قد تقدم إعراب نظائرها إلا أنّ بعضهم ذكر وجوهاً مردودة لا بُدّ من التنبيه عليها ، فأجاز أن يكون " أولئك " مبتدأ ، و " الذين اشتروا " خبره ، " فلا يُخَفَّف عنهم العَذَاب " خبراً ثانياً ل " أولئك " .
قال : ودخلت الفاء في جواب الخبر لأجل الموصول المشبه بالشرط وهذا خطأ فإن قوله : " فَلا يُخَفَّفُ " لم يجعله خبراً للموصول حتى تدخل " الفاء " في خبره ، وإنما جعله خبراً عن " أولئك " وأين هذا من ذاك ؟
وأجاز أيضاً أن يكون الذين مبتدأ ثانياً ، و " فلا يخفف " خبَره ، دخلت لكونه خبراً للموصول ، والجملة خبراً عن " أولئك " .
قال : ولم يَحْتَج هذا إلى عائد ؛ لأن " الذين " هم " أولئك " كما تقول : " هذا زيد منطلق " ، وهذا أيضاً خطأ لثلاثة أوجه :
أحدها : خلوّ الجملة من رابط ، وقوله : " لأن الذين " هم " أولئك " لا يفيد ، فإن الجملة المستغنية لا بُدّ وأن تكون نفس المبتدأ .
وأما تنظيره ب " هذا زيد منطلق " فليس بصحيح ، فإن " هذا " مبتدأ و " زيد " خبره ، و " منطلق " خبر ثانٍ ، ولا يجوز أن يكون " زيد " مبتدأ ثانياً ، و " منطلق " خبره ، والجملة خبر عن الأول ، للخلو من الرابط .
الثاني : أن الموصول هنا لقوم معيّنين وليس عامّاً ، فلم يُشْبه الشرط ، فلم تدخل " الفاء " في خبره .
الثالث : أن صلته ماضية لفظاً ومعنى ، فلم تشبه فعل الشرط في الاستقبال ، فلا يجوز دخول الفاء في الخبر .
فتعيّن أن يكون " أولئك " مبتدأ والموصول بصلته خبرَه ، و " فلا يخفف " معطوف على الصِّلَةِ ، ولا يضر تَخَالُف الفعلين في الزمان ، فإنّ الصِّلاتِ من قبيل الجُمَل ، وعطف الجمل لا يشترط فيه اتحاد الزمان ، فيجوز أن تقول : جاء الذي قتل زيداً أمس ، وسيقتل عَمْراً غداً ، وإنما الذي يشترط فيه ذلك حيث كانت الأفعال منزلة منزلة المفردات .
وقيل : دخلت " الفاء " بمعنى جواب الأمر كقوله : أولئك الضّلال انتبه فلا خير فيهم .
حمل بعضهم عدم التخفيف على عدم الانقطاع ؛ لأنه لو انقطع لكان قد خفف ، وحمله آخرون على الشدّة لا على الدوام ، أو في كلّ الأوقات ، فإذا وصف عذابهم بأنه لا يخفّف عنهم اقتضى ذلك نَفْيَ جميع ما ذكرناه .
قوله : { وَلاَ هُمْ يَنْصَرُونَ } يجوز في " هو " وجهان :
أحدهما : أن يكون في محلّ رفع بالابتداء ، وما بعده خبره ، ويكون قد عطف جملة اسمية على جملة فعلية وهي : " فلا يخفف " .
والثاني : أن يكون مرفوعاً بفعل محذوف يفسره هذا الظاهر ، وتكون المسألةُ مِنْ باب الاشتغال ، فلما حذف الفعل انفصل الضَّمير ؛ ويكون كقوله : [ الطويل ]
645- فإِنْ هُوَ لَمْ يَحْمِلْ عَلَى النَّفْسِ ضَيْمَهَا *** فَلَيْسَ إِلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيلُ
وله مرجّح على الأول بكونه قد عطف جملة فعلية على مثلها ، وهو من المواضع المرجح فيها الحمل على الفعل في باب الاشْتِغَال . وليس المرجح كونه تقدمه " لا " النافية ، فإنها ليست من الأدوات المختصة بالفعل ولا الأولى به ، خلافاً لابن السيد حيث زعم أَنَّ " لا " النافية من المرجّحات لإضمار الفِعْل ، وهو قول [ مرغوب عنه ] ولكنه قَوِيَ من حيث البحث . فقوله : " ينصرون " لا محلّ له على هذا ؛ لأنه مُفَسِّرٌ ، ومحلّه الرفع على الأولى لوقوعه موقع الخبر .
حمله بعضهم على نفي النُّصْرة في الآخرة ، والأكثرون حملوه على نفي النُّصْرة في الدنيا .
قال ابن الخطيب : والأول أولى ، لأنه تعالى جعله جزاء على صنعهم ولذلك قال : { فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ } وهذه الصّفة لا تليق إلا بالآخرة ؛ لأنَّ عذاب الدنيا وإن حصل ، فيصير كالحدود ؛ لأن الكُفَّار قد يصيرون غالبين للمؤمنين في بعض الأوقات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.