالابتداء، وحذف الخبر وهو رأي أبي العباس المبرِّد، والأول أجود؛ لأنه كان يلزم تكرير "لا"، كقوله (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) هذا رأي سيبويه في إجرائها مجرى ليس في بعض اللغات. وحال "لا" أنها في موضع ابتداء، وأنها لا تعمل في معرفة أبدا، ولم يعتبر ابن جني هذا الشرط، فأجاز إعمالها في المعارف؛ كقوله: وحلّت سواد القلب لا أنا باغيا سواها ولا عن حبها متراخيا وقيل: يجوز أن يكون "براح" مبتدأ، ورُدّ بأن "لا" الداخلة على الجملة الاسمية يجب إعمالها وتكرارها، فلما لم تتكرر عرف أنها عاملة، ورُدّ بأن هذا شعر؛ فيجوز فيه أن ترد غير عاملة، ولا مكررة، ورُدّ بأن الأصل كون الكلام على غير الضرورة. قال ابن مالك: عملها أكثر من عمل "إن" وقال أبو حيان: الصواب عكسه؛ لأن "إن" قد عملت نثرا ونظما، و"لا" إعمالها قليل جدا، بل لم يرد منه صريحا إلا البيت السابق، والبيت والبيتان لا تبنى عليهما القواعد.
[2946]:- تقدم برقم 419.
[2947]:- ينظر: جواهر الأدب ص 247، وشرح شذور الذهب ص 256، والدر المصون 1/490.
[2948]:- تقدم برقم 420.
[2949]:- تقدم برقم 107.
[2950]:- ينظر: الكتاب 1/345.
[2951]:- ينظر: الكشاف 1/243.
[2952]:- أخرجه البخاري (2642) كتاب الحج باب: فضل الحج المبرور رقم (1521) و (3/32) كتاب المحصر باب قوله تعالى "فلا رفث" رقم (1819) ومسلم كتاب الحج (438) وأحمد (2/229) والنسائي (5/114) وابن ماجه (2889) والبيهقي (5/67) والطبري في "تفسيره" (1612) والترمذي (811) وابن خزيمة (2514) وأبو نعيم في "الحلية" (8/126) والحميدي (1004) والخطيب "في تاريخ بغداد" (11/222).
[2953]:ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2954]:ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2955]:ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2956]:ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2957]:- ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2958]:- تقدمت هذه القراءة.
[2959]:- تقدم برقم 520.
[2960]:- البيت للعجاج. ينظر: ملحق ديوانه 2/ 315، واللسان (أول)، (جدل) وأدب الكاتب 45، والدر المصون 1/ 492.
[2961]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/135، عن ابن عباس.
[2962]:- ينظر: تفسير البغوي 1/172.
[2963]:- ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/396) وعزاه لابن أبي شيبة والطبراني في الأوسط عن ابن عمر وأخرجه الطبري (4/138).
[2964]:-أخرجه البخاري (1/33) كتاب الإيمان باب خوف المؤمن (48) و (9/90) كتاب الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا ترجعوا بعدي كفارا رقم (7076) ومسلم كتاب الإيمان باب 28 رقم 116، والترمذي (1983، 2635) والنسائي (7/122) وابن ماجه (69، 3939، 3940) وأحمد (1/385، 411، 433، 454) والبيهقي (1/209)، (8/20) والطبراني في "الكبير" (1/107)، (10/129، 194، 197) والحميدي (104) وابن عبد البر في "التمهيد" (4/236)، وأبو عوانة (1/24) والطحاوي في "المشكل" (1/365) والبخاري في "التاريخ الصغير" (1/229) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/23) والخطيب "في تاريخ بغداد" (3/397)، (10/86، 13/ 185).
[2965]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/139) عن ابن زيد.
[2966]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/139-140).
[2967]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/ 141.
[2968]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/141، 142، 143).
[2969]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/145-146).
[2970]:-أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/146) عن القاسم بن محمد.
[2971]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/141.
