وقوله عز وجلا : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } الآية .
وهذا هو المُسْتَثْنَى مِنَ الإبَاحَةِ في قوله : { إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } [ المائدة : 1 ] وهو أحَدَ عَشَرَ نَوْعاً ، وقد تقدم إعرابُ : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } وأصْلُهَا .
واعلمْ أنَّ تحريمَ الميتةِ موافقٌ للمعقولِ ؛ لأنَّ الدمَ جوهرٌ لَطِيفٌ جِداً فإذا ماتَ الحيوانُ حَتْفَ أنْفِهِ احْتَبَسَ الدمُ في عُرُوقِهِ وتعفَّن وفَسَدَ ؛ وحصل من أكْلِهِ مَضَرَّةٌ .
وأمَّا الدمُ فقال الزَّمَخْشَرِيُّ : كانوا يَمْلَؤُونَ المِعَى مِنَ الدَّمِ وَيَشْوونَهُ{[10719]} ويُطْعمُونَه للضيفِ ، فحرّم الله ذلك عليهم .
وأما الخنزيرُ فقال العلماءُ{[10720]} : الغذاءُ يصيرُ جُزْءاً من جوهرِ المتغذِّي ولا بُدَّ أنْ يَحْصُلَ لِلْمُتغذِّي أخلاقٌ{[10721]} وصفاتٌ مِنْ جِنْسِ ما كان حَاصِلاً في الغذاء ، والخنزيرُ مَطْبوعٌ على حِرْصٍ عَظيمٍ ورغبة شديدةٍ في المُشْتهياتِ{[10722]} ، فحرَّمَ اللَّهُ أكلهُ على الإنسانِ لِئلاَّ يَتَكيّفَ بِتلْكَ الكيفيّةِ ؛ وذلك لأنَّ الفرنج لما وَاظَبُوا على أكْلِ لَحْمِ الخنزيرِ أوْرَثَهُمُ الحرص العظيم والرغبة الشديدة في المُشْتهياتِ ، وأورثهم عدم الغيرةِ ، [ فإنّ الخِنْزِيرَ يَرَى الذّكرَ من الخنزيرِ يَنْزُو على الأنْثَى التي لَهُ لا يتعرض إليه ؛ لعدم الغَيْرةِ ، وقد ]{[10723]} تقدمَ الكلام على الخنزيرِ واشتقاقِهِ في سورة البقرة .
وأمَّا الشاةُ فإنها حيوانٌ في غَايَةِ السَّلاَمَةِ ، وكأنَّها ذَاتُ عَارِيَةٍ عَنْ جَمِيعِ الأخْلاقِ ، فلذلك لا يَحْصُلُ للإنسانِ بِسَبَبِ أكْلِها كَيْفِيَّةٌ أجْنَبِيَّةٌ عن أحوالِ الإنسانِ .
وأمَّا ما { أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } ، والإهلالُ رَفْع الصوتِ ، ومنه يقالُ : فلانٌ أهَلَّ بالحجِّ إذَا لَبَّى ، ومِنْهُ استهلالُ الصَّبِي وهو صراخُهُ إذا وُلِد ، وكانوا يقولُونَ عند الذَّبْح باسم اللاَّتِ والعُزَّى ، فحرم الله ذلك ، وقدِّمَ هنا لَفْظُ الجلالةِ في قوله : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وأخِّرتْ{[10724]} في البقرة [ آية 173 ] ؛ لأنَّها هناك فاصلةٌ ، أو تُشْبِهُ الفاصِلَةَ بخلاف هاهنا ، فإنَّ بَعْدَها مَعْطُوفاتٍ .
والمنخنِقَةُ وهي التي تموتُ خَنْقاً ، وهو حَبْسُ النَّفَسِ سَواءٌ فعل بها ذلك [ آدمِيٌّ أو ] اتفق لها ذلك في حَبْلٍ أوْ بين عُودَيْنِ أو نحوه .
