قوله - سبحانه - : { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } الآية .
لما ذَكَر التَّكَالِيفُ أرْدَفَهُ بما يُوجِبُ عَلَيْهِمْ القبُول والانْقِيَاد ، وذلك مِن وَجْهَيْن :
الأوَّلُ : كَثْرَةُ نِعَم اللَّهِ عَلَيْهِم ؛ لأنَّ كَثْرَة النِّعَمِ تُوجِبُ على المُنْعِمِ عَلَيْه الاشْتِغَالَ بِخِدْمَةِ المُنْعمِ ، والانْقِيَاد لأوَامِرِه ونَوَاهِيه .
وقال : " نِعْمَةَ اللَّه " ولمْ يَقُلْ " نِعَم اللَّهِ " ؛ لأنَّ هذا الجِنْسَ لا يَقْدِرُ عَلَيْه غير اللَّه ؛ لأنَّ نِعْمَة الحَيَاةِ ، والصِّحَّة ، والعَقْل ، والهِدَايَةِ ، والصَّوْن من الآفَاتِ ، وإيصَال الخَيْرَاتِ في الدُّنْيَا والآخِرَة شيء لا يَعْلَمُهُ إلاَّ الله تعالى ، وإنَّما المُرادُ [ التَّأمُّل ]{[11154]} في هذا النَّوْع مِن حَيْثُ إنَّهُ مُمْتَازٌ عن نِعْمَةِ غَيْرِهِ .
والوجه الثاني في السببِ المُوجبِ للانْقِيَادِ للتَّكَالِيفِ : هُوَ المِيثَاقُ الذي واثَقَكُمْ بِهِ .
فإن قِيلَ : [ قوله ]{[11155]} { وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ } مشعِرٌ بسَبْقِ{[11156]} النِّسْيَان : وكَيْفَ يُمْكِن نِسْيَانُها [ مع أنها ]{[11157]} مُتَوَاتِرَةٌ متَوالِيَةٌ [ علينا ]{[11158]} في جَميعِ السَّاعَاتِ والأوْقَاتِ ؟ فالجَوابُ : أنَّها لِكَثْرتها وتعاقُبها صارتْ كالأمْرِ المُعْتَاد ، فصارت غَلَبَةُ ظُهُورِهَا وكَثْرتها سَبباً لِوُقوعِهَا مَحَلَّ النِّسْيَان{[11159]} .
اختَلَفُوا في تَفْسِير هذا الميثاقِ ، فقال أكْثَرُ المُفَسِّرين{[11160]} : هو العَهْدُ الذي عَاهَدَ اللَّه عَلَيْه المُؤمنين حين بَايَعُوا رَسُول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرَّف وكرم - تَحْتَ الشَّجَرَةِ وغَيْرها على أن يكُونُوا على السَّمْعِ والطاعَةِ في [ المَحْبُوبُ والمكروه ]{[11161]} ؛ وأضَافَ الميثاقَ الصَّادِر عن الرَّسُول إلى نَفْسِهِ ، كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ } [ الفتح : 10 ] ، وأكَّدَ ذَلِكَ بأنَّهم التزمُوا وقالُوا : " سَمِعْنَا وأطَعْنَا " ، ثم حذَّرَهم عن نَقْضِ تِلْك العُهُود فلا تَعْزِمُوا بقلوبكم على نَقْضِهَا ، فاللَّهُ يَعْلَم ذلك ، وكَفَى به مُجَازِياً .
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ : هو المِيثاقُ الذي أخذه اللَّه على بَنِي إسْرائِيل حين قالُوا : آمَنَّا بالتَّوْرَاة وبكُلِّ ما فيها ، وكان من جُمْلة ما في التَّوْرَاةِ البِشَارَةُ بمقدم مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام {[11162]}- .
وقال مُجَاهِدٌ والكَلْبِي ومقاتلٌ : هو المِيثَاقُ الذي أخَذَهُ منهم حِين أخْرَجَهم من ظَهْر آدَم ، وأشْهَدَهُمْ على أنْفسِهم { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، قَالُوا :ْ بَلَى }{[11163]} .
وقال السّديّ : المُرَاد بالمِيثاقِ : الدَّلائل العَقْلِيَّة والشَّرْعِية التي نَصَبَها اللَّهُ على التَّوْحِيدِ والشَّرائعِ{[11164]} .
قوله تعالى : { إِذْ قُلْتُمْ [ سَمِعْنَا ]{[11165]} } ، في " إذْ " ثلاثةُ أوْجُه :
أظهرها : أنَّهُ مَنْصوب ب " وَاثَقَكُمْ " .
الثاني : أنَّهُ مَنْصَوبٌ على الحَالِ من الهَاءِ في " بِهِ " .
الثالث : أنَّهُ حال من [ " ميثاقِهِ " ]{[11166]} ، وعلى هذَيْن الوَجْهَيْن الأخيريْن يتعلَّقُ بمحذُوفٍ على القاعِدَة المُقَرَّرَةِ .
و " قُلْتُم " في محلّ خَفْضٍ بالظَّرْف ، و " سَمِعْنَا " في محلِّ نَصْبٍ بالقَوْلِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.