اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ فَإِنۡ أُحۡصِرۡتُمۡ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۖ وَلَا تَحۡلِقُواْ رُءُوسَكُمۡ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡهَدۡيُ مَحِلَّهُۥۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوۡ بِهِۦٓ أَذٗى مِّن رَّأۡسِهِۦ فَفِدۡيَةٞ مِّن صِيَامٍ أَوۡ صَدَقَةٍ أَوۡ نُسُكٖۚ فَإِذَآ أَمِنتُمۡ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلۡعُمۡرَةِ إِلَى ٱلۡحَجِّ فَمَا ٱسۡتَيۡسَرَ مِنَ ٱلۡهَدۡيِۚ فَمَن لَّمۡ يَجِدۡ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٖ فِي ٱلۡحَجِّ وَسَبۡعَةٍ إِذَا رَجَعۡتُمۡۗ تِلۡكَ عَشَرَةٞ كَامِلَةٞۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمۡ يَكُنۡ أَهۡلُهُۥ حَاضِرِي ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ} (196)

الحجُّ : في اللغة عبارةُ عن القصد ، وإنما يقال حجَّ فلانٌ الشيء ، إذا قصده مرَّةً بعد أخرى ، وأدام الاختلاف إليه ، و " الحِجَّةُ " بكسر الحاء : السَّنة ، وإنما قيل لها حِجَّةٌ ؛ لأن الناس يحجُّون في كل سنةٍ ، وفي الشرع : هو اسمٌ لأفعال مخصوصة يشتمل على أركانٍ ، وواجباتٍ ، وسُننٍ .

فالركن : ما لا يحصل التحلُّل إلاَّ بالإتيان به ، والواجب هو الذي إذا تركه يجبر بالدم ، والسُّنن : ما لا يجب بتركها شيءٌ ، وكذلك أفعال العمرة .

وقرأ نافعٌ{[2836]} ، وأبو عَمْرٍو ، وابنُ كثير ، وأبو بكر ، عن عاصمٍ رحمة الله تعالى عليهم : " الحَجُّ " بفتحِ الحاءِ في كلِّ القرآن الكريم ، وهي لغة أهل الحجاز ، وقرأ حمزة ، والكسائيُّ ، وحفصٌ ، عن عاصمٍ : بالكسر في كلِّ القرآن .

قال الكسائيُّ : وهما لغتان بمعنى واحدٍ ؛ كرِطلٍ ورَطلٍ ، وكِسر البيت ، وكَسره ، وقيل : بالفتح المصدر ، وبالكسر الاسم .

وقرأ علقمة{[2837]} ، وإبراهيم النَّخعيُّ : " وأقِيمُوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ " وفي مصحف ابن مسعودٍ{[2838]} : " وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمْرَةَ إلى البَيت " وروي عنه : وأقيموا الحج والعمرة إلى البيت ، وفائدة التخصيص بقوله : " لِلَّهِ " - هنا - أنَّ العرب كانت تقصد الحج للاجتماع ، والتظاهر ، وحضور الأسواق ؛ وكلُّ ذلك ليس لِلَه فيه طاعةٌ ، ولا قربةٌ ؛ فأمر الله تعالى بالقصد إليه لأداء فرضه ، وقضاء حقِّه .

والجمهور على نصب " العُمْرَةَ " على العطف على ما قبلها ، و " لِلَّهِ " متعلقٌ بأتِمُّوا ، واللام لام المفعول من أجله . ويجوز أن تتعلَّق بمحذوفٍ على أنها حالٌ من الحجِّ والعمرة ، تقديره : أتمُّوها كائنين لله . وقرأ{[2839]} عليٌّ وابن مسعودٍ ، وزيد بن ثابت ، والشعبيّ : " والعُمْرَةُ " بالرفع عل الابتداء . و " لله " الخبر ، على أنها جملة مستأنفةٌ .

قال ابن عباسٍ ، وعلقمة ، وإبراهيم النخعي : إتمام الحجِّ والعمرة : أن يتمَّهما بمناسكهما وحدودهما وسننهما{[2840]} .

وقال سعيدُ بن جبيرٍ ، وطاوس{[2841]} : تمام الحجِّ والعمرة : أن تحرم بهما مفردين مستأنفين من دويرية أهلك .

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً{[2842]} .

وقال عليُّ بن أبي طالبٍ ، وابن مسعودٍ - رضي الله عنهما - : تمام الحجِّ والعمرة : أن تحرم بهما من دويرية أهلك{[2843]} .

وقال قتادة : تمام العمرة أن تُعْمِرَ في غير أشهر الحجِّ ، فإن فعلها في أشهر الحج ، ثم أقام حتى حجَّ ؛ فهي متعة ، وعليه فيها الهدي إن وجده ، أو الصيام إن لم يجد الهدي ، وتمام الحج أن يأتي بمناسكه كلِّها بحيث لا يلزمه دمٌ ، بسبب قرانٍ ، ولا متعةٍ{[2844]} .

وقال الضحاك : إتمامهما : أن تكون النفقة حلالاً ، وينتهي عما نهى الله عنه{[2845]} .

وقال سفيان الثوري : إتمامها : أن تخرج{[2846]} من أهلك لهما ؛ لا لتجارةٍ ، ولا لحاجةٍ أخرى{[2847]} .

قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الوفد كثيرٌ ، والحاجُ قليلٌ{[2848]} .

فصل في اختلافهم في وجوب العمرة

اتَّفقت الأُمَّة على وجوب الحج ، على من استطاع إليه سبيلاً ، واختلفوا في وجوب العمرة ؛ فذهب أكثر العلماء إلى وجوبها ؛ وهو قول عمر ، وعليّ ، وابن عمر ، ورواه عكرمة عن ابن عباسٍ ، قال : والله إنَّ العمرة لقرينة الحجِّ{[2849]} في كتاب الله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } وبه قال عطاءٌ ، وطاوس ، ومجاهد ، والحسن ، وقتادة وسعيد بن جبير ، وإليه ذهب الثوريُّ ، وأحمد ، والشافعيُّ ، في أصحِّ قوليه .

وذهب قومٌ إلى أنها سُنَّةٌ ، وهو قول جابرٍ ، وبه قال الشعبيُّ ، وإليه ذهب مالكٌ ، وأبو حنيفة ، رضي الله عنهم أجمعين .

حجةُ القولِ الأوَّلِ أدلةٌ منها : قوله تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } والإتمام قد يراد به فعل الشيء كاملً تاماً ؛ بدليل قوله سبحانه وتعالى : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [ البقرة : 124 ] أي : فعلهنَّ على التمام ، والكمال ، وقوله : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ البقرة : 187 ] ، أي : فافعلوا الصيام تاماً إلى الليل .

فإن قيل يحتمل أن يكون المراد أنكم إذا شرعتم فيهما ، فأتموهما ؛ لأنَّها تدلُّ على أصل الوجوب ؛ لأنَّا إنما استفدنا الوجوب من قوله تعالى : { وَللَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] ، لا من هذه الآية ، وكذا قوله : { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ البقرة : 187 ] إنَّما استفدنا وجوب الصوم من قوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ }

[ البقرة : 183 ] لا من قوله : " ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلى اللَّيْلِ " والحجُّ والعمرةُ يجب إتمامهما بالشروع فيهما ، سواءٌ أكانا فرضاً ، أو تطوُّعاً{[2850]} ، وتقول : الصوم خرج بدليلٍ ، أو تقول : وجب إتمامه بالشروع ، فيكون الأمر بالإتمام ، مشروطاً بالشروع فيهما .

فالجواب : أنَّ ما ذكرناه أولى ؛ لأن على تقديركم يحتاج إلى إضمارٍ ، وعلى ما قلناه لا يحتاج إلى إضمار ؛ فكان الاحتمال الذي ذكرناه أولى ، ويدلُّ عليه : أنَّ أهل التفسير ذكروا أنَّ هذه الآية أول آيةٍ نزلت في الحجِّ ، فحملها على إيجاب الحجِّ ، أولى من حملها على وجوب الإتمام بشرط الشُّروع .

وأيضاً يؤيّده ما ذكرناه من قراءة{[2851]} من قرأ " وأقِيمُوا الحَجَّ والْعُمْرَةَ لِلَّهِ " وإن كانت شاذَّةً ، لكنَّها تجري مجرى خبر الواحد .

فإن قيل : قراءة عليٍّ ، وابن مسعودٍ ، والشَّعبي : " والعُمْرَةُ لِلَّهِ " بالرفع يدلُ على أنهم قصدوا إفراد العمرة عن حكم الحجِّ ، في الوجوب ؛ فالجواب من وجوه :

أحدها : أنها شاذَّةٌ ؛ فلا تعارض المتواترة .

فإن قيل : قد استدللتم أنتم بالشاذَّة أيضاً ؟

قلنا : استدللنا بها حيث هي موافقةٌ ؛ فتكون تقويةً للاستدلال ، لا أنها نفس الدَّلِيل ، واستدلالكم بالشاذَّة ؛ نفس الدليل ، وهو معارضٌ بها ؛ فتساقط الاستدلالان ، وسلمت المتواترة عن المعارض .

وثانيها : أن قوله : " وَالعُمْرَةَ لِلَّهِ " معناها : أنَّ العمرة عبادةٌ الله ، وذلك لا ينافي وجوبها .

وثالثها : أنَّ في هذه القراءة ضعفاً في العربية ؛ لأنَّها تقتضي عطف الجملة الاسمية على الجملة الفعلية .

الدليل الثاني : قوله تعالى : { يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ } [ التوبة : 3 ] ، يدلُّ على وجود حجٌّ أصغر ، وهو العمرة بالاتفاق .

وإذا ثبت أن العمرة حجٌّ ، فتكون واجبةٌ ؛ لقوله تعالى : { وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } [ آل عمران : 97 ] .

الدليل الثالث : ما ورد في الصَّحيح : أنَّ جبريل - عليه الصَّلاة والسَّلام - سأل النبيَّ - عليه الصَّلاة والسَّلام - عن الإسلام ، فقال : " أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وأَنَّ مُحمداً رَسُولُ اللَّهِ ، وأَنْ تٌقِيمَ الصَّلاَةَ ، وتُؤْتِي الزكاةَ ، وتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ{[2852]} " .

وقوله - صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وبجلَّ وعظَّم - لأبي رزين ، لمَّا سأله ، فقال : إنَّ أبي شيخٌ كبيرٌ أدرك الإسلام ، ولا يستطيع الحجَّ والعمرة ، ولا الظَّعْنَة{[2853]} ، فقال عليه الصَّلاة والسَّلام : " حُجَّ عن أبِيكَ وَاعْتَمِرْ{[2854]} " وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - " إنَّ الحجَّ والعُمْرَةَ فَرِيضَتَانِ ، لا يَضُرُّكَ بأيهما بَدَأْت{[2855]} " .

وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ ؟ فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - " عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لاَ قِتَالَ فِيهِ : الحَجُّ وَالعُمْرَةُ " {[2856]} .

وقال ابن عمر - رضي الله عنه - : ليس أحد من خلق الله إلاَّ وعليه حجةٌ وعمرة واجبتان إن استطاع إلى ذلك سبيلاً{[2857]} .

وقال الشافعيُّ - رضي الله عنه - : اعتمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وبجَّل وعظَّم قبل الحجِّ ، ولو لم تكن العمرة واجبةً ، لكان الأشبه أن يبادر إلى الحجِّ الواجب .

القول الثالث : في قصة الأعرابيِّ حين سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أركان الإسلام ، فعلَّمه الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحجَّ ، فقال الأعرابيُّ : هل عليَّ غيرها ؟ قال : " لا إلاَّ أن تطَّوع ، فقال : والله لا أزيد على هذا ، ولا أنقص ، فقال عليه الصلاة والسلام : " أفلح إن صدق{[2858]} " .

وقال عليه الصَّلاة والسَّلام : " بُنِيَ الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وحَجِّ الْبَيْتِ{[2859]} " .

وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - : " صَلُّوا خَمْسَكُمْ ، وزَكُّوا أَمْوَالَكُمْ ، وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّة رَبِّكُمْ{[2860]} " .

وعن محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه سئل عن العمرة : واجبةٌ هي أم لا ؟ فقال : " لاَ ، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ{[2861]} " .

وعن معاوية الضَّرير ، عن أبي صالحٍ الحنفي عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم ومجَّد وبجَّل وعظَّم - قال : " الحَجُّ جِهَادٌ ، وَالعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ{[2862]} " .

والجوابُ من وجوهٍ :

أحدها : أن هذه أخبارُ آحادٍ ؛ فلا تعارض القرآن .

وثانيها : أنَّ هذه الآية الكريمة نزلت في السَّنة السابعة من الهجرة ، فيحتمل أنَّ هذه الأحاديث حيث وردت ، لم تكن العمرة واجبةً ، ثم نزل بعدها : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } ، وهذا هو الأقرب لما ذكرناه .

وثالثها : أن قصة الأعرابي ، والحديثين اللذين بعده ، ذكر فيهم الحجَّ ، وليس فيها بيان تفصيل الحج ، وقد بينَّا أن العمرة حجٌّ ، فلا تنافي وجوب العمرة ، وأمَّا حديث ابن المنكدر ، فرواه الحجاج بن أرطاة ؛ وهو ضعيفٌ .

فصل

واتفقت الأمة على أنَّه يجوز أداء الحجِّ والعمرة على ثلاثة أوجهٍ : الإفراد ، والتمتع ، والقران .

فالإفراد : أن يُحرم بالحجِّ منفرداً ، ثم بعد الفراغ منه ، يعتمر من أدنى الحلِّ .

والتمتع : أن يعتمر في أشهر الحجِّ ، فإذا فرغ من العمرة ، يحرم بالحجِّ من مكة المشرفة في عامه .

والقران : أن يحرم بالحج والعمرة معاً ، أو يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحجَّ قبل أن يفتتح الطواف ؛ فيصير قارناً ، ولو أحرم بالحج ، ثم أدخل عليه العمرة ، لم ينعقد إحرامه بالعمرة .

واختلفوا في أيِّ هذه الثَّلاثة أفضل ؟ وتفاصيل هذه الأقوال مذكورةٌ في كتب الفقه .

قوله : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } [ البقرة : 196 ] قال أحمد بن يحيى{[2863]} : أصل الحصر ، والإحصار : المنع والحبس{[2864]} .

ومنه قيل للملك : الحصير ؛ لأنه ممنوع من الناس .