وذكر قتادةُ أنَّ أهل الجاهليةِ كانوا يَخْنُقُونَ الشاةَ وغيرَها ، فإذا ماتَتْ أكَلُوها ، وذكر نحوه ابنُ عباسٍ{[10725]} .
والمَوْقُوذَةُ : وهي التي وُقذَتْ أي : ضُربَتْ حتى ماتت من وَقَذَه أيْ ضَرَبَهُ حتى اسْتَرْخَى ، ومنه وَقَذَهُ النُّعَاسُ أيْ : غلبه ووقذه الحُلُم : أيْ : سكنه وكأنَّ المادة دالَّةٌ على سُكُونٍ واسْتِرخاءٍ ، ويدل في الموقوذةِ ما رُمِيَ بالبندقِ فماتَ ، وهي - أيضاً - في مَعْنى الميتةِ وفي معنى المنخنقةِ ، فإنها ماتَتْ ولم يَسِلْ دَمُهَا .
والمتردِّيَةُ : من تَرَدَّى ، أي : سَقَطَ مِنْ عُلُوٍّ فَهَلَكَ ، ويُقالُ : ما يُدْرَى أين{[10726]} " ردَى " ؟ أيْ : ذَهَبَ ، ورَدَى وتَرَدَّى بمعنى هَلكَ .
قال تعالى : { وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } [ الليل : 11 ] ، والمتردِّي أنْوَاعٌ : فالمترديةُ هي التي تسقطُ مِنْ جَبَلٍ أو مَوْضِعٍ مُشْرِفٍ أو في بِئْر فتموت ، فهذه مَيْتَةٌ ، لأنَّها ماتَتْ وما سَال منها الدمُ ، ويدخل فيه إذا أصابه سَهْمٌ وهو في الجبل فَسَقَطَ على الأرض ؛ فإنه يُحَرَّمُ أكْلُه ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ ماتَ بالتَّرَدِّي أوْ بالسَّهْم .
ودخلتِ الهاءُ في هذه الكلمةِ{[10727]} ؛ لأنّ المنخنقةَ هي الشاةُ المنخنقةُ ، كأنه قِيلَ : حُرِّمَتْ عليكم الشاةُ المنخنقةُ والموْقوذَةُ والمترديةُ ، وخَصَّ الشاة ؛ لأنَّها من أعَمِّ [ ما يَأكُلُ ]{[10728]} الناسُ ، والكلامُ يُخَرَّجُ{[10729]} على الأعَمِّ الأغْلَبِ{[10730]} ، ويكُونُ المرادُ هو الكُلَّ .
و " النَّطِيحَةُ " " فَعيلَة " بمعنى " مَفْعُولة " ، وكان مِنْ حَقِّها ألاَّ تَدْخُلَها تاءُ التأنيثِ كقَتِيل وجَريح ، إلاَّ أنَّها جَرَتْ مَجْرَى الأسماءِ ، أوْ لأنَّها لم يُذْكَرْ مَوصُوفُها ؛ لأنك إنْ لَمْ تُدْخِل الهاءَ لَمْ يُعرَفْ أرَجُلٌ هُوَ أمِ امْرَأةٌ ، ومثلُهُ : الذَّبِيحَةُ والنَّسيكَةُ . كذا قاله أبُو البَقاءِ ، وفيه نظر ؛ لأنَّهُم [ إنَّما ]{[10731]} يلحقون التاءَ إذا لم يذكر الموصوفُ{[10732]} لأجل اللَّبْسِ ، نَحْوَ : مررت بِقَتيلةِ بَنِي فُلانٍ ، لئلا يلتبس بالمؤنثِ وهنا اللَّبْسُ مُنْتفٍ ، وأيضاً فحكم الذكرِ والأنْثَى في هذا سَوَاءٌ .
والنَّطِيحَةُ هي التي تَنْطَحُها الأخْرَى فتموت ، وهذه - أيضاً - لأنها ماتت من غير سَيَلانِ الدَّم .