[2972]:- تقدم.
[2973]:- وهو القرن الذي يقف الإمام عنده بالمزدلفة عن يمين الإمام، وهو الميقدة، وهو الموضع الذي كانت توقد في النيران في الجاهلية، وهو موقف قريش في الجاهلية؛ إذ كانت لا تقف بـ "عرفة" ، وفي كتاب "لحن العامة" لأبي منصور: اختلف العلماء في تفسير قولهم: قوس قزح فروي عن ابن عباس، -رضي الله عنه-؛ أنه قال: لا تقولوا: قوس قزح؛ فإن "قزح" اسم شيطان، ولكن قولوا قوس الله. ينظر: معجم البلدان 4/ 387.
[2974]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/ 146) عن ابن زيد.
[2975]:- أخرجه أحمد (5/37) والطبري في"تفسيره" (10/88) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/1/133) وذكره ابن كثير في "تفسيره" (4/86) وفي البداية والنهاية (5/195).
[2976]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/147) عن مجاهد. ينظر: تفسير البغوي 1/173.
[2977]:- ينظر: تفسير البغوي 1/173.
[2978]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/142..
[2979]:-سقط في ب.
[2980]:ينظر: تفسير القرطبي 2/270.
[2981]:- ينظر تفسير الفخر الرازي 5/ 142.
[2982]:- ينظر الإملاء 1/86.
[2983]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/143.
[2984]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/143.
[2985]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/ 273.
[2986]:-سقط في ب.
[2987]:- سقط في ب.
[2988]:-ينظر: الرازي 5/144.
[2989]:- بالتحريك، قيل: سميت "اليمن"؛ لتيامنهم إليها لما تفرقت العرب من مكة؛ كما سميت "الشام" لأخذهم الشمال، والبحر: محيط بأرض اليمن من المشرق إلى الجنوب، ثم راجعا إلى الغرب ينظر: مراصد الاطلاع 3/ 1483.
[2990]:-ينظر تفسير الفخر الرازي 5/44، والبغوي 1/173.
[2991]:-ينظر: تفسير الفحر الرازي 5/144.
[2992]:-ينظر: تفسير القرطبي 2/ 273.
[2993]:- ينظر: تفسير الرازي 5/144.
[2994]:- الرجز لأبي النجم في أمالي المرتضى 1/350، وخزانة الأدب 1/439، والخصائص 3/ 337، والدرر 1/185، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ص 1610، وشرح شواهد المغني 2/947، وشرح المفصل 1/98، 9/3، والمنصف 1/10، وهمع الهوامع 1/60، ومغني اللبيب 1/329، 5912، وأمالي الشجري 1/224، والرازي 5/144. والخبر الذي لا يغاير المبتدأ لفظا يذكر للدلالة على الشهرة، أو عدم التغيير؛ كالشاهد الذي معنا (شعري شعري) أي: المشهور المعروف بنفسه، لا بشيء آخر؛ كما يقال مثلا: شعري مليح، وتقول: أنا أنا ما تغيرت عما كنت، وقد صار البيت مثلا عند العلماء للتأويل المذكور، فيما ظاهره الاتحاد بين الموضوع والمحمول، قال صاحب الكشاف عند قوله تعالى: {والسابقون السابقون} [الواقعة:1] المراد: السابقون من عرفت حالهم، وبلغك وصفهم؛ كما في (شعري شعري) أي: شعري ما بلغك وصفه، وحكمت ببراعته، وفصاحته، وصح إيقاع "أبي النجم" خبرا؛ لتضمنه نوع وصفية، واشتهار بالكمال، والمعنى: أنا ذلك المعروف بالكمال، وشعري هو الموصوف بالفصاحة. "وشعري شعري" جملة من مبتدأ وخبر، وعدم مغايرة إنما هو للدلالة على الشهرة، أي: شعري الآن هو شعري المشهور، المعروف بنفسه لا بشيء آخر.
[2995]:- ينظر: الرازي 5/ 145.