قال لبيدٌ : [ الكامل ]

979 - . . . *** جِنٌّ لَدَى بَابِ الْحَصِيرِ قِيَامُ{[2865]}

وهل حُصِر وأُحْصِر بمعنى ، أو بينهما فرقٌ ؟ خلافٌ . فقال الفراء{[2866]} ، والزجاج{[2867]} ، والشيباني{[2868]} ؛ إنهما بمعنى ، يقالان في المرض ، والعدوِّ جميعاً ؛ وأنشدوا على ذلك : [ الطويل ]

980 - وَمَا هَجْرُ لَيْلَى أَنْ تَكُونَ تَبَاعَدَتْ *** عَلَيْكَ وَلاَ أَنْ أَحْصَرَتْكَ شُغُولُ{[2869]}

وهو قولُ أبي عُبَيْدَة ، وابن السِّكِّيتِ ، وابن قتيبة{[2870]} . وفرَّق بعضهم ، فقال الزمخشري ، وثعلبٌ : في فصيح الكلام : يقال : أُحْصِر فلانٌ : إذا منعه أمرٌ من خوفٍ ، أو مرض ، أو عجز ؛ قال تعالى : { الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ البقرة : 273 ] ، وحُصِر : إذا حبسه عدوٌّ ، أو سجنٌ ، هذا هو الأكثر في كلامهم ، وهما بمعنى في كل شيءٍ ، مثل : صدَّه وأصدَّه ، وكذلك الفراء والشيباني ، ووافقه ابن عطية أيضاً ؛ فإنه قال : والمشهورُ مِنَ اللُّغَةِ : أُحْصِر بالمرضِ ، وحُصِر بالعَدُوِّ . وعكس أبن فارسٍ في " مُجْمَلِه " ، فقال : " حُصِر بالمرضِ ، وأُحْصِر بالعَدُوّ " وقال ثعلب : " حُصِر في الحَبْسِ ، أَقْوى مِنْ أُحْصِر " ، ويقال : حَصِرَ صَدْرُه ، أي : ضاق ؛ ورجلٌ حَصِرٌ : لاَ يُبُوحُ بسرِّه ، قال جرير في ذلك المعنى [ الطويل ]

981 -وَلَقَدْ تَكَنَّفَنِي الْوُشَاةُ فَصَادَفُوا *** حَصِراً بِسِرِّكِ يَا أُمَيْمَ حَصُوراً{[2871]}

والحَصِيرُ : معروفٌ ؛ لامتناعِ بعضه ببعض ، وانضمامُ بعضه إلى بعضٍ ، تشبيهاً باحتباس الشَّيء مع غيره ، والحصر : احتباس البول ، والغائط .

وقيل : إنَّ الحَصْرَ مختصٌّ بالمنع الحاصل من جهة العدوِّ ؛ وهو مرويٌّ عن ابن عبَّاس ، وابن عمر ، وابن الزُّبير ، قالوا : لا حصر إلاَّ حصر العدوِّ ، وهو قول سعيد بن جبير ، وسعيد بن المسيِّب{[2872]} ، وإليه ذهب إسحاق ، وأحمد ، والشافعيُّ - رحمهم الله تعالى ؛ وأكثر أهل اللغة يردُّون هذا القول .

وفائدة هذا الخلاف في أنَّه : هل يثبت للمحصر بالمرض وغيره من الموانع حكم المحصر بالعدوِّ ؟

فقال الشافعيُّ : لا يثبت ، وقال غيره : يثبت ، والقائلون بأنه يثبت ، قال بعضهم : إنَّه ثابتٌ بالنصِّ ، وقال آخرون : بالقياس الجلي{[2873]} .

حجَّة القائلين بالثبوت : مذهب أهل اللغة ؛ لأن أهل اللغة قائلان :

أحدهما : القائلون بأن الإحصار مختصٌّ بالحبس الحاصل بسبب المرض ، فتكون الآية الكريمة نصاً صريحاً فيه .

والثاني : القائلون بأن الإحصار المطلق الحبس ، سواءٌ كان مرضٌ أو عدوٌّ ؛ فقال صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرجَ ، فَقَدْ حَلَّ ، وعليه الحَجُّ مِنْ قَابِل{[2874]} " .

قال عكرمة : فسألتُ ابن عباسٍ ، وأبا هريرة - رضي الله عنهما - عن ذلك ؛ فقالا{[2875]} : صَدَق . فدلَّ ظاهر الآية ، والحديث عليه أيضاً .

وعلى القول الثَّالث : فهو أنَّ الإحصار اسمٌ لمنع العدوِّ ، فنقول : هذا باطلٌ باتفاق أهل اللغة ، وبتقدير ثبوته ، يقيس المرض على العدوِّ بجامع دفع الحرج ، وهو قياسٌ جَلِيٌّ ظاهرٌ .

وأمّا بتقدير مذهب ابن عباس ، وابن عمر ، وابن الزبير ، فلا شكَّ أنَّ قولهم أقوى ؛ لتقدمهم على هؤلاء الأدباء ، في معرفة اللغة ، ومعرفة تفسير القرآن . والحديث ضعيف ، ويمكن تأويله بأنَّه إنّما يحل بالكسر ، والعرج ، إذا كان مشروطاً في عقد الإحرام .

كما روي : أنَّ ضباعة بنت الزبير كانت وجعةً ؛ فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وشرَّف ، وكرَّم ، وبجَّل ، وعظَّم : " حِجّي واشْتَرِطي ، وَقُولي اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَني{[2876]} " . ويؤكد هذا القول وجوهٌ :

أحدها : أنَّ الإحصار : إفعالٌ من الحصر ، والإفعال تارةً يجيء بمعنى التعدية ؛ نحو : ذهب زَيْدٌ ، وأذْهَبْتُه انا ، ويجيءُ بمعنى : صار ذا كذا ؛ نحو : أَغَدَّ البعيرُ ، أي : صار ذا غُدَّةٍ ، وأجرب الرجل ، إذا صار ذا إبلٍ جربى ، ويجيء بمعنى : وجدته بصفة كذا ؛ نحو : أَحْمدْتُ الرجل ، أي وجدته محموداً .

والإحصار لا يمكن أن يكون للتعدية ؛ فوجب إمَّا حمله على الصيرورة ، أو على الوجدان ، والمعنى أنَّهم صاروا محصورين ووجدوا محصورين .

واتفق أهل اللُّغة على أنَّ المحصور هو الممنوع بالعدو ، لا بالمرض ، فوجب أن يكون معنى الإحصار : هو أنهم صاروا ممنوعين بالعدوِّ ، وذلك يؤكِّد ما قاله الشافعيُّ .

وثانيها : أنَّ الحصر عبارة عن المنع ، وإنما يقال للإنسان : أنَّه ممنوعٌ من فعله ، ومحبوسٌ عن مراده ؛ إذا كان الغير هو فاعل ذلك المنع والحبس .

فالحصر : عبارة عن الكيفية الحاصلة عند اعتدال المزاج ، وسلامة الأعضاء ، وذلك مفقودٌ في حقّ المريض ؛ لأنَّه غير قادر على الفعل ألبتة ؛ فلا يحكم عليه بأنه ممنوع ، لأن إحالة الحكم على المانع تستدعي حصول المقتضي .

أمَّا إذا كان ممنوعاً بالعدو ، - فها هنا - القدرة حاصلة إلاَّ أنه تعذّر الفعل ؛ لأجل مدافعة العدوِّ ، فصح ها هنا أن يقال : إنه ممنوعٌ من الفعل ؛ فوجب أن يكون الإحصار حقيقة في العدو ، لا في المرض .

وثالثها : أن قوله : " أُحْصِرْتُمْ " أي : حبستم ومنعتم ، والحبس لا بدَّ له من حابسٍ ، والمنع لا بدَّ له من مانعٍ ؛ لأنَّ الحبس ، والمنع فعلٌ ، وإضافة الفعل إلى المرض محالٌ عقلاً ، لأن المرض عرضٌ لا يبقى زمانين ، فكيف يكون فاعلاً ، وحابساً ، ومانعاً .

وأمَّا وصف العدوِّ بأنه حابسٌ ، ومانعٌ ؛ فهو وصفٌ حقيقيٌّ ، وحمل الكلام على الحقيقة ، أولى من حمله على المجاز .

ورابعها : أنَّ الإحصار مشتقٌ من الحصر ، ولفظ الحصر لا إشعار فيه بالمرض ؛ فوجب أن يكون خالياً عن المرض قياساً على جميع الألفاظ المشتقة .

وخامسها : أنَّه تعالى قال بعده : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } . فعطف عليه المرض ، فلو كان المحصر ، هو المرض ، أو من يكون المرض داخلاً فيه ، لكان عطفاً للشيء على نفسه .

فإن قيل : إنما خصَّ المريض بالذكر ؛ لأنَّ له حكماً خاصاً ، وهو حلق الرأس ، فصار تقدير الآية الكريمة : إن منعتم بمرض ، تحللتم بدمٍ ، وإن تأذَّى رأسكم بمرض ، حلقتم ، وكفَّرتم .

قلنا : هذا وإن كان حسناً لهذا الغرض ، إلاَّ أنه مع ذلك يلزم منه عطف الشيء على نفسه ، وحمل المحصر على غير المريض يوجب خلوَّ الكلام عن هذا الاستدلال ، فكان أولى .

وسادسها : قوله تعالى : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } ولفظ الأمن إنما يستعمل في الخوف من العدوِّ ، لا في المرض ، فإنَّه يقال في المرض : شُفِي ، وعُفِيَ ولا يقال أمِنَ .

فإن قيل : لا نسلِّم أنَّ لفظ الأمن لا يستعمل إلاَّ في الخوف ، فإنه يقال : أمن المرض من الهلاك ، وأيضاً خصوص آخر الآية لا يقدح في عموم أوَّلها .

قلنا : لفظ الأمن إذا كان مطلقاً غير مقيَّد ، فإنَّه لا يفيد إلاَّ الأمن من العدوِّ .

وقوله : خصوص آخر الآية الكريمة لا يقدح في عموم أوَّلها .

قلنا : بل يوجب ؛ لأن قوله : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ } ليس فيه بيان أنَّه حصل الأمن عن ماذا ، فلا بدَّ وأن يكون المراد حصول الأمن عن شيءٍ تقدَّم ذكره ، وليس إلاَّ الإحصار ، فكان التقدير : فإذا أمنتم من ذلك الإحصار .

وإذا ثبت أنَّ لفظ الأمن لا يطلق إلاَّ في العدوّ ، وجب أن يكون المراد من هذا الإحصار ، منع العدوِّ .

وسابعها : إجماع المفسرين على أن سبب نزول هذه الآية الكريمة ، أن الكفَّار أحصروا النبي صلى الله عليه وسلم بالحديبية ، واختلف العلماء في الآية النازلة في سببه ؛ هل تتناول غير ذلك السبب ؟ إلاّ أنهم اتفقوا على أنَّه لا يجوز أن يكون ذلك السبب خارجاً عنه ، فكان الإحصار في هذه الآية الكريمة عبارة عن العدوِّ ، وأمّا قياس منع المرض عليه ، فلا يمكن لوجهين :

الاول : أنَّ كلمة " إِنْ " شرطٌ ، وحكم الشرط انتفاء المشروط عند انتفائه ظاهراً ، فيقتضي ألاَّ يثبت الحكم إلاَّ في الإحصار الذي دلَّت الآية عليه ، فلو أثبتنا هذا الحكم في غيره قياساً ، كان ذلك نسخاً للنصِّ بالقياس ، وهو غير جائز .

الثاني : أنَّ الإحرام شرعٌ لازمٌ ، لا يحتمل النسخ قصداً ؛ ألا ترى أنَّه لو جامع ، فسد حجُّه ولم يخرج من الإحرام ؛ وكذا لو فاته الحجُّ حتى لزمه القضاء ، والمريض ليس كالعدوّ ؛ لأن المريض لا يستفيد بتحلّله ورجوعه أمناً من مرضه ، وأمَّا المحصر بالعدو ، فإنّه خائفٌ من القتل إذا أقام ، فإذا رجع ، فقد أمن ، وتخلص من خوف القتل ، والله أعلم .

فصل

قال القرطبيُّ{[2877]} : " الحَاصِرُ لاَ يَخْلُوا مِنْ أَنْ يكونَ كَافِراً أَوْ مُسْلِمَاً ، فإن كان كافراً ، لم يَجُزْ قِتَالُه ، ولو وثق بالظهور عليه ، ويتحلل بموْضِعه ؛ قوله تعالى : { وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ }

[ البقرة : 191 ] ولو سأل الكافر جعلاً ، لم يجز ؛ لأن ذلك وهن في الإسلام ، وإن كان مسلماً لم يجز قتاله بحال ، ووجب التحلل ، فإن طلب جعلاً ويتخلّى عن الطريق ، جاز دفعه ، ولم يجز القتال ؛ لما فيه من إتلاف المهج ، وذلك لا يلزم في أداء العبادات ، فإنّ الدِّين أسمح ، وأمّا بذل الجعل ، فلما فيه من دفع أعظم الضَّررين بالأسهل منهما : ولأن الحجَّ ممَّا ينفق فيه المال ، فيعدُّ هذا من النَّفقة " .

فصل

العدوُّ الحاصر : لا يخلو إمّا أن يتيقَّن بقاؤه ، واستيطانه ، لقوته وكثرته ، أو لا ، فإن كان الأول ، حلَّ المحصر مكانه من ساعته ، وإن كان الثاني ، فهو مما يرجى زواله ، فهذا{[2878]} لا يكون محصوراً ؛ حتى يبقى بينه وبين الحج مقدار ما يعلم أنَّه إن زال العدو ، لا يدرك الحج ؛ فيحلّ حينئذٍ .

وقال أشهب : من حصر عن{[2879]} الحج بعدو ، فلا يقطع التَّلبية ، حتى يروح الناس إلى عرفة .

فصل في الإحصار

الإحصار : إنما يكون عن البيت ، أو عن عرفة . فأمَّا عن الواجبات التي تجبر بالدم كالرَّمي ، والمبيت بمزدلفة ، ونحوها ، فلا إحصار فيها ؛ لأن المحرم يتمكن من إتمام حجَّه بجبرها بالدَّم ، وإذا إحصر عن طريق ، وله طريق غيرها ، يتمكَّن في الوصل إلى مكَّة ، ويدرك الحجَّ من غير زيادةٍ في النفقة ، أو ميرة لا تجحف به{[2880]} ، فليس بمحصر ، إذا كانت تلك الطُّرق أمناً ، [ فإن لم تكن أمناً ]{[2881]} ، أو كانت زيادة النَّفقة تجحف بماله . فهو محصر .

فصل في قضاء المحصر

إذا أُحصر ، فلا قضاء عليه بالإحصار ؛ لأنه إن كان محرماً بحجّ الفرض ، أو النَّذر ، وكان ذلك في العام الذي وجب عليه الحجُّ فيه ، لم يجب القضاء ؛ لأن شروط وجوب الحجِّ لم تكمل ؛ لوجود الإحصار ، وإن كان ذلك في العام الثاني ، وجب عليه الحجُّ للوجوب السَّابق ، لا للإحصار ، وإن كان الحجُّ تطوُّعا ، فلا قضاء ؛ لأنَّه لم يجب عليه ابتداءً .

قوله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ } ، " مَا " موصولة ، بمعنى : الذي ، ويضعف جعلها نكرة موصوفة ، وفيها ثلاثة أقوال :

أحدها : أنَّها في محل نصب ، أي : فليُهدِ ، أو فلينحر ، وهذا مذهب ثعلب .

والثاني : ويعزى للأخفش{[2882]} : أنه مبتدأ والخبر محذوف تقديره : فعليه ما استيسر .