قوله تعالى : { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } " مَا " الأولى بمعنى " الَّذِي " ، وعائِدُهُ محذُوفٌ ، أيْ : وما أكلَهُ السّبُعُ ، ومحلُّ هذا الموصولِ الرفعُ عَطْفاً على مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُه ، وهذا غيرُ ماشٍ على ظاهره ؛ لأنَّ ما أكله السبعُ وفرغ منه لا يُذَكَّى ، فلا بُدَّ من حذف . ولذلك قال الزَّمَخْشَرِيُّ : وما أكَلَ بَعْضَهُ السبعُ .
وقرأ الحسنُ{[10733]} والفياض وأبو حَيْوة : " السَّبْعُ " بسكون الباءِ ، وهو تسكين المضموم ، ونقل فتح السين والباء معاً .
والسَّبُعُ : كُلُّ ذِي نَابٍ ومخْلب كالأسدِ والنَّمرِ ، ويطلقُ على ذِي المِخْلب من الطيور قال : [ الخفيف ]
وسبَاعُ الطَّيْر تَغْدُو بِطَاناً *** [ تَتَخَطَّاهُمُ فَمَا تَسْتقلُّ{[10734]} ]{[10735]}
معنى الكلام ما يُريدُ ما بَقِيَ مما أكل السبعُ . قال قتادةُ : كان أهْلُ الجاهلية إذا جَرَحَ السبعُ شَيْئاً فقتله وأكل بعضَه أكلُوا ما بَقِيَ ، فحرمه الله{[10736]} .
قوله تعالى : { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } فيه قولان :
أحدهما : أنه استثناءٌ متصلٌ ، والقائلون بهذا اختلَفُوا ، فقال عَلِيٌّ ، وابنُ عباسٍ ، والحسنُ وقتادةُ : هو مُسْتَثْنَى من قوله : " والمُنْخَنِقَة " إلى قوله : { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ } وعلى هذا إن أدْرَكْتَ ذكَاتَهُ{[10737]} بأنْ وَجَدْتَ عَيْناً تَطْرِفُ ، أوْ ذَنَباً يَتَحرَّكُ ، أوْ رجلاً تَرْكُضُ فاذْبَحْ فإنَّهُ حلالٌ ، فإنَّ هذه الحالَ تدلُ على بقاءِ الحياةِ فيه بتمامها .
وقال أبُو البَقاءِ : والاستثناءُ راجعٌ على المتردِّيةِ ، والنَّطِيحَةِ وأكيلة السبُع ، وليس إخراجُه المُنْخَنِقَة [ منه بجَيِّدٍ ]{[10738]} .
ومنهم من قال : هو مستثنى مما أكل السبعُ خاصَّة .
والقولُ الثاني : أنَّه منقطعٌ ، أيْ : ولكنْ{[10739]} ما ذَكيْتم مِنْ غيرها فحلالٌ ، أو فكُلُوه ، كأنَّ هذا القائِلَ رأى أنَّها وَصَلَتْ بهذه الأسبابِ إلى الموتِ ، أو إلى حالةٍ قَرِيبةٍ فلم تُفِدْ تَزْكِيتَها عِنْدَه شيئاً .
والتَّذْكِيَةُ : الذَّبْحُ ، وذَكَتِ النَّارُ : ارتفعتْ ، وأصلُ الذَّكاةِ تمامُ الشيء ومنه الذَّكاءُ في الفهمِ ، وهو تمامُهُ [ والذكاء ]{[10740]} في السِّن ، وهو النهايةُ في الشباب ، ذَكَى الرجُل أيْ : أسَنَّ ، قال : [ الوافر ]
عَلَى أعْرَاقِهِ تَجْرِي الْمَذَاكِي *** وَلَيْسَ عَلَى تَقَلُّبِهِ{[10741]} وجُهْدِهْ{[10742]}
وقيل : الاستثناءُ من التحريم لا مِنَ المحرماتِ ، يَعْنِي ، حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ما مَضَى إلاَّ مَا ذَكَّيْتُم فإنه لكم حلالٌ ، فيكون الاستثناءُ منقطعاً - أيضاً - .
