اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ} (149)

لما أمر اللهُ تَعَالَى بالاقتداء بأنصار الأنبياءِ حذَّر عن طاعة الكفار - يعني مشركي العرب - وذلك أنّ الكفار لما أرجفوا بقولهم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قُتِل ودعا المنافقونَ بعضَ ضَعَفَةِ المُسْلِمِين ، مَنَعَ المسلمين بهذه الآية عن الالتفات إلى كلام أولئك المنافقين .

وقيل : المرادُ - بالذين كفروا - عبد الله بن أبي وأتباعه في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم ، وادخلوا في دينهم ، وقالوا : لو كان محمدٌ رسولَ اللهِ ما وقعت له هذه الواقعةُ ، وإنما هو رجل كسائر الناسِ ، يَوْمٌ لَهُ ، وَيَومٌ عليه .

وقال آخرون : المراد - بالذين كفروا - اليهود الذين كانوا بالمدينة يُلْقُون الشُّبهَاتِ .

وقيل : المرادُ أبو سفيان ؛ لأنه كان شجرة الفتن .

قال ابنُ الْخَطِيبِ : " والأقرب أنه يتناول كُلَّ الكفار ؛ لأن اللفظ عامٌّ ، وخصوص السببِ لا يمنع من عموم اللفظِ " .

قوله : { يَرُدُّوكُم } جواب { إِن تُطِيعُواْ } وقوله : { إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ } لا يُمْكن حمله على طاعتهم في كل ما يقولونه ، بل لا بُدَّ من التخصيصِ .

وقيل : إن تطيعوهم فيما يأمرونكم به يوم أحُدٍ من ترك الإسلامِ .

وقيل : إن تطيعوهم في كل ما يأمرونكم به من الضلال .

وقيل في المشورة . وقيل في تَرْك المحاربة ، وهو قوله : { لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ } [ آل عمران : 156 ] ثم قال : { يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } يعني يردوكم إلى الكُفْر بعد الإيمان ؛ لأن قبولَهُم في الدعوة إلى الكفر ، ثم قال : { فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } فلما كان اللفظ عاماً دخل فيه خُسران الدنيا وخُسْران الآخرة .

أما خسران الدنيا فلان أشَقَّ الأشياء على العُقلاء في الدنيا الانقياد إلى العَدُوِّ ، وإظهار الحاجة إليه . وأما خُسْران الآخرة فالحرمان من الثواب المؤبَّد ، والوقوع في العقاب المخلَّد و " خَاسِرِينَ " حالٌ .