والثالث : أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره : فالواجب ما استيسر ، واستيسر هنا بمعنى يسر المجرّد كصعب ، واستصعب ، وغني واستغنى ، ويجوز أن يكون بمعنى : تفعَّل نحو : تَكَبَّر واسْتَكْبَرَ ، وتعظَّم واسْتَعْظَمَ ، وقد تقدَّم ذلك .

قوله : " مِنَ الهَدْي " فيه وجهان :

أحدهما : أن تكون " مِنْ " تبعيضية ، ويكون محلها النَّصب على الحال من الضَّمير المستتر في " اسْتَيْسَر " العائد على " مَا " ، أي : حال كونه بعض الهدي .

والثاني : أن تكون " مِنْ " لبيان الجنس ، فتتعلق بمحذوف أيضا .

وَفي الهَدْي قولان :

أحدهما : أنه . جَمْعَ هَدْيَةَ كَجَدْي جمع جَدْيَةِ السَّرْج .

والثاني : أن يكُون مصدراً واقعاً موقع المَفْعُول ، أي : المُهْدَى ، ولذلك يقعُ للأفرادِ والجَمْعِ . قال أبو عَمْرو بنُ العلاء : لا أعْرف لهذه اللَّفْظَةِ نَظِيراً .

وقرأ مُجاهد{[2883]} والزُّهريُّ : " الهَديُّ " بتشديد اليَاء ، وفيها وجهان :

أحدهما : أن يَكُون جمع هَدِيَّة كمطيَّة ومطايا وركيَّة ورَكايا .

قال أحمدُ بنُ يحيى{[2884]} : أهلُ الحِجَاز يُخَفِّفُون " الهَدْي " ، وتميم يثقِّلُونَهُ ؛ قال الشَّاعر : [ الوافر ]

982 - حَلَفْتُ بِرَبِّ مَكَّةَ وَالْمُصَلَّى *** وَأَعْنَاقِ الهَدِيِّ مُقَلَّدَاتِ{[2885]}

وَيُقالُ في جمع الهَدْي : " أَهْدَاءُ " .

والثاني : أنْ يكون فعيلاً بمعنى مَفْعُولٍ ، نحو : قتيلٍ بمعنى : مَقْتُول .

فصل

قال القَفَّال : في الآية الكريمة إِضْمَارٌ ، والتَّقدير : فَتَحَلَّلْتُم فما استيسر ، وهو كقوله { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ }

[ البقرة : 184 ] أي : فَأَفْطَرَ فِعِدَّة ، وفيها إضمارٌ آخر ، هو ما تَقَدَّم ، أي : فَلْيَهْدِ أو فلينحر ما اسْتَيْسَرَ ، فالواجِبُ ما استيسر ، ومعنى الهَدي : ما يهدى إلى بيت الله ، عزَّ وجلَّ ، تقرباً إليه بمنزلة الهَديَّة .

قال عليٌّ وابنُ عباس - رضي الله عنهما - والحسنُ وقتادة : أعلاه بدنة ، وأوسطه بقرةٌ ، وأخسه شاةٌ ، فعليه ما تيسر من هذه الأجناس{[2886]} .

فصل

إذا عدم المُحْصَرُ الهَدْي ، هل ينتقل إلى البَدَل ؟ فيه خلافٌ قال أبو حنيفة : لا بَدَلَ لَهُ ، ويكونُ الهَدْيُ في ذمّته أبداً ؛ لأنه تعالى أوجَبَ على المحصرِ الهَدْيَ على التَّعْيين ، ولم يثبت له بَدَلاً .

وقال أحمدُ : له بدلٌ ؛ فعلى الأوَّل : هل له أنْ يَتَحلَّلَ في الحالِ ، أو يقيم على إحرامه ؟

فقال أبو حنيفة : يقيمُ على إحرامه ؛ حتى يجدهُ للآية .

وقال غيرهُ : له أَنْ يَتَحلَّل في الحال للمشقَّة ، وهؤلاء قالُوا يقوِّم الهدي بالدَّرَاهِمِ ، ويشتري بها طعاماً ، ويُؤدِّي ؛ لأنَّهُ أقربُ إلى الهَدْي ، وفيه اختلافاتٌ كثيرةٌ ، ثم المُحْصَرُ إِنْ كانَ إحرامه بفرضٍ ، قد استقرَّ عليه ، فذلك الفَرْضُ في ذِمَّتِه ، وإن كان حَجّ تَطَوُّعٍ ، هل عليه القَضَاءُ ؟ ! فيه خلاف : فذهب جماعةٌ إلى أَّنَّه لا قَضَاء عليه ، وهو قَوْلُ مالكٍ ، والشَّافعي ، وقال مجاهدٌ والشَّعبي والنَّخعيُّ ، وأصحابُ الرَّأي{[2887]} : عليه القَضَاءُ .

قال القُرطبيُّ{[2888]} : قال مالكٌ وأصحابُهُ : لا يَمْنَعُ المُحرم الاشتراطُ في الحَجِّ ، إذا خاف الحَصْر بمرضٍ ، أو عَدُوٍّ ، وهو قول الثَّورِيِّ ، وأبي حنيفة ، وأصحابه - رحمهم الله - والاشتراط أنْ يَقُولَ في إحرامه : إنْ حَبَسَنِي حابِسٌ فمحَلِّي حيثُ حَبَسَني .

وقال أَحمدُ وإسحاقُ وأبو ثور لا بأس أنْ يَشْتَرِطَ ، وله شَرْطُهُ ، وهو قولُ جماعةٍ من الصَّحَابة والتابعين ، واحتجُّوا بقوله عليه السَّلام لِضُباعَة حين سألتهُ عن كيفيَّة الإحرام فقال : " قُولِي : محلِّي حَيْث حَبَسْتَنِي " .

فصل

اختلَفُوا في العُمْرة ، فأكثر الفُقَهاءِ قالوا : حُكْمُهَا في الإحْصار كَحُكْم الحَجِّ ، وعن ابن سيرين{[2889]} أَنَّهُ لا إحصار فيها ؛ لأَنَّهَا غير مؤقّتة ، ويرده قوله تعالى : { فإِنْ أُحْصِرْتُمْ } عَقِيبَ ذكر الحَجِّ والعُمْرَةِ ، فيكونُ عَائِداً إليهما .

فصل

إذا أراد المحصر التحلّل وذبح ، وجب أن يَنْوِيَ التَّحلل عند الذَّبْحِ ، ولا يَتَحَلَّل أَلْبَتَّةَ قبل الذَّبْحِ .

قوله : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } في الآية حَذْفٌ ؛ لأنَّ الرَّجُلَ لا يَتَحَلَّلُ ببلوغ الهَدْي مَحِلَّه ، حتى يَنْحَر ؛ فتقدير الآية الكريمة : حتَّى يَبْلُغَ الهَدْي مَحِلَّه ، فينحر فإذا نَحَرَ فاحلقوا و " مَحِلَّه " يجوز أَنْ يكونَ ظرفَ مَكَانٍ ، أو زمانٍ ، ولم يُقْرأ إلاَّ بِكَسر الحاءِ فيما علمنا إلاَّ أّنَّهُ يَجُوزُ لغةً فتحُ حائِه ، إذا كانَ مكاناً . وفَرَّق الكسائيّ بينهما ، فقال : " المَكْسُورُ هو الإحْلاَلُ من الإحْرَامِ ، والمفتوحُ هو مَكَانُ الحُلُولِ من الإِحصارِ " .

فصل

قال أبو حنيفة : لا يَجُوزُ إِراقَهُ دم الإحصار إلاَّ في الحرم وقال أحمدُ والشَّافعيُّ - رحمهما اللَّهُ - حيث حبس والخلافُ مبنيٌّ على البَحْثِ في المَحَلِّ ؛ فقال أبو حنيفة : هو اسمٌ للمكان . وقال غيره : هو اسمٌ للزَّمانِ الذي حصل فيه الحل . وحجّتهم وجوه .

منها : أنَّه - عليه السَّلامُ - أحصر بالحُديبيةِ ونحر فيها ، وليست من الحَرَمِ .

قال أصحابُ أبى حنيفة : إِنَّما أحصر فى طرف الحُدَيبية ، الّذى أسفل مَكَّةَ ، وهو من الحَرَمِ .

قال الوَاقِدِيُّ : الحديبيةُ على طرف مكَّةَ على تِسْعَةِ أَمْيِالِ من مكَّةَ{[2890]} .

قال القَفَّال{[2891]} - رحمه الله - : الدَّليل على [ أنَّ نحر ذلك الهدي ما وقع فى الحرم قوله تعالى : { هُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ }{[2892]} [ الفتح : 25 ] .

ومنها : أَّنَّ المحصَر سواء كان فى المحلّ ، أو الحرم ، فهو مأمورٌ بنحر الهدي بقوله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } ، فأوجب على المُحْصَرِ ، سواء كان فى الحلّ أو الحرمِ ، وإذا ثَبَتَ ذلك ؛ وَجَبَ أن يجوز له الذَّبحُ ، حيث كَانَ قادراً على إراقة الدَّمِ .

ومنها : أنَّه تعالى إنَّما مكن المحصر من التَّحلل بالذَّبح ؛ ليتمكن من تخليص نفسه فى الحال عند خَوْفِ العدوِّ ، فلم يَجُزِ النَّحْرُ إلاَّ فى الحرم وَمَا لم يحصلُ النَّحر لا يحصل له التَّحلل فى الحالِ ، وذلك يُنَاقِضُ المَقْصُودَ من مشروعيّة هذا الحكم ؛ لأن الموصل للنَّحر إلى الحرم ، إن كان هو فالْخَوْفُ ، باقٍ ، وكيفَ يؤمر بهذا الفعل مع قيام الخَوْفِ ، وإن كَانَ غيره ، فقد لا يَجِدُ ذلك الغَيْرَ ، فماذا يفعل ؟ حجَّةُ أبي حنيفة وجوه :

الأَوَّل : أَنَّ المحِلَّ - بكسر الحاء - عبارة عن المكان كالمسجدِ والمَجْلِس ، فقوله { حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } يَدُلُّ على أَنَّهُ غير بالغٍ فى الحَالِ إلى مكان الحِلِّ ، وهو عندكم بَالِغٌ مَحَلَّهُ فى الحال .

وجوابه : أنَّ المحلَّ عبارة عن الزَّمان كمحل الدّين .

الثَّاني : أن لفظ " المَحِلّ " يحتمل الزَّمانَ والمَكَانَ إلاَّ أن الله - تعالى - أَزَالَ هذا الاحتمال بقوله : { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ }

[ الحج : 33 ] .

وجوابه بأَنَّ كُلَّ ما وجب على المحرم فى ماله من بَدنَةٍ ، وجزاء هَدْي ، فَلاَ يُجْزِي إلاَّ فى الحَرَمِ لمساكين أهْلِهِ إلاَّ فى مَوْضعَين :

أحدهما : مَنْ سَاقَ هَدْياً ، فعطب فى طريقه ذبحه ، وخلَّى بين المَسَاكِين وَبَيْنَه .

والثَّاني : دم المُحْصَرِ بالعَدُوِّ فينحر حيثُ حبس ، فالأَدِلَّةُ المذكورةُ فى باقي الدّماءِ فلم قلتم إِنَّها تَتَنَاوَلُ هذه الصَّورَةَ ؟

الثَّالث : قالوا إِنَّما سُمِّيَ هَدْياً ؛ لأنه جارٍ مَجْرَى الهَدِيَّةِ التى يَبْعَثُهَا العَبْدُ إلى رَبِّهِ والهديّةُ لا تكونُ هَدِيَّةً إلاَّ إذا بَعَثَها المهَدي إلى دَارِ المهدى إليه ، وهذا المعنى لا يُتَصَّورُ إلاَّ بجعلِ موضعِ الهَدْي هو الحَرَمُ .

وجوابه : هذا تَمَسُّكٌ بالاسم ، ثم هُوَ مَحْمُولٌ على الأصلِ عند القُدْرَة .

الرابع : أَنَّ سَائِر دماء الحَجّ سواء كانت قربة ، أو كَفَّارة ، لا تَصِحُّ إلاَّ فى الحرم ، فكذا هذا .

وجوابُهُ أنَّ هذا الدَّم إِنَّما وَجَبَ لإزالة الخَوْفِ ، وزوال الخوف إِنْما يَحْصُلُ إذا قدر عليه حَيْثُ أُحصر ، فلو وَجَبَ إِرْسَالَه إلى الحرم ، لم يحصل هذا المَقْصُود ، وهذا المَعْنَى غير موجود في سائِرِ الدِّمَاءِ ، فَظَهَر الفَرْقُ .

والقَائِلُونَ بأَنَّ مَحلَّه الحَرَم قالوا : إن كان المُحْصَر حَاجّاً ، فمحله يوم النَّحْرِ ، وإِنْ كَانَ معتمراً ، فمحله يَوم يبلغ هديه الحرم .

قوله { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } [ البقرة : 196 ] .

فى " مِنْكُمْ " وجهان :

أحدهُما : أن يَكُونَ فى مَحَلِّ نَصْبٍ على الحال من " مَرِيضاً " ؛ لأنه فى الأصل صفةٌ له ، فلمَّا قُدِّم عليه انتَصَبَ حالاً . وتَكُونَ " مِنْ " تبعيضيةٌ ، أي : فَمَنْ كانَ مريضاً منكم .

والثَّاني : أجازه أبو البقاء أن يكونَ متعلِّقاً بمريضاً .

قال أبو حيان : " وهو لا يَكَادُ يُعْقَلُ " . و " مَنْ " يَجُوزُ أنْ تكونَ شرطيةً ، وأَنْ تكونَ موصولةً .

قوله : { أَوْ بِهِ أَذًى } يجوزُ أَنْ يكُونَ هذا مِنْ بابِ عَطْفِ المُفْرَدَاتِ ، وأن يَكُونَ من باب عَطْفِ الجُمَلِ . أما الأولُ ، فيكونُ الجَارُّ وَالمجرورُ في قوله : " به " معطوفاً على " مريضاً " الّذي هو خبرُ كانَ ، فَيَكُونُ فى مَحَلِّ نَصْبٍ . ويكونُ " أذًى " مرفوعاً به على سبيل الفَاعِلِيِّة ؛ لأَنَّ الجارَّ إِذَا اعْتمد رَفَع الفاعل عند الكُلّ فيصيرُ التقديرُ : فَمَنْ كان كائناً به أَذىً من رَأْسِهِ . وأما الثَّاني فَيَكُونُ " به " خبراً مقدَّماً ، ومحلُّه على هذا رَفْعٌ ، وفي الوجهِ الأَوَّلِ كان نصباً ، و " أذًى " مبتدأٌ مؤخَّر ، وَتَكُونُ هذه فى مَحَلِّ نَصْبٍ ؛ لأنَّها عَطفٌ على " مَريضاً " الواقع خبراً لكَان ، فهي وإنْ كانَتْ جُمْلَةً لفظاً ، فهي فى مَحَلِّ مُفْرَدٍ ؛ إذ المَعْطُوفُ على المَفْرَدِ مفردٌ ، لا يُقَالُ : إنه عَادَ إلى عَطْفِ المُفْرَدَاتِ ، فيتَّحِدُ الوجهانِ لوضوحِ الفَرق .