وإذا قيل{[10743]} : أصلُ التذكيةِ الإتمامُ ، فالمرادُ ههنا إتمامُ فَرْي الأوَداجِ وإنْهارِ الدَّم .
قال - عليه الصلاة والسلام - : " مَا أنْهَرَ الدَّمَ ، وَذُكِرَ{[10744]} اسْمُ اللَّه عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ " {[10745]} .
قال القُرْطُبِيُّ{[10746]} : جمهورُ العلماءِ على أنَّ كلَّ ما أفرى الأوْدَاجَ فأنْهَر الدمَ فهو مِنْ آلاتِ الذَّكاةِ ما خلَى السِّنَّ والظُّفُرَ والعَظْمَ ، وعلى هذا تَوَاترتِ الأخبارُ .
وقال به{[10747]} فقهاءُ الأمصارِ ، والسنُّ والظُّفْرُ المنهيُّ عنهما في التذكية{[10748]} هما غَيْرُ المنزوعَيْنِ ؛ لأنَّ ذلك يَصيرُ خَنْقاً ، ولذلك قال ابنُ عباسٍ : ذلك الخنقُ .
فأمّا المنزُوعانِ إذا فَرَيا الأوْدَاجَ فالذكاةُ جائِزَةٌ بِهِمَا{[10749]} عِنْدَهُمْ .
وكره قومٌ السنَّ والظفرَ والعظمَ على كُلِّ حالٍ مَنْزُوعانِ كانا أو غَيْر منزُوعَيْنِ ، منهم إبراهيمُ والحسنُ واللّيْثُ بنُ سَعْدٍ ، وهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعي .
وأقلُّ الذَّكاةِ في الحيوانِ المقدُورِ عليه قطعُ الحُلْقُومِ والمري ، وكمالهُ أن يقطعَ الودجيْنِ معهما ، ويجوزُ بكل محدَّدٍ يجرح من حَديدٍ أو قصبٍ أو زجاجٍ أو حجرٍ أو غيره إلاَّ السِّنَّ والظفرَ للحديث المتقدم .
وإنَّما يحلُّ ما ذكيته بعدما جرحه السبعُ فأكل منه شيئاً إذا أدْرَكْتَهُ والحياةُ فيه مستقرةٌ فذبحتَهُ ، فأمَّا ما يجرحُ السبعُ فيخرجه إلى حالةِ المذبوحِ فهو في حُكمِ الميتَةِ فلا يكونُ حَلاَلاً ، والمُترديةُ والنَّطيحةُ إذا أدركتهما حيَّةً ، قَبْلَ أنْ تصيدَ إلى حالة المذبُوحِ فذبحتها تكونُ حلالاً ، ولو رُمِي صيدٌ في الهواءِ فأصابَهُ فسقَطَ على الأرضِ [ وماتَ كانَ حلالاً ؛ لأنَّ الوقوعَ على الأرضِ ضرورتُهُ ، فإنْ سقَطَ على شجرٍ أو جَبَلٍ فتردَّى منه ]{[10750]} فمات فلا يَحِلُّ ؛ لأنَّه من المتردية ، إلاَّ أنْ يكونَ السهمُ ذَبَحَهُ في الهواءِ فيَحِلّ كيفما وقع ؛ لأنَّ الذبحَ قد حصل قبل التردِيَةِ .
واختلفُوا [ فيمنْ رَفَعَ ]{[10751]} [ يَدَهُ ]{[10752]} قبل تمامِ الذَّكاةِ ثُم رجع [ على الفور ]{[10753]} وأكْمَلَ الذَّكَاة فقيل : يُجْزِئُهُ ، وقيل : لا يُجْزِئه .
فالأولُ أصَحُّ ؛ لأنَّه جَرَحَهُ{[10754]} ثُم ذَكَّاهُ بعدُ وحياته مُسْتَجْمعةٌ فيه .
قوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } رَفْعٌ - أيضاً - عطفاً على " الميتةِ " .
واختلفُوا في النُّصُبِ ، فَقِيل : هي حجارةٌ ، كانوا يَذْبