قوله تعالى : { يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِالْقِسْطِ } الآية .
لما حثَّهُم على الانْقِيَاد للتَّكَالِيف ، وهي مع كثرتها مَحْصُورَةٌ في نَوْعين : التَّعْظِيم لأمر اللَّه ، والشَّفقة على خَلْقِ اللَّه .
قوله : { كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ } إشارةٌ على التَّعْظيم لأمر اللَّه ، ومعنى القيام للَّه : هو أن يَقُومَ للَّه بالحقِّ في كلِّ ما يَلْزَمه ، وقوله : " شُهَدَاء بالقسطِ " إشارةٌ إلى الشَّفقة على خَلْقِ اللَّه ، فيه قولان :
الأوَّل : قال عطاءُ{[11167]} : لا تُحاب من شهادتِكَ أهْل وُدِّك وقَرابتِك ، ولا تمنع شهادتك أعداءَك وأضْدَادَك .
الثاني : أمرهم بالصِّدْق في أفْعالهم وأقوالهم ، وتقدَّم نَظِيرُها في " النِّسَاء " ، إلاَّ أنَّ هناك قدَّم لَفْظَة " القِسْط " وهنا أخِّرَت ، وكأنَّ الغَرَضَ في ذلك - والله أعلم - أنَّ آية " النِّسَاء " جِيء بها في مَعْرِض الإقْرَارِ على نَفْسِهِ ووالِدَيْه وأقَارِبِه ، فَبُدِئ فيها بالقِسْطِ الذي هو العَدْلُ من غير مُحَابَاة نَفْسٍ ، ولا والِدٍ ، ولا قَرَابَةٍ ، والَّتِي هنا جِيءَ بها في [ مَعْرِض ]{[11168]} ترك العداوة ، فبُدِئ فيها [ بالأمْر ]{[11169]} بالقِيَام لِلَّه ، لأنَّهُ أرْدَعُ لِلْمُؤمنين ، ثم ثُنِّي بالشَّهادة بالعَدْلِ ، فَجِيءَ في كُلِّ مَعْرضٍ بما يُنَاسِبُه .
وقوله : " َلاَ يَجْرمَنَّكُم " تقدَّم مثله ، وكذلك " شَنَآنُ قَوْمٍ " .
قوله تعالى : { عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ } .
أي لا يحملَنَّكُم بُغْضُ قومٍ على أن لا تَعْدلُوا ، وأراد : لا تَعْدِلوا فيهم فَحُذِفَ لِلْعِلْم به ، وظُهُور حرف الجرِّ هنا يرجحُ تَقْدِيرهُ .
قيل : والمعنى : ولا يَحْمِلَنَّكُم [ بُغْضُ ]{[11170]} قوم على أن تجُورُوا عَلَيْهم ، وتتَجاوزُوا الحدَّ ، بل اعْدِلُوا فيهم ، وإن أسَاءُوا إلَيْكم ، وهذا خِطَابٌ عامٌّ ، وقيل : إنَّها مُخْتَصَّةٌ بالكُفَّار ، فإنَّها نزلت في قُرَيْشٍ لما صَدُّوا المُسْلِمين عن المَسْجِد الحَرَام{[11171]} .
قوله : { اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } .
نهاهم أوَّلاً عن أن يَحْمِلَهُم البَغْضَاءُ على ترك العدلِ ، ثم اسْتَأنَفَ فصرَّح لهم بالأمْر بالعدْل تأكِيداً ، ثم ذكر عِلَّة الأمْر بالعَدْل وهو قوله : { هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } ، والمَعْنَى : أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من مَعَاصِي اللَّه ، وقيل : أقْرَبُ إلى الاتِّقَاء من عَذَابِ اللَّه .
و " هُوَ " ضمير المَصْدرِ المَفْهُوم من الفِعْلِ أي : العدل ، وفيه تَنْبِيهٌ على أنَّ وجوب العَدْلِ إذا كان مع الكُفَّار الذين هُمْ أعداءُ اللَّه بهَذِه الصِّفَة من القُوَّة ، فَكَيْفَ بوجُوبِهِ مع المُؤمنين الذين هم أوْلِيَاؤُه وأحِبَّاؤُه ، ثم ذكر كلاماً كالوعد{[11172]} للمُطِعين والوعيد للمُذْنِبِين ، وهو قوله : { وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ، يعني : [ أنَّه ] عالم بجميع المَعْلُومَات ، لا يَخْفَى عليه شَيْءٌ من أحْوَالِكُمْ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.