وأجازوا أن يَكُونَ " أَذًى " مَعْطُوفاً على إِضْمارِ " كان " لدلالةِ " كانَ " الأولى عليها ، وفى اسْمِ " كَانَ " المَحْذُوفَةِ حينئذٍ احْتِمَالانَ :

أحدهما : أن يَكُونَ ضميرَ " مَنْ " المتقدِّمَةِ ، فيَكُونُ " به " خبراً مقدماً ، و " أذى " مبتدأ مؤخراً ، والجُمْلَةُ فى مَحَلِّ نَصْبٍ خبراً لكان المضمرةِ .

والثَّاني : أن يكونَ " أَذًى " اسمها و " به " خبرَها ، قُدِّم على اسمها .

وأجَازَ أَبُوا البَقَاءِ أن يَكُونَ " أَوْ بِهِ أَذًى " معطوفاً على " كَانَ " ، وأَعْرَب " به " خبراً مقدّماً متعلِّقاً بالاستقرار ، و " أَذًى " مبتدأ مُوَخّراً ، والهاءُ فى " بِهِ " عائدةٌ على " مَنْ " . وخَطَّأَهُ أبو حيان فيه ، قال : لأَنَّهُ كَانَ قد قَدَّمَ أن " مَنْ " شَرْطيةٌ ، وعلى هذا التَّقْدِيرِ يَكُونُ خطأ ، لأَنَّ المَعْطُوف على جُمْلةِ الشَّرْطِ شَرْطٌ ، والجُمْلَةُ الشَّرْطيةُ لا تَكُونُ إلا فِعْلِيَّةً ، وهذه كما ترى جملةٌ اسْميّةٌ على ما قَرَّرَهُ . فَكَيْفَ تَكُونُ معطوفةً على جملةِ الشَّرطِ التِي يَجِبُ أن تكونَ فعليةً ؟ فإنْ قيل : فإذا جَعَلْنَا " مَنْ " موصولةٌ ، فهل يَصِحُّ ما قاله من كَوْنِ " بِهِ أَذًى " معطوفاً على " كَانَ " ؟ فالجَوَابُ أنه لا يَصِحُّ أيضاً ؛ لأنَّ " مَنْ " الموصولةَ إذا ضُمِّنَتْ معنى اسْم الشَّرْطِ لزِمَ أن تكونَ صلتُها جُمْلَةً فِعْليةً ، أو ما هي فى قُوَّتِهَا . وَالبَاءُ فى " به " يجوزُ فيها وجهَان :

أحدُهما : أن تَكُونَ للإلصاق .

والثاني : ان تكونَ ظرفيةً .

والأذى مَصدر بمعنى الإِيذاءِ ، وهو الأَلَمُ يُقالُ آذاه يُؤْذِيه إيذَاءً وأذى ، فكان الأَذَى مصدر على حذف الزَّوائد ، أو اسم مصدر كالعَطَاءِ اسم للإِعْطاءِ ، والنَّبَاتِ للإِنْبَاتِ . قال ابنُ عَبَّاس - رضي اللَّهُ عنهما " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رأْسِهِ " أي برأسه قروح ، { أَوْ بِهِ أَذًى } ، أي : قَمْلٌ " {[2893]} .

قولُهُ : " مِنْ رَأْسِهِ " فى وجهان :

أحدهما : أنَّه فى مَحَلِّ رَفْع ؛ لأنَّهُ صِفَةٌ لأَذَى ، أي : أذى كَائنٌ من رَأْسِهِ .

والثَّاني : أَنْ يَتَعَلَّق بما يَتَعلَّقُ " بِهِ " من الاستقرارِ ، وعلى كلا التَّقْدِيرَين تكُونُ " مِنْ " لابتداءِ الغَايَةِ .

قوله : " فَفِدْيَةٌ " فى رفعها ثلاثةُ أوجهٍ :

أحدُها : أن تكُونُ مُبْتَدَأً والخبرُ مَحْذُوفٌ ، أي : فعليه فِدْيَةٌ .

والثَّاني : أن تَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدأ محذوف ، أي : فالواجبُ عليه فِدْيَةٌ .

والثَّالث : أن تكُونَ فاعل فعلٍ مقدَّر ، أي فَتَجِبُ عليه فديةٌ . وقُرئ شَاذّاً : " فَفِدْيَةً " نصباً ، وهي على إضْمَار فعلٍ ، أي : فَلْيَفْدِ فديةً .

و " مِنْ صِيَام " فى مَحَلِّ رفعٍ ، أو نَصْبٍ على حسب القِرَاءَتَيْن صفةً ل " فِدْيَة " ، فيتعلَّقُ بمحذوفٍ ، و " أو " للتَّخيير ، ولا بُدَّ مِنْ حَذْفِ فعلٍ قبلَ الفَاءِ تقديرهُ : فَحَلَقَ فَفِدْيَة .

وقرأ الحَسَنُ{[2894]} والزُّهريُّ " نُسْك " بسكون السِّينِ ، وهو تخفيفُ المضموم . وفى النَّسُك قولان .

أحدهما : أَنَّهُ مَصْدَرٌ يُقَالُ : نَسَكَ ينسُك نُسْكاً ونُسُكاً بالضَّمِّ والإِسكان ، كما قرأهُ الحَسَنُ .

والثَّاني : أنه جَمْعُ نَسِيكة ، قال ابنُ الأَعْرَابيّ : " النَّسيكَةُ فى الأَصْلِ سَبيكة الفِضَّةِ ، وتُسَمَى العبادةُ بها ؛ لأَنَّ العِبَادَة مُشْبهةٌ سبيكة الفِضَّة فى صَفَائِهَا وخُلوصِها من الآثام ويُقَالُ للمتعبد " نَاسِكٌ " ، لأَنَّهُ يُخلص نفسه من الآثام وصغارِها كالسَّبِيكةِ المخلَصة من الخَبَثِ وقيل للذَّبيحة " نَسيكة " لذلك لأنها أشرف العبادات التى يُتَقرَّبُ بها إلى اللَّهِ تعالى .

فصل في سبب نزول الآية

قال ابنُ عبَّاس : نزلت هذه الآية الكريمة فى كَعْب بنِ عجرة ، قال كعبٌ : مَرّ بي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحُدَيْبيَةِ ، وكان شعر رأسي كثير القَمْلِ والصّئبان ، وهو يتناثرُ وَأنَا أطيح ، فرآني فَقَال - عليه السَّلامُ - : " أَتُؤْذِيك هَوَامٌّ رَأْسِكَ " قُلْتُ : نعم يا رَسُول اللَّهِ ، قال : " احْلِقْ رَأْسَكَ " ، فأنزل اللَّهُ تعالى هذه الآية الكريمة{[2895]} .

والمقصود منها أَنَّ المحرم إِذَا تَأَذَّى بالمرض ، أو بهوامّ رأسه ؛ أُبيح له المُدَاوَةُ في الحَلْقِ بِشَرْطِ الفِدْيَةِ ، وهو على التَّخْيير بينَ أن يذبح ، أو يَصُومَ ، أو يَتَصَدَّق ، فَأَقَلّ النُّسُكِ شَاةٌ ، وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ ، وأعلاه بَدَنَةٌ . وأمَّا الصِّيامُ ، فليس فى الآية كمِّيته ، وفيه قولان :

أحدهما : أنَّه ثَلاَثَةُ أَيَّام ؛ لما رَوَى أَبو دَاودَ أنَّه - عليه السَّلامُ - " لمّا مرَّ بكعب بنِ عجْرة ، وَرَأَى كثرةَ هَوَامّ رَأْسِهِ ، فَقَالَ لَهُ : احْلِقْ ، ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكاً ، أَو صُم ثَلاَثَةَ أَيَّامِ أَوِ أَطْعِم ثَلاَثَة آصعِ مِنْ تَمْرٍ على سِتَّة مساكِينَ{[2896]} "

والثَّاني : قال ابنُ عبّاس - رضي الله عنهما - والحَسَنُ : الصِّيام كصيام المتمع عَشْرَة أَيَّامٍ ، والإطعام مِثْلُ ذلك فى العَدَدِ ؛ لأَنَّ الصِّيَامَ والإطعام لمّا كان مُجْمَلَيْنِ فى هَذَا المَوْضِعِ ؛ وَجب حَمْلُهُ على المبيَّنِ فيما جاء بعد ذلك ، وهو الَّذي يلزمُ المتمتِّعَ إذا لم يجد الهدي .

فصل

اختلفوا : هَلْ يقدّم الفدية ثمّ يترخّص ، أو يُؤَخِّر الفدِية عن الترخّص ، والّذي يقتضيه ظاهر الآية الكريمة ؛ أنَّهُ يؤخر الفِدْيَةَ عن الترخص ، لأن الإقْدَامَ على التّرخص كالعِلَّة فى وُجُوبِ الفِدْيَة ، فكان مُقَدَّماً عليه ، وأيضاً فقد بينَّا أنَّ تقدير الآية الكريمة : فَحَلَقَ فعليه فِدْيةٌ .

فصل

قال بَعْضُهُم هذه الآية الكريمة مختصّة بالحَصْرِ ؛ وذلك إِنْ قيل أي بلوغ الهَدْي محلَّه ، ربما لحقه مرض ، وأذى فى رأْسِهِ ، فأذن الله تعالى له فى إِزَالَة ذلك المُؤْذِي بشرط أن يَفْدِي .

وقال آخرون : بل الكَلاَمُ مستأنفٌ فى كُلِّ محرم لحقه مرض ، أو أذى فى رَأْسِهِ ، فاحْتَاج إلى العلاج والحلق ، فبيَّن اللَّهُ تعالى أّنَّ لهُ ذلك ، وبين ما يجبُ عليه من الفِدْية ، وقد يَكُونُ المَرَضُ محوجاً إلى اللِّبَاسِ ، من شدَّة البَرْدِ أو غيره ، وقد يحتاج فى الأَمْرَاضِ إلى استِعْمَالِ الطّيب كثيراً ، وبالجملة فهذا الحُكمُ عامٌّ فى جميع مَحظوراتِ الإِحْرامِ .

فصل

فَأَمّا من حلق رأسه عامِداً من غير عُذْرٍ ، فقال أبو حنيفة والشَّافعيُّ يجب عليه الدَّمُ .

وقال مالكٌ : حكمه حكم من فعل ذلك بعذر ؛ لأَنَّ وجوبه على المَعْذُور تنبيه على وجوبه على غير المَعْذُورِ .

وقال ابنُ الخطيب{[2897]} : هذا ضَعيفٌ ؛ لأَنَّ قوله : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } يدل على اشْتِراط هذا الحُكْم بهذه الأَعذارِ ، والمَشْرُوط بالشيء عدم عند عدم الشَّرْط .

قوله : " فإذا أَمِنْتُم " الفاءُ عَاطفةٌ على ما تَقَدَّم ، و " إِذَا " مَنْصُوبَةٌ بالاستقرار المحذوفِ ؛ لأنَّ التَّقْدِير : فعليه ما اسْتَيْسَرَ ، أي : فاستقرَّ عليه ما اسْتَيْسَرَ " .

وقوله : " فَمَنْ تَمَتَّعَ " الفاءُ جوابُ الشَّرْطِ بإذا ، والفَاءُ فى قوله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ } جوابُ الشَّرط الثاني . ولا نَعْلَمُ خلافاً أَنَّهُ يَقَعُ الشَّرْطُ وجوابُهُ جواباً لشرطٍ آخرَ مع الفاءِ . وقد تَقَدَّم الكَلاَمُ على { فَمَا اسْتَيْسَرَ } .

فصل

تقدير الكَلاَمِ ، فإذا أمنتم الإحصار بالخَوْفِ أو المرض ، { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } واختلفوا فى هذه المُتْعَةِ : فقال عَبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَير{[2898]} : معناه فمن أُحْصِرَ حَتّى فَاتَهُ الحَجُّ ، ولم يَتَحَلَّل ، فَقَدِمَّ مَكَّةَ ، فخرج من إِحرامهِ بعَمَلِ عُمرة ، أَو اسْتَمْتَعَ بإِحْلاَلِهِ ذلك بتلك العمرة إلى السَّنَةِ المقبلة ، ثم حَجَّ فيَكُونُ متمتعاً بذلك الإحلال إلى إِحْرَامِهِ الثَّانِي فى العَام القَابِلِ{[2899]} ، وقيل معناه : فإذا أمنتم ، وقد حَلَلْتُم من إحرامِكُم بعد الإحصارِ ، ولم تقضوا عمرتكم ، وأخرتم العُمرَةَ إلى السَّنَةِ القَابِلة ، فاعْتَمَرتُم في أشهر الحج ، ثم حللتم واستمتعتم بإحلالكم إلى الحج ، ثم أحرمتم بالحج ، فعليكم ما اسْتَيْسَرَ من الهَدْي ، وهو قول علْقَمَة ، وإبراهيم النَّخعيِّ ، وسعيد بن جبير{[2900]} .

ومعنى التَّمَتُّع : التَّلَذُّذ ، يقالُ تمتَّعَ بالشَّيءِ ، أي : تَلَذَّذَ به ، والمتاع : كُلُّ شَيءٍ يُتمتع به ، وأصلُهُ من قولهم : " حَبْلٌ ماتِعٌ " أي : طويلٌ ، وكل ما طالت صحبته بالشَّيء ، فهو مُتَمتِّعٌ به ، والتمتع بالعمرة إلى الحَجّ هو أن يَقدُم مكَّة مُعْتمِراً فى أشهرِ الحجِّ وينزع منها ، ثم يقيمُ بمكَّةَ حلالاً ، حتَّى يُنشىء منها الحَجَّ من عَامِهِ ذلك ، وإنَّما سُمِّي متمتعاً لأنَّهُ يكُونُ مستمتعاً بمحظورات الحج فيما بين تحلله من العمرة إلى إحرامِهِ بالحَجِّ ، وهذا التمتع الَّذي ليس بمكروهٍ ، بل هو الأفضلُ عند أحمد ، وإتمامِ التَّمتُّع المكروه ، وهو الَّذي خطب به عمر - رضي الله عنهُ - وقال : " مُتْعَتَانِ كَانَتَا على عهد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنهى عنهما ، وأُعاقِبُ عليهما ، مُتْعَةُ النِّسَاءِ ، ومتعة الحَجِّ{[2901]} " ، والمراد بهذه المتعة أن يجمع بين الإحرامين ، ثُمَّ يفسخ الحجَّ إلى العمرة ، ويتمتَّعُ بها إلى الحَجِّ ، روي أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَذن لأصحابه فى ذلك ثُمَّ نسخ .

روي عن أبي ذَرٍّ أنَّه قال : ما كانت متعة الحج إلاّ لي خاصة ، وكان السَّبَبُ فيه أنَّهم كانُوا لا يَرَونَ العُمرةَ فى أشهر الحَجِّ ، ويعدُّونَهَا مِنْ أَفْجَرِ الفجُور ، فلما أراد - عليه السَّلام - إبطال ذلك الاعتقاد عليهم بالغ فيه ، بأنْ نقلهم فى أشهرِ الحَجِّ من الحَجِّ إلى العُمرَةِ ، وهذا سَبَبٌ لا يشاركهم فيه غيرهم ، فلهذا المعنى كان فسخ الحَجِّ خاصّاً بهم{[2902]} .

قال القُرطبيُّ{[2903]} : وزعَمَ مَنْ صَحَّحَ نَهي عُمر عن التَّمَتُّعِ : أنّما نهى لينتجع إلى البيت مرَّتَيْنِ أو أكثر فى العام حتى يُكْثر عمارته بكثرة الزِّيارة فى غير المَوْسِمِ ، وأراد إدخال الرّفق على أهل الحَرَمِ بدخول النَّاس ، تحقيقاً لِدَعوة إبراهيم - عليه السَّلامُ -

{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } [ إبراهيم : 37 ] .

وقيل : إنَّما نهى عنها ؛ لأَنَّهُ رأى النَّاسَ مالوا إلى التَّمتُّع ليسارته ، وخفَّتِهِ ؛ فخشي أن يضيع الإفراد والقران ، وهما مسنُونانِ .

فصل

التَّمتُّع لا يحصُلُ إلاَّ بمحظورات الإحرامِ لكِنَّهُ لما كان بسبب إتيانِهِ بالعُمْرَة سَمَّاهُ تمتعاً بالعُمرة إلى الحَجِّ .

فصل في شروط وجوب دم التَمتُّع

يشترط لوجوب دم التَّمَتُّع خمسة شروطٍ{[2904]} :

أحدها : أن يُقَدم العُمرة على الحَجِّ .

والثاني : أن يُحرم بالعُمرة في أشهر الحَجِّ ، فلو أحرمَ لها قبل أشهر الحَجِّ ، وأتى بشيء من الطَّوَافِ ، ولو شوطاً واحِداً ، ثم أكمل باقيه في أشهر الحَجِّ فى هذه السَّنة ، لم يلزمه الدَّمُ ؛ لأنَّهُ لم يجمع بينَ النُّسُكَيْنِ فى أشهر الحَجِّ .

وقال أبو حنيفة : إذا أتى بأكثر الطَّوَافِ فى أشهر الحَجِّ ، فهو مُتَمَتِّعٌ ، وإذا أتى بالأكثر قبل أشهر الحَجِّ فلا .

الثالث : أن يَحِجُّ فى هذه السَّنَة ، فإن حَجَّ فى سَنَةٍ أخرى لم يَلْزَمْهُ دَمٌ ؛ لأَنَّه لم يوجد مُزَاحمة الحَجِّ والعمرة فى عامٍ واحدٍ ، ولم يحصل الترفُّه بترك أحد السّفرين ، إلاَّ على قول ابن الزُّبير فيما قَدَّمناه .

الرابع : ألا يكُون من حاضري المسجد الحرام لقوله تعالى : { ذلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } ، وهو مَنْ كان أهلُهُ على أقلّ من مسافة القَصْرِ ، وهل تُعْتَبَرُ هذه المَسَافَةُ من مَكَّة ، أو من الحرمِ فيه وجهان .

الخامس : أن يُحْرِم بالحَجِّ من مَكَّةَ بعد الفَرَاغ من العُمرة ، فلو رجع إلى الميقاتِ ، وأحرمَ بالحَجِّ منه ، لا يلزمُهُ دَمُ التَّمَتُّعِ .

فصل

قال القُرطبيُّ{[2905]} : التَّمَتُّع بالعمرة إلى الحَجِّ على أربعةِ أوجهٍ :

أحدها مجمع عليه ، والثَّلاثةُ مختلفٌ فيها فالمجمعُ عليه هو المراد بقوله تبارك وتعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْي } ، وذلك أَنْ يُحْرِمُ بالعُمْرَةِ في أشهر الحَجِّ ، ويكون آفاقيًّا ، ويفرغ منها ، ويقيم حلالاً بمكَّة إلى أن يحرم بالحجِّ من عامِهِ قبل رجوعه إلى بلدِهِ .

ولها ثَمَانيةٌ شروطٍ :

الأول : أن يجمع بين الحجّ والعمرة .

الثاني : فى عامٍ واحدٍ .

الثالث : فى سفر واحد .

الرابع : فى أشهر الحَجِّ .

الخامس : مقدِّماً الحج .

السادس : غير مخلط لها بالحَجِّ .

السابع : وأن تكُونَ العُمرةُ والحج عن شخصٍ واحدٍ .

الثامن : ويكون آفاقيًّا .

الوجه الثَّاني من وجوه التَّمتُّع بالعُمْرَة : هو القِرَانُ ، وهو أنْ يَجْمَعَ بينهما فى إحرامٍ واحدٍ ، قيُهِلّ بهما جميعاً فى أشهر الحَجِّ ، يتمتع القارن بترك السّفر إلى العُمْرَةِ ، مرَّة ، وإلى الحَجِّ أخرى ، ولا يحرم لكلِّ واحد من ميقاتِهِ ، فيدخل تحت قوله تعالى : { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } .

الوجه الثالث الَّذي نهى عنه عمر - رضي اللَّهُ عنه - : وهو أنْ يُحْرِمَ بالحَجِّ فإذا دخل مَكَّةَ فسخ حجّه إلى عمرة ، ثم يحلّ إلى أن يُهِلَّ بالحج يَوْم التَّرْوية{[2906]} ، فاختلف فى ذلك ، فالجمْهُورُ على تَرْكِ العَمَل بها .

قال أبو ذرِّ كانت المتعة لنا فى الحَجِّ خاصّة{[2907]} .

الوجهُ الرَّابع من التمتع : متعة المُحصر ، ومن صُدَّ عن البيت .

فصل

دم التمتع دم جبران ، فلا يجوزُ له الأكل منه .

وقال أبو حنيفة دم نسك ، ويأكُلُ منه .

حُجَّةُ الأَوَّلِ وجوهٌ :

أحدها : أنَّ التمتع حصل فيه خَلَلٌ فيكون دم جبران .

وبيان الخَلَلِ أنَّ عُمَرَ كان ينهى عن المتعةِ ، فقال له عثمانُ - رضي اللَّهُ عنهما - عَمَدْتُ إلى رُخْصَةٍ بسبب الحاجة ؛ فَدلّ على حُصُولِ نقص فيها .

وأيضاً سمَّاها تَمَتُّعاً ، والتمتع التَّلَذُّذ ، ومبنى العبادة على المَشَقَّةِ .

وأيضاً ففي التَّمَتُّع صار السَّفَرُ للعمرة ، وكان من حَقِّه أن يكُون للحج ؛ لأَنَّهُ الحج الأكبر ، وأيضاً حصل التَّرفه بالإحلال بينهما ، وأيضاً كان من حَقّه جعل الميقات للحجِّ ، فإنَّه الأَكبَرُ ، وكل هذه أنواع خَلَلٍ ، فوجب أن يَكُونَ الدَّم دم جبران .

وثانيها : أنَّ الدّم ليس بنسك أصلي من مناسك الحَجّ ، أو العمرة ، كما لو أفردها وكما في حقّ المَكِّي ، والجمعُ بين العبادَتين لا يوجب الدَّم ، بدليل أنَّ من جمع الصَّلاة ، والصّوم ، والاعتكاف لا يَلْزَمُهُ دم ، وإذا ثبت ذلك فليس الدَّم دم نسك ، بل دم جبران .

وثالثهما : أنَّ هدي التمتع ليس مُؤَقّتاً ، والمناسِكُ كلّها مؤقتة ، فيكُونُ دم جُبرانٍ .

ورابعها : أنَّه يُبَدَّلُ بالصَّوم ، ودم النُّسك لا يُبَدَّلُ بالصَّوم .

فصل

والمجزي فيها جذعة من الضأن ، أو ثنية من المَعْزِ ، أو شركُ ستَّةٍ فى بدنةٍ ، أو بقرةٍ ، ووقت وجوبه بعد الإحرام بالحجِّ ؛ لأنَّ قوله : { فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } يدلُّ على أنَّه عقيب التَّمَتع ، ويستحب ذبحه يوم النَّحرِ فلو ذبح بعد الإحرام بالحجِّ جاز ؛ لأَنَّ التمتع قد تَحَقَّقَ . وعن أبي حنيفة لا يجوز إلاَّ يوم النَّحر ؛ لأَنَّهُ نسك عنده .

قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } ؛ يعنى : أنَّ المتمتع إذا لم يجد الهَدْيَ ، فعليه أنْ يصُومَ ، وهل الهدي أفضلُ أم الصِّيَامُ ؟ قال ابنُ الخطيب{[2908]} : الظَّاهِرُ أنَّ المبدل أفْضَلُ من البدل ؛ لكنَّهُ تعالى بيَّن في هذا البدل أنَّه في الكمال والثَّوابِ كالهَدْي وهو كقوله " تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ " .

قوله : " فَصِيَامُ " فى رفعه الأَوجه الثَّلاَثَة المّذكُورةُ فى قولِهِ : " فَفِدْيَةٌ " وقرئ{[2909]} نصباً ، على تقدير فَلْيَصُمْ ، وأُضيف المَصْدَرُ إلى ظَرْفِهِ معنىً ، وهو فى اللَّفظِ مَفْعُولٌ به على السَّعَةِ . و " فِي الحَجِّ " مُتَعَلّقٌ بِصِيَامٍ وقَدَّر بعضهم مُضافاً ، أي : في وقتِ الحَجِّ ، ومنهم مَنْ قَدَّر مُضَافَيْن ، أي : وقتَ أفعالِ الحَجِّ ، ومنهم مَنْ قَدَّره ظَرْفَ مكانٍ ، أي : صَوْمُهُ ، بعد إحرام العُمرة ، وقبل إحرام الحَجِّ .

وقال أبو حنيفة : يصحُّ .

حجَّةُ الأَوَّل وجوه :

أحدها : أنَّه صيامٌ قبل وقته ؛ فلا يجُوزُ كمن صَامَ رَمَضانَ قبلهُ ، وكما لو صام السَّبعة قبل الرُّجوع ، وذلك لأَنَّ الله تعالى قال : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ } ، والمراد إحرام الحج ، لأنَّ سَائِرَ أفعال الحجِّ لا تصلح ظرفاً للصَّومِ ، والإحرامُ يَصلُحُ ، فوجب حمله عليه .

وثانيها : أنَّ ما قبل الإحرام بالحجِّ ليس بوقت لِلْهَدي الذي هو أصلٌ ، ولا يكُونُ وقتاً لبدله ، كسائر الأُصُول فى الأبدال .

وإذا ثبتَ ذلك ، فَنَقُولُ : اتَّفَقُوا على أَنَّه يجُوز بعد الشُّرُوع فى الحَجِّ إلى يوم النَّحْرِ ، وثبت أنَّهُ لا يجوز يوم النحر ولا أيّام التَّشريق لقوله عليه السَّلام : " لا تَصُوْمُوْا فى هَذِهِ الأَيَّامِ{[2910]} " ، والمستحبُّ أنْ يَصُومَ فى أيّام الحج حيثُ يكُونُ يوم عرفة مفطراً .

وقال بعضهم : يصوم ثَلاَثة أيّام آخرها يومُ عرَفَةَ والثَّامِن ، والتَّاسع ، ولو صَامَ ثَلاَثَة أيَّامٍ آخرها يومُ التَّرْوِية ، ويكُونُ قد أحرمَ بالحجِّ قبله جاز ، ولا يجُوزُ يوم النحر ، ولا أيام التَّشْريق . وهو قول مالكٍ والأوزاعيّ ، وأحمد ، وإسحاق .

فصل

اختلفوا فيمن اعْتَمرَ فى أشهر الحَجِّ ، ثُمَّ رجع إلى بَلَدِهِ ، ثمَّ رجَعَ في عامه فقال الجمهورُ : ليس بمتمتع ، ولا هدي عليه ، ولا صِيَام . وقال الحسن : هو مُتَمَتِّعٌ .

وأجمعوا على أَنَّ الآفاقي إذا قدم معتمراً فى أشهر الحج عازِماً على الإقامة ، ثم أنشأ الحج من عامه فحج ، أنّه متمتع عليه ما على المُتَمَتِّع .

قوله : " وَسَبْعَةٍ " الجمهورُ على جَرِّ " سَبْعَةٍ " عطفاً على ثلاثة . وقرأ{[2911]} زيدُ بنُ عَليٍّ ، وابن أبي عَبْلَة : " وَسَبْعَةً " بالنَّصب . وفيها تخريجان :

أحدهما : قاله الزَّمخشَرِيُّ ، وهو : أن يكُونَ عطفاً على مَحَلِّ " ثَلاَثَة " كأنه قيل : فصيامُ ثلاثةٍ ، كقوله : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [ البلد : 14 ، 15 ] ، يعني : أنَّ المُضاف إليه المصدرُ مَنْصُوب معنى بدليلِ ظُهُورِ النَّصب فى " يَتيماً " .

والثاني : أنْ يَنْتَصِبَ بفعلٍ محذوفٍ تقديرُه : " فَلْيَصُومُوا " ، قال أبو حيان " وهذا مُتَعَيِّنٌ ؛ لأنَّ العَطْفَ على المَوضع يُشْتَرَطُ فيه وجُودُ المُحْرِزِ " يعني : على مذهب سيبويه .

قوله : " إِذَا رَجَعْتُمْ " : مَنْصُوبٌ بِصيام أيضاً ، وهي هُنَا لِمَحضِ الظَّرفِ ، وليس فيها مَعْنَى الشَّرْط . لا يُقَالُ : يَلْزَمُ أن يَعْمَلَ عامِلٌ واحدٌ فى ظَرْفَي زَمان ، لأنَّ ذلك جائزٌ مع العطف والبَدلِ ، وهنا يكُونُ عَطَفَ شيئين على شيئين ، فَعَطَفَ " سَبْعَةٍ " على " ثَلاَثَةٍ " ، وعطف " إذ رَجَعْتُم " على " فِي الحَجّ " .

وفي قوله : " رَجَعْتُمْ " شيئان :

أحدهما التفاتٌ ، والآخَرُ الحَمْلُ على المعنى ، أمَّا الالتفاتُ : فإنَّ قبله { فَمَنْ تَمَتَّعَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ } ، فجاء بضمير الغَيْبَة عائداً على " مَنْ " ، فلو سيق هذا على نَظْمِ الأَوَّل لقيل : " إِذَا رَجَعَ " بضمير الغَيْبَةِ . وأمَّا الحَمْلُ فلأَنَّهُ أتى بضمير جمعٍ ؛ اعتباراً بمعنى " منْ " ، ولو رَاعى اللَّفظ لأفردَ ، فقال : " رَجَعَ " .

فصل

اختلفوا فى المراد من الرُّجوع ، فقيل : هو الرُّجوع إلى الأهلِ والوَطَنِ وقال أبو حينفة المرادُ من الرُّجوع : هو الفراغُ من أعمال الحَجّ ، والأخذ فى الرُّجوع ، ويتفرّعُ عليه أنَّهُ لو صام السَّبْعَةَ بعدَ الفراغ من الحَجِّ ، وقبل الوصول إلى بيته ، لا تُجزيه على الأوَّل . وعن أبى حنيفة : تجزيه .

حجّةُ الأَوَّل : أَنَّهُ تعالى جعل الرُّجُوعَ إلى الوَطَنِ شَرْطاً ، وما لم يُوجَدِ الشَّرْطُ لم يوجد المَشْرُوط ، ويُؤَكِّدُ ذلك أَنَّه لو ماتَ قَبْلَ وصُوله إلى الوَطَنِ ، لم يلزمه شيءٌ . وروَى ابنُ عبَّاس - رضي الله عنهما - قال : " لَمّا قَدِمْنَا مَكَّةَ المشرفة قال النَّبيُّ - عليه السَّلام - اجْعَلُوا إِهْلاَلَكم بِالحَجِّ عُمْرَةً إِلاَّ مَنْ قَلَّدَ الهَدْي . فطُفْنَا بالبَيْتِ ، وبالصَّفَا ، والمروة ، وأَتَيْنَا النِّسَاءَ ، ولبسنا الثِّيَابَ ، ثُمّ أمرنا عشية التَّرْوية أنْ نُهِلّ بالحجّ فإذا فرغنا قال - عليه الصَّلاة والسَّلام - عَلَيْكُمْ الْهَديَ ، فإِنْ لَمْ تَجِدُوا ؛ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فى الحَجِّ ، وسَبْعَة إِذَا رَجَعْتُم إِلَى أَمْصَارِكُمْ " {[2912]} ، وأيضاً فإنَّ الله - تعالى - أسقطَ صَوْمَ رَمَضَانَ عَن المُسَافِرِ ، فصوم التَّمَتُّع أخفّ شأناً منه .

وقوله : " تِلْكَ عَشَرَةٌ " مبتدأ وخبرٌ ، والمشار إليه هي السَّبعة والثَّلاثة ، ومُمَيِّزُ السَّبعة والعشرة محذوف للعلم به . وقد أثبت تاء التأنيث فى العدد مع حذف التَّمييز ، وهو أحسن الاستعمالين ، ويجوز إسقاط التَّاء حينئذٍ ، وفي الحديث : " وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ{[2913]} " ، وحكى الكسائيُّ : " صُمْنَا من الشَّهْرِ خَمْساً " .

وفي قوله : " تِلْكَ عَشَرَةٌ " - مع أنَّ المعلوم أنَّ الثَّلاثة والسَّبعة عشرة - أقوال كثيرة لأهل المعاني ، منها قول ابن عرفة : " إن العَرَبَ إذا ذكرت عددين ، فمذهبهم أن يُجْمِلُوهُمَا " ، وحسَّن هذا القول الزَّمخشري بأن قال : " فائدةُ الفَذْلَكَةِ فى كُلِّ حساب : أن يُعْلَمَ العَدَدُ جُمْلَةً كما يُعْلَمُ تَفْصِيلاً ، لِيُحْتَاط به من جِهَتَيْنِ ، فيتأكَّد العِلمُ " ، وفي أمثالهم " عَلَمَانِ خَيْرٌ مِنْ عَلَمِ " . قال ابن عرفة : " وإنما تَفْعَلُ العَرَبُ ذلك ؛ لأنَّها قليلةُ المَعْرِفَةِ بِالحِسَابِ " ، وقد جاء : " لا نَحْسُب ، وَلاَ نَكْتُب " ، وورد ذلك في أشعارهم ، قال النَّابغة : [ الطويل ]

983 - تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا *** لِسِتَّةِ أَيَّامٍ وَذَا الْعَامُ سَابِعُ{[2914]}

وقال الفرزدق : [ الوافر ]

984 - ثَلاَثٌ واثْنَتَانِ فَهُنَّ خَمْسٌ *** وَسَادِسَةٌ تَمِيلُ إِلَى شَمَامِ{[2915]}

وقال الأعشى : [ الوافر ]

985 - ثَلاَثٌ بِالْغَدَاةِ فَهُنَّ حَسْبِي *** وَسِتٌّ حِينَ يُدْرِكُنِي العِشَاءُ

فَذَلِكَ تِسْعَةٌ فِي الْيَوْمِ رِيِّي *** وَشُرْبُ الْمَرْءِ فَوْقَ الرِّيِّ دَاءُ{[2916]}

وقال آخرك [ الوافر ]

986 - فَسِرْتُ إِلَيْهِمُ عِشْرِينَ شَهْراً *** وَأَرْبَعَةً فَذَلِكَ حِجَّتَانِ{[2917]}

وقال عليه السَّلام : " الشهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وهَكَذَا " ، ثمَّ أَشَارَ بِيَديه ثَلاَثاً ، وأمسك إبهامه فى الثالثة ، منبهاً بالإشارة الأولى على الثلاثين ، وبالأخرى على تسعة وعشرين{[2918]} .

ومنها قال المبرد : " فتلك عشَرَةٌ : ثلاثةٌ فى الحَجّ وسبعةٌ إذا رَجَعْتُمْ فَقَدَّمَ وأخَّر " ، ومنها قال ابن الباذش : جيء بعشرة توطئةً للخبرِ بعدها ، لا أنَّها هي الخَبَرُ المستقلُّ بفائدةِ الإسناد كما تقول : زيدٌ رَجُلٌ صَالِحٌ " يعني أن المقصود الإخبار بالصَّلاح ، وجيء برجلٍ توطئةً ، إذ معلومٌ أنه رجلٌ . ومنها قال الزَّجاج{[2919]} : " جَمَعَ العدَدَيْنِ لجوازِ أن يُظَنَّ أنَّ عليه ثَلاَثَةً أو سبعةً " ؛ لأنَّ الواو قد تقوم مقام أو ، ومنه : { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } [ النساء : 3 ] فأزال احتمال التَّخيير ، وهذا إنَّما يتمشَّى عند الكوفيِّين ؛ فإنَّهم يقيمون الواو مقام أو . وقال الزمخشريُّ : " الواو قد تجيءُ للإباحة فى قولك : " جَالِسِ الحَسَنَ وابْنَ سِيرينَ " ألا ترى أنَّه لو جالسهما معاً ، أو أحدهما كان ممتثلاً فجمع نفياً لتوهُّمِ الإبَاحَة " قال أبو حيان : " وفيه نَظَرٌ ، لأنَّهُ لا تُتَوَهَّمُ الإِبَاحَة ؛ فإنَّ السِّيَاقَ سياقُ إيجَاب ، فهو يُنَافِي الإبَاحَةَ ، ولا يُنَافي التَّخْيِيرَ ، فإنَّ التَّخيِيرَ يَكُونُ فى الوَاجِبَاتِ ، وقد ذكر النَّحْوِيُّونَ الفَرْقَ بينَ التَّخْيِير ، والإباحَةِ " .

وقد ذكر ابن الخطيب{[2920]} قول الزَّمخشري هذا المتقدّم ، وذكر وجوهاً أخُر :

منها : أن المعتاد أن يكون البدل أضعف حالاً من المبدّل ، فبيَّن الله تعالى أنَّ هذا البدل ليس كذلك ، بل هو كامل فى كونه قائماً مقام المبدّل ، فيكون الصائم ساكن النَّفس إلى حصول الأجر الكامل من عند الله ، وذكر العشرة ليتوصل به إلى قوله " كَامِلَة " ؛ لأنَّه لو قال : " تِلْكَ كَامِلَةٌ " ؛ لجاز أن يراد به الثَّلاثة المفردة عن السَّبعة والسّبعة المفردة عن الثَّلاثة ، فلا بدّ من ذكر العشرة .

وقوله : " كَامِلَةٌ " يحتمل بيان الكمال من ثلاثة أوجهٍ : إمَّا أن تكون كاملة فى البدل عن الهدي قائمة مقامه لا تنقص عنه ، أو أنَّ ثوابها مثل ثواب القادر على الهدي ، أو أنّ حجّ المتمتع الصّائم كاملاً كحج من لم يتمتَّع .

ومنها أنّ الله تبارك وتعالى لو قال أوجب عليكم صيام عشرة أيّام ، لم يبعد أن يكون دليل يقتضي خروج بعض هذه الأيّام ، فإنّ تخصيص العام كثير في الشَّرع ، فلما قال " تِلْكَ عشرة " كانَ ذلك تنصيصاً على أنَّ المخصص لم يوجد البتَّة ، فيكون أقوى دلالة ، وأبعد من احتمال التَّخصيص والنَّسخ .

ومنها أنَّ التَّوكيد طريقة مشهورة فى كلام العرب كقوله { وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [ الحج : 46 ] ، وقوله : { وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } [ الأنعام : 38 ] وفائدة التوكيد أنَّ الكلام المعبَّر عنه بالعبارات الكثيرة الشّريفة وبالصِّفات الكثيرة ، أبعد عن السَّهو والنّسيان من الكلام المعبَّر عنه بعبارة واحدة ، وكونه معبراً عنه بعبارات كثيرة يدلُّ على كونه مشتملاً على مصالح عظيمة ، لا يجوز الإخلال بها ، فإذا كان التّوكيد مشتملاً على هذه الحكمة كان ذكره هنا دالاًّ على رعاية هذا العدد في هذا الصَّوم ، فإنَّه من المهمّات التي لا يجوز إهمالها ألبتَّة .

ومنها أنَّ هذا الكلام يزيل الإبهام الذي في تصحيف الخطّ ، فإنَّ سبعة ، وتسعة متشابهان فى الخطِّ ، فلمَّا قال بعده : " تِلْكَ عِشَرَةٌ كَامِلَةٌ " ؛ أزال هذا الاشتباه .

ومنها : أنَّ قوله { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } يحتمل أن يكون المراد ، أن يكون الواجب بعد الرُّجوع أن يكمل صيام سبعة أيّام ، على أنَّه يحسب الثَّلاثة المتقدِّمة منها ، ويكمل عليها أربعةً ، فلما قال " تِلْكَ عَشَرَة كَامِلَةٌ " ؛ أزال هذا الاشتباه .

ومنها أن قوله { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } يحتمل أن يكون المراد : أن يكون الواجب بعد الرُّجوع أن يكمل صيام سبعة أيّام ، على أنَّه يحسب الثَّلاثة المتقدِّمة منها ، ويكمل عليها أربعةً ، فلما قال " تِلْكَ عَشَرَة " ؛ أزال هذا الاحتمال .

ومنها : أن هذا خبر ، ومعناه الأمر ، أي : تلك عشرة فأكملوها ولا تنقصوها .

ومنها : أنَّه تعالى لما أمر بصيام ثلاثة أيَّام فى الحجِّ وسبعة بعد الرُّجوع ، فليس فيه بيان أنَّه طاعةٌ عظيمة كاملة ، فلمَّا قال بعده : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } دلَّ ذلك على أنَّ هذه الطَّاعة فى غاية الكمال ؛ وذلك لأنَّ الصَّوم مضافٌ إلى الله تعالى بلام الاختصاص كما قال : " الصَّوْمُ لي " ، والحجُّ أيضاً مضاف إلى الله تعالى بلام الاختصاص كما قال { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ للَّهِ } ، فَكَمَا دَلَّ النَّصُّ على مَزِيدِ اختصاص هاتين العبادتين بالله - سبحانه وتعالى - ، فالفعل دلَّ أيضاً على ذلك .

أمّا فى الصَّوم فلأنَّه عبادة لا يطّلع العقل على وجه الحكمة فيها ألبتَّة ، وهو مع ذلك شاقٌّ على النَّفس جدّاً ، فلا جرم لا يؤتى به إلاَّ لمحض مرضاة الله - تعالى - ثمَّ إنَّ صوم هذه تعني الانقياد له .

وكذا الحجّ عبادة لا يطَّلع العقل على وجه الحكمة فيها ألبتَّة ، وهو مع ذلك شاقٌ جداً ؛ لأنَّه يوجب مفارقة الأهل ، والولد والتَّباعد عن أكثر اللَّذَّات ، فلا جرم لا يؤتى به إلاّ لمحض مرضاة الله تعالى ، ثمَّ إنَّ صوم هذه الأيّام العشرة بعضه واقعٌ في زمن الحج ، فيكون جمعاً بين شيئين شاقَّين جدّاً ، وبعضه واقعٌ بعد الفراغ من الحجِّ ، وهو انتقالٌ من شاقٍّ إلى شاقٍّ ، ومعلوم أنَّ ذلك سبب لكثرة الثَّواب ، وعلوِّ الدَّرجة ، فلا جرم لمَّا أوجب الله - تعالى - صيام هذه الأيَّام العشرة ، شهد سبحانه على أنَّها عبادة كاملة فى غاية الكمال والعلوّ ، فقال تعالى : { تِلْكَ عَشَرةٌ كَامِلَةٌ } ، أي : وإنها كاملة .

قوله : " ذَلِكَ لِمَنْ " " ذَلِكَ " مبتدأ ، والجارُّ بعده الخبر . وفي اللاَّم قولان :

أحدهما : أنَّها على بابها ، أي : ذلك لازمٌ لمن .

والثاني : أنها بمعنى على ، كقوله : { أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ } [ الرعد : 25 ] ، وقال عليه السَّلام : " اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلاَءَ{[2921]} " ، أي : عليهم ، وقوله تعالى : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] أي : فعليها ، وذلك إشارة إلى التَّمتُّع ، والقران للغريب [ ولا حاجة إلى هذا . و " مَنْ " يجوز أن تكون موصولة ، وموصوفة . و " حَاضِرِي " خبر " يكُن " ، وحذفت نونه للإضافة ] .

فصل

قوله : " ذلك " إشارة إلى أمرٍ تقدَّم ، وأقرب الأمور المذكورة ، ذكر ما يلزم المتمتع من الهدي وبدله .

وقال بعض العلماء{[2922]} : لزوم الهدي وبدله للمتمتّع مشروطٌ بألاّ يكون من حاضري المسجد الحرام ، فإن كان من أهل الحرم ، فلا يلزمه هدي المتمتّع ، وإنَّما لزم الآفاقي ؛ لأنه كان يجب عيله أن يحرم بالحجِّ من الميقات ، فلمّا أحرم بالعمرة من الميقات ، ثم أحرم بالحجِّ من غير الميقات ، فقد حصل هناك خللٌ ، فجبر بالدَّم ، بدليل أنّه لو رجع ، فأحرم بالحجِّ أيضاً من الميقات ؛ لما يلزمه دمٌ ، والمكيُّ ميقاته موضعه ، فلا يقع فى حجِّه خللٌ من جهة الإحرام ، فلا هدي عليه .

وقال أبو حنيفة - رضي الله عنه - : قوله " ذَلِكَ " إشارةٌ إلى الأبعد وهو ذكر التّمتع ، وعنده لا متعة ولا قران لحاضري المسجد الحرام ، ومن تمتع أو قرن ، كان عليه دم جنايةٍ لا يأكل منه .

حجَّة القول الأوَّل وجوه :

أحدها : قوله تعالى { فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ } عامٌّ يدخل فيه الحرمي ، وغيره .

وثانيهما : أنَّ الإشارة يجب عودها إلى أقرب مذكور ، وهو وجوب الهدي ، فإذا خصَّ وجوب الهدي بالمتمتع الآفاقي ؛ لزم القطع بأن غير الآفاقي قد يكون أيضاً متمتعاً .

وثالثها : أنَّ الله تعالى شرع القران والمتعة تبييناً لنسخ ما كان عليه أهل الجاهلية في تحريمهم العمرة في أشهر الحجِّ ، والنسخ ثبت فى حقّ النَّاس كافَّةً .

حجَّة أبي حنيفة : أنَّ قوله : " ذَلِكَ " كنايةٌ ؛ فوجب عودها إلى كلِّ ما تقدم ، لأنَّه ليس البعض أولى من البعض .

والجواب أنَّ عوده إلى الأقرب أولى ، لأنَّ القرب سببٌ للرُّجحان ، ومذهبكم أن الاستثناء المذكور عقيب الجمل مختصٌّ بالجملة الأخيرة{[2923]} ، وإنَّما تميزت تلك الجملة عن سائر الجمل بسبب القرب ، فكذا ها هنا .

فصل

اختلفوا فى حاضري المسجد الحرام ، فذهب قوم إلى أنَّهم أهل مكَّة ، وهو قول مالك - رحمه الله{[2924]} - .

وقال ابن جريج{[2925]} : أهل عرفة والرجيع وضجنان .

وقال الشَّافعيُّ - رحمه الله - : كلُّ من كان وطنه من مكَّة على أقلّ من مسافة القصر ، فهو من حاضري المسجد الحرام{[2926]} .

وقال عكرمة : من كان دون الميقات{[2927]} .

وقيل هم أهل الميقات فما دونه ، وهو قول أصحاب الرَّأي{[2928]} .

وقال طاوسٌ : الحرم كلُّه{[2929]} ، وهو قول الشَّافعيِّ ، وأحمد لقوله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى } [ الإسراء : 1 ] وإنما أسرى به من الحرم من بيت أمِّ هانئ لا من المسجد ، وقال { ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ الحج : 33 ] ، والمراد الحرم ؛ لأن الدماء لا تراق في البيت ، والمسجد الحرام إنَّما وصف بهذا ؛ لأن أصل الحرام المنع ، والمحرم : ممنوعٌ من المكاسب ، والمسجد الحرام ممنوعٌ أن يفعل فيه ما منع من فعله .

قال الفرَّاء{[2930]} : يقال حرامٌ ، وحرمٌ مثل : زمانٍ وزمنٍ ، وذكر حضور الأهل ، والمراد حضور المحرم ، لا حضور الأهل ، لأنَّ الغالب على الرَّجل أنّه يسكن حيث أهله ساكنون فلو خرج المكيٌّ إلى الآفاق ، وأهله بمكَّة ، ثمَّ عاد متمتعاً ؛ لزمه هدي التمتع ، ولا أثر لحضور أهله في المسجد الحرام .

وقيل المراد بقوله : { لمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ } ، أي يكون أهلاً لهذه العبادة .

فصل

ودم القرآن كدم التَّمتُّع ، فالمكيُّ إذا قرن ، أو تمتع ، فلا هدي عليه .

قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قوله : يريد فيما فرضه عليكم{[2931]} ، { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } لمن تهاون بحدوده .

وقال أبو مسلمٍ{[2932]} : العقاب والمعاقبة سيَّان ، وهو مجازاة المسيء على إساءته ، وهو مشتقٌّ من العاقبة ، كأنّه يراد عاقبة فعل المسيء ، كقول القائل : لتذوقن ما ذوّقت ، و " شَدِيدُ العِقَابِ " من باب إضافة الصِّفة المشبَّهة إلى مرفوعها ، وقد تقدَّم أنَّ الإضافة لا تكون إلا من نصب ، والنَّصب والإضافة أبلغ من الرَّفع ؛ لأنَّ فيها إسناد الصِّفة للموصوف ، ثم ذكر من هي له حقيقة ، والرَّفع إنَّما فيه إسنادها ، دون إسناد إلى موصوف لمن هي له حقيقة .


[2836]:- انظر: السبعة 178، الحجة 2/ 278.
[2837]:- انظر: البحر المحيط 2/80.
[2838]:- انظر: البحر المحيط 2/80.
[2839]:- انظر: البحر المحيط 2/80، والدر المصون 1/484.
[2840]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/7 عن ابن عباس.
[2841]:-ينظر: تفسير البغوي 1/ 165.
[2842]:- ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/376) وعزاه لابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا. وانظر "كنز العمال" رقم (11907).
[2843]:- أخرجه البيهقي (4/341) والطبري في "تفسيره" (4/8) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/376) وزاد نسبته لوكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه عن علي بن أبي طالب موقوفا.
[2844]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/9 عن قتادة.
[2845]:- ينظر: تفسير البغوي 1/165.
[2846]:- في ب: نحج.
[2847]:- ينظر: تفسير البغوي 1/166.
[2848]:- ينظر: تفسير البغوي 1/166.
[2849]:- ينظر: تفسير البغوي 1/166.
[2850]:- ولا يجب إتمام المندوب بالشروع فيه، فلا يجب قضاؤه على من تركه بعد شروعه فيه، إلا الحج والعمرة المندوبان، خلافا لأبي حنيفة؛ الذي يرى وجوب إتمامه بحيث لو تركه بعد الشروع فيه، وجب عليه قضاؤه. استدل الأولون بما يأتي: ترك إتمام المندوب المبطل لما فعل منه ترك له، وتركه جائز، فترك إتمام المندوب المبطل لما فعل منه جائز؛ وهو المطلوب. أما الصغرى فمسلمة. وأما الكبرى: فلأن النبي –صلى الله عليه وسلم- وكل أمر المتلبس بصوم التطوع إلى نفسه، وخيّره بين الإتمام والإفطار؛ بقوله- صلى الله عليه وسلم- "الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر"؛ لأن حمل الصائم في كلامه على المتلبس بالصوم- وإن ترتب عليه مجاز في قوله: (صام) أي: دام على صيامه، إلا أنه مجاز واحد- أولى من حمله على مريد الصوم؛ لما يلزم عليه من مجازين: أحدهما في الصائم، وثانيهما في من أفطر، ولا شك أن الحمل على معنى يكون التجوز فيه قليلا أولى من الحمل على معنى يكون التجوز فيه أكثر؛ لأن قليل المجاز يكون أقرب إلى الأصل، وهو الحقيقة، بخلاف كثيره؛ لبعده عنه، ويقاس على الصوم باقي المندوبات، عدا الحج والعمرة، فلا يتناولهما حكم الآية في قوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} جمعا بين الأدلة. وإنما وجب إتمام الحج والعمرة المندوبين على من شرع فيهما؛ لتميزهما عن غيرهما من باقي المندوبات؛ بمشابهتهما لفرضهما في أن نية نفلهما لا تختلف عن نية فرضهما؛ إذ هي في كل منهما قصد التلبس؛ بالحج والعمرة، وأن الكفارة تجب في كل منهما بالجماع المفسد لهما، وأنه لا يحصل الخروج منهما بفسادهما، بل يجب المضي فيهما بعد الفساد؛ لأن الإحرام شديد التعلق، فلا يتأثر بفساده، بخلاف غيرها من سائر النوافل، فليس فرضها ونقلها سواء فيما تقدم؛ إذ النية في النفل غيرها في الفرض، والكفارة تجب في فرض الصوم دون نفله، وبفسادها يحصل الخروج منها مطلقا، ففارق الحج والعمرة المندوبان غيرهما من النوافل، وألحقا بما هما أكثر شبها به وهو فرض الحج والعمرة، فوجب إتمامهما كما وجب إتمام فرضهما. واستدل أبو حنيفة بقوله تعالى: {ولا تبطلوا أعمالكم} فقد نهى الله-سبحانه وتعالى- عن إبطال الأعمال بعد الشروع فيها، وهي عامة تتناول كل الأعمال، سواء المفروض منها والمندوب. ويجاب عن ذلك: بأن الآية وإن كانت عامة، إلا أنها خصصت بحديث الصيام السابق، وقيس على الصيام غيره من سائر النوافل، فتكون خارجة عن حكم الآية، وإن كانت متناولة لها من حيث اللفظ؛ جمعا بين الأدلة.
[2851]:-تقدم.
[2852]:- أخرجه مسلم كتاب الإيمان باب الإيمان والإسلام والإحسان وأبو داود كتاب السنة باب: في القدر قم (4695) والترمذي كتاب الإيمان باب: ما جاء في وصف جبريل للنبي الإسلام والإيمان (2610) والنسائي (8/97) وابن ماجه (63) وابن حبان (168) وأحمد (1/52، 53) وابن أبي شيبة (11/44-45) رقم (10378) وابن خزيمة (1/3) رقم (1) وابن منده في "الإيمان" رقم (11، 13). والحديث ذكره الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 597) وقال: وروى ابن خزيمة وغيره من حديث عمر سؤال جبريل عن الإيمان والإسلام فوقع فيه (وأن تحج وتعتمر) وإسناده قد أخرجه مسلم لكن لم يسق لفظه.
[2853]:- الظعنة: السفرة القصيرة. ينظر: المعجم الوسيط 2/582، والظاعن: المسافر؛ ينظر تحرير التنبيه (258) .
[2854]:- أخرجه الترمذي (3/ 270) رقم (930) والنسائي (5/111، 317، 8/229) وابن ماجه رقم (2904، 2906، 2907) وأحمد (1/244، 4/10، 11، 6/ 429) والحاكم (1/481) وابن الجارود في "المنتقى" (500) والدارمي (2/41) والبيهقي (4/ 329) والطبراني في "الكبير" (1/231، 4/ 31، 18/296) وفي الصغير (2/18) وابن حبان (961) وابن عبد البر في "التمهيد" (1/387، 389) والطحاوي في "المشكل" (3/219) والدارقطني (2/ 283) وابن خزيمة (3035) والخطيب (5/ 264). وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[2855]:- أخرجه الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (1/471) عن زيد بن ثابت مرفوعا. وقال الحاكم: والصحيح عن زيد بن ثابت قوله ووافقه الذهبي.
[2856]:- أخرجه ابن ماجه (2/968) رقم (2901) وأحمد (6/165) وابن خزيمة (3074). والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/379) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن أبي داود في المصاحف. وقد أخرجه البخاري (1/ 402) باب جهاد النساء وليس فيه ذكر العمرة.
[2857]:-أخرجه الحاكم (1/471) كتاب المناسك وذكره السيوطي في "الدر المنثور" وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد الرزاق وعبد بن حميد. وقال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[2858]:-أخرجه البخاري (1/19-20، 472)، (2/ 161)، (4/339) ومسلم (1/310-32) وأبو عوانة في "صحيحه" (1/310-311) ومالك في "الموطأ" (1/175) رقم 94. وأبو داود (391) والنسائي (1/79) وأحمد (1/162) والبيهقي (2/466) بلفظ: (أفلح وأبيه إن صدق). وأخرجه النسائي: (1/288)، (8/119) والبيهقي (1/ 361، 2/ 467) بلفظ أفلح إن صدق. وأخرجه النسائي: (4/121) والدارقطني ص 85 بلفظ إن صدق ليدخلن الجنة.
[2859]:- تقدم.
[2860]:- أخرجه أحمد (5/ 251، 262) وابن أبي عاصم في "السنة" (2/505). وانظر: إتحاف السادة المتقين (4/ 187).
[2861]:-أخرجه الترمذي (3/ 270) كتاب الحج باب: ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا (931) والدارقطني (2/ 285) والبيهقي (4/349) والخطيب في "تاريخ بغداد" (8/33) من طريق محمد بن المنكدر عن جابر والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/378) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وعبد بن حميد. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو قول بعض أهل العلم. قالوا: العمرة ليست واجبة.
[2862]:- أخرجه ابن ماجه (2/995) رقم (2989) والبيهقي (11/ 442) والطبراني في "الكبير" (11/442) والشافعي في "مسنده" (112) والطبري (2/123) قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (3/24): هذا إسناد ضعيف عمر بن قيس المعروف بسندل ضعفه أحمد وابن معين والفلاس وأبو زرعة وأبو حاتم والبخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم والحسن الراوي عنه ضعيف. والحديث ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/286) رقم (850) وقال: قال أبي: هذا حديث باطل.
[2863]:- ينظر تفسير الفخر الرازي 5/124.
[2864]:قال الأزهري: قال أهل اللغة: يقال لمن منعه خوف أو مرض من التصرف: أُحصِر؛ فهو مُحصَر، ولمن حُبس: حُصر؛ فهو محصور. وقال الفراء: يجوز أُحصر وحُصر في النوعين. وقال الأزهري: والأول هو كلام العرب، وعليه أهل اللغة. وقال الجوهري: قال ابن السّكيت: أحصره المرض: إذا منعه السفر أو حاجة، وحصره العدو: إذا ضيقوا عليه، وقال الأخفش: حصرت الرجل، وأحصرني مرضي. وقال أبو عمرو الشيباني: حصرني الشيء، وأحصرني: حبسني. وقال الواحدي: قال الزجاج: الرواية عن أهل اللغة لمن منعه خوف أو مرض: أحصر؛ وللمحبوس: حُصر. قال: وقال الزجاج في موضع آخر وثعلب: أُحصر وحُصر لغتان. تحرير التنبيه ص 182، وتهذيب اللغة 4/ 235.
[2865]:- عجز بيت وصدره: ومقامه غلب الرقاب كأنهم. ينظر: ديوانه (290)، البحر 2/68، الدر المصون (1/485).
[2866]:- ينظر: معاني القرآن 1/118.
[2867]:- ينظر: معاني القرآن 1/256.
[2868]:- إسحاق بن مرار أبو عمرو الشيباني الكوفي قال الأزهري وكان يعرف بأبي عمرو الأحمر وليس من شيبان، بل أدب أولادا منهم فنسب إليهم توفي سنة 256هـ. ينظر: البغية 1/ 439-440.
[2869]:- البيت لابن ميادة، ينظر : الكشاف 1/239، اللسان (حصر)، الدر المصون: 1/484.
[2870]:-ينظر تفسير الفخر الرازي 5/ 124.
[2871]:- البيت في ديوانه (578)، ينظر: البحر (2/68) اللسان: حصر، الدر المصون (1/485).
[2872]:-أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/21-22)
[2873]:- القياس الجلي: هو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الأصل والفرع؛ مثل قياس الأمة على العبد؛ فإن الفارق بينهما هو الذكورة والأنوثة، ونحن نقطع بأنّ الشارع لم يفرّق في أحكام العتق بين الذكر والأنثى. ومثل قياس الضرب على التأفيف، فالقياس الجليّ يشمل القياس المساوي، والقياس الأولويّ. ينظر: أصول الفقه لزهير أبو النور 4/45، الإحكام للآمدي 4/3، المحصول (2/2/173)، إرشاد الفحول (222) جمع الجوامع2/338، فواتح الرحموت 2/320.
[2874]:- أخرجه الترمذي (3/ 277) كتاب الحج باب ما جاء في الذي يهل بالحج فيكسر أو يعرج (940) وأبو داود كتاب المناسك باب الاحصار (1862، 1863) وابن ماجه كتاب المناسك باب المحصر رقم (3077) والنسائي (5/199) وأحمد (3/ 450) والبيهقي (5/ 220) والحاكم (1/ 483) والدارقطني (2/278) والدارمي (2/61) والطبراني (3/253) وابن سعد (4/2/47) والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/251، 252) وأبو نعيم في "الحلية" (1/358). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
[2875]:- ينظر: تفسير البغوي 1/168.
[2876]:- أخرجه البخاري (7/ 12) كتاب النكاح باب الأكفاء في الدين رقم (5089) ومسلم كتاب الحج (105، 108) والنسائي (5/ 168) وابن ماجه (2938) وأحمد (6/164، 202، 420) والبيهقي (7/ 137) والدارقطني (2/219) وابن حبان (973) وابن خزيمة (2602) والشافعي في "مسنده" (123، 389) وابن الجارود في "المنتقى" (420) والطبراني في "الكبير" (11/363).
[2877]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/251.
[2878]:- في ب: فههنا.
[2879]:- في ب: خصوص.
[2880]:- في ب: تارة لا يخفف به.
[2881]:- سقط في ب.
[2882]:- ينظر: معاني القرآن 1/ 162.
[2883]:- انظر: الشواذ 12، والمحرر الوجيز 1/267، ونسبها أيضا إلى الأعرج وأبي حيوة-قال: ورويت عن عاصم. وانظر: البحر المحيط 2/82، والدر المصون 1/485.
[2884]:-ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/126.
[2885]:- البيت للفرزدق. ينظر: ديوانه (100)، اللسان (قلد)، القرطبي 2/252، الرازي 5/126.
[2886]:-ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/126.
[2887]:- ينظر: تفسير البغوي 1/169.
[2888]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/250.
[2889]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/127.
[2890]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/127.
[2891]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/127.
[2892]:- سقط في ب.
[2893]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" 4/ 57، عن قتادة وعطاء ومجاهد وابن عباس بمعناه.
[2894]:- انظر: الشواذ 12، والمحرر الوجيز 1/268، البحر المحيط 2/84، الدر المصون 1/487.
[2895]:-أخرجه البخاري (5/ 271) كتاب المغازي باب غزوة الحديبية رقم (4191) ومسلم (4/20-21) ومالك (1/417) رقم (237، 238) والشافعي في "مسنده" رقم (1015، 1018، 1019) وأبو داود رقم (1856، 1857، 1860، 1861) والنسائي (2/28) والترمذي (2/161) وابن الجارود في "المنتقى" (450) والدارقطني رقم (288) والبيهقي (5/55، 169، 185، 187، 242) والطيالسي في "مسنده" (1065) وأحمد (4/ 241، 242، 243) من طرق عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجزة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه البخاري (1/454) ومسلم (4/20-21) والترمذي (2/161) وابن ماجه (3079) والبيهقي (5/55) والطيالسي 1062) وأحمد (4/242) عن عبد الله بن معقل عن كعب. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[2896]:- أخرجه أبو داود (1858) والبيهقي (5/185) والدارقطني رقم (288) عن كعب بن عجرة.
[2897]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/130.
[2898]:- ينظر: تفسير البغوي 1/170.
[2899]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (4/88) عن عبد الله بن الزبير وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/387) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر.
[2900]:-ينظر: تفسير البغوي 1/170.
[2901]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/130.
[2902]:- أخرجه ابن ماجه (3984) والنسائي (2808) وأحمد (3/469) والحاكم (3/517) والدارمي (2/50) والطبراني في "الكبير" (1/357) وابن عبد البر في "التمهيد" (8/ 357).
[2903]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/258.
[2904]:-ولد التمتع شروط أربعة: 1- أن تقع عمرة المتمتع في أشهر الحج، فإذا أحرم- بالعمرة قبل أشهر الحج- سواء أتمها قبل دخول أشهر الحج أو أتمها فيها- فلا يجب عليه الدم؛ لأنه لم يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، فأشبه المفرد. 2- أن يحج من عامه، فإذا اعتمر في أشهر الحج، ثم حج في عام آخر، أو لم يحج أصلا- فلا دم عليه؛ لما روى البيهقي: "كان أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يعتمرون في أشهر الحجر، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك، لم يهدوا" 3- أن لا يعود المتمتع بعد فراغه من العمرة إلى الميقات الذي أحرم منه أولا، أو إلى ميقات آخر من مواقيت الحج؛ ليحرم منه بالحج، فإن عاد المتمتع إلى الميقات ليحرم منه بالحج، فلا دم عليه؛ لأنّ المقتضي للدم هو ربح الميقات، وقد انتفى بعودة المتمتع إليه. 4- ألا يكون المتمتع من حاضري المسجد الحرام؛ لقوله تعالى: {ذلك لمن يكن أهله حاضري المسجد الحرام} والمراد بحاضري المسجد الحرام: من بين مساكنهم والحرم أقل من مرحلتين، فإن كان المتمتع من أهل هذه الجهة، فلا يلزمه الدم؛ لقربه من الحرم، والقريب من الشيء يقال له: حاضره؛ قال تعالى: "واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر" أي: قريبة منه، والمعنى في ذلك: أنه لم يربح ميقاتا عاما لأهله ولمن مرّ به. ووقت وجوب الدم على المتمتع هو وقت إحرامه بالحج، لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج، ويجوز له أن يذبح بعد فراغه من العمرة وقبل الإحرام بالحج، لتقدم أحد سببيه، والأفضل ذبحه يوم النحر، ولا آخر لوقته كسائر دماء الجبر.
[2905]:- ينظر: تفسير القرطبي 2/260.
[2906]:- نهي عمر عن التمتع أخرجه مسلم (4/46) وأحمد (1/50) والبيهقي في "سننه" (5/20) عن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل: رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعد، حتى لقيه بعد فسأله فقال عمر: قد علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا مُعرِّسين بهن في الأرك ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم.
[2907]:-ينظر: تفسير القرطبي 2/ 261.
[2908]:- ينظر: الفخر الرازي 5/132.
[2909]:- انظر: البحر المحيط 2/86، الدر المصون: 1/487.
[2910]:- أخرجه أحمد (2/513، 535) والدارقطني (2/187) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/244) والطبراني في "الكبير" (3/173) والخطيب في "تاريخ بغداد" (14/ 278) وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (1/63) والطبري في "تفسيره (4/115). وأورده الهيثمي في "المجمع" (3/206) وقال: رواه الطبراني في "الكبير" وفيه ضرار بن صرد وهو ضعيف. وذكره المتقي الهندي في "كنز العمال" (24440) وعزاه لابن السكن وأبي نعيم عن ابن عباس.
[2911]:- انظر: المحرر الوجيز 1/ 270، والبحر المحيط 2/ 87، الدر المصون 1/487.
[2912]:- أخرجه البخاري (2/282) كتاب الحج باب: تفسير قول الله تعالى ذلك لمن يكن رقم (1572) والبيهقي في "سننه" (5/23) والحديث ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (1/388-389).
[2913]:- أخرجه مسلم (3/169) كتاب الصيام باب استحباب صوم ستة أيام من شوال رقم (204-1164) وأبو داود (2/324) رقم (2433) والترمذي (1/146) رقم (759) وابن ماجه (1/547) رقم (1716) والدارمي (2/21) وابن أبي شيبة (2/18) والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/117-119) والبيهقي (4/292) والطيالسي (594) وأحمد (5/417، 419) من طرق عن عمر بن ثابت الأنصاري عن أبي أيوب مرفوعا. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه (1715) والطحاوي (3/119، 120) وابن حبان (928) – موارد، والبيهقي (4/ 293) وأحمد (5/280) عن ثوبان مرفوعا وزاد من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها.
[2914]:- تقدم برقم 422.
[2915]:- البيت في ديوانه (835)، المشكل (243)، البحر 2/ 88، الموشح (114) مجمع البيان (1/291)، القرطبي (2/267)، اللسان: عشر، الدر المصون (1/488).
[2916]:-ينظر البيتان في: البحر (2/88)، القرطبي: 2/267، الدر المصون (1/488).
[2917]:-ينظر: اللسان (عشر)، الدر المصون (1/488).
[2918]:- أخرجه البخاري (4/151) كتاب الصوم: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لا تكتب ولا تحسب حديث (1913) ومسلم (2/761) كتاب الصيام: باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤية الهلال حديث (15/1080) من حديث ابن عمر.
[2919]:- ينظر: معاني القرآن 1/258.
[2920]:- ينظر: تفسير الرازي 5/133.
[2921]:- أخرجه أحمد (1/352) والدارقطني (2/ 219) والبيهقي (5/ 222) والطبراني في "الكبير" (11/ 363).
[2922]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/135.
[2923]:- اختلفوا في هذه المسألة: ومحل الخلاف في الظهور؛ وهو أن الاستثناء هل هو ظاهر في رجوعه إلى كل الجمل، ولا يحمل على الجملة الأخيرة إلا بدليل أو بالعكس؟ فذهب أكثر علماء الشافعية، والمالكية، والحنابلة إلى أنه ظاهر في رجوعه إلى الجميع، والعطف يصير المتعدد كالمفرد. وذهب علماء الحنفية إلى أنه ظاهر في رجوعه إلى ما يليه من الجمل، وهو مختص بالجملة الأخيرة خاصة، إلا أن يقوم الدليل على التعميم، واختاره المصنف هنا، وقال الأصفهاني في القواعد: إنه الأشبه، ونقله أبو الحسن البصري عن أهل الظاهر وذهب إمام الحرمين، والغزالي إلى التوقف، فيجوز أن يصرف إلى الأول، وإلى المتوسط، وإلى الأخير، ولكن في الحال توقف، والمنع لدليل، فإن قام دليل على انصرافه لأحدهما، صرنا إليه، وقال أبو الحسن بن فارس في كتاب "فقه اللغة": فإن دل الدليل على عوده إلى الجميع، عاد؛ كآية المحاربة، وإن دل على منع، امتنع؛ كآية القذف. وذهب المرتضى إلى أنه مشترك بينهما، فتوقف إلى ظهور القرينة. وقال أبو الحسين إن تبين استقلال الثانية عن الأولى بالإضراب، وذلك بأن يختلفا نوعا، أو اسما، أو حكما- فللأخيرة، وإلا فللجميع. وقالت الأشعرية: هو موقوف على الدليل. ومذهب آخر: وهو أن الجمل إن كانت كلها مسوقة لمقصود واحد، انصرف إلى الجميع، وإن سيقت لأغراض مختلفة، اختص بالأخيرة؛ حكاه ابن برهان في الأوسط عن القاضي عبد الجبار المعتزلي. والمذهب الأخير: أن الواو إن ظهرت للابتداء؛ كقوله: أكرم بني تميم والنحاة البصريين إلا البغاة اختص بالأخير، وإن ترددت بين العطف والابتداء، فالوقف؛ وهو مختار سيف الدين. ففي آية القذف في قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا} لم يعد الاستثناء إلى الأولى بالإجماع؛ لأن الجلد حق الآدمي لا يسقط بالتوبة إلا على رأي الشعبي، وهو مذهب شاذ وقول قديم، ويعود إلى الأخير بالاتفاق. وقال الشافعي: ويعود أيضا إلى الثانية، فتقبل شهادته إذا تاب التوبة المعتبرة، ومنع أبو حنيفة عوده إلى الثانية. واستدل الجمهور بأدلة منها: أن الجمل المعطوف بعضها على بعض بمنزلة الجملة الواحدة؛ ولهذا فإنه لا فرق في اللغة بين قوله: اضرب الجماعة التي منها قتلة وسرّاق وزناة إلا من تاب، وبين قوله: اضرب من قتل، وسرق، وزنا، إلا من تاب، فوجب اشتراكهما في عود الاستثناء إلى الجميع. ومنها: أن الإجماع منعقد على أنه لو قال: والله لا أكلت الطعام، ولا دخلت الدار، ولا كلمت زيدا، واستثنى بقوله: إن شاء الله أنه يعود إلى الجميع. ومنها: أن الاستثناء صالح لأن يعود إلى كل واحدة من الجمل، وليس البعض أولى من البعض فوجب العود إلى الجميع كالعام. إذا تقرر ذلك، وثبت لك ما هنالك، فيمكن القول: إنه لم ينقل عن الشافعي نص في هذه المسألة بخصوصها، وإنما أخذ من مذهبه في مسألة المحدود بالقذف، والشافعي إنما صار إلى ذلك؛ لأن ذكر الجمل هناك لم يكن إضرابا عن الجملة المتقدمة؛ لأن الآيات سيقت لغرض واحد، وهو الجزاء على تلك الجريمة. وقال صاحب "المصادر": الخلاف في هذه المسألة إنما نشأ من اختلافهم في الفروع من المحدود في القذف، هل تقبل شهادته بعد التوبة أم لا؟ على معنى أنهم اختلفوا في هذه المسألة التي هي فرع، حداهم هذا الاختلاف الذي هو أصل لذلك الفرع، لا أنهم ذهبوا فيما هو فرع هذا الأصل إلى مذاهب، ثم رتبوا عليه هذا الأصل، لأن هذا عكس الواجب؛ من حيث إن الفزع يترتب على أصله، ويستوي عليه، لا أن يترتب الأصل على فرعه، ويستوي عليه؛ فإن ذلك بمنزلة تسوية الصنجة على مقدار المبتاع، في أنه غير صحيح ولا مستقيم؛ إذ الصحيح المستقيم أن يستوي مقدار المبتاع الموزون على الصنجة المعتدلة. انتهى. ينظر: البحر المحيط 3/312، البرهان 1/388، المستصفى 2/174، 180 المنخول (160)، المحصول1/3/63، المعتمد 1/264، التبصرة (172)، شرح الكوكب (3/313)، إرشاد الفحول (152)، شرح العضد 2/139، جمع الجوامع 2/17، تيسير التحرير 1/302، فواتح الرحموت 1/332، التلويح 2/303، الإحكام للآمدي 2/278، أصول السرخسي 1/75، شرح المنتهى لابن الحاجب (192) الإبهاج 2/162، نشر البنود 1/250، المسودة (156) الروضة (134) (135) العدة 2/678، فصول البدائع للفناري 2/118، وفتح الغفار 2/128.
[2924]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/135.
[2925]:- ينظر: تفسير البغوي 1/171.
[2926]:- ينظر: تفسير البغوي 1/171.
[2927]:- ينظر: تفسير البغوي 1/171.
[2928]:- ينظر: تفسير البغوي 1/171.
[2929]:- ينظر: تفسير البغوي 1/171.
[2930]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/136.
[2931]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/136.
[2932]:- ينظر: تفسير الفخر الرازي 5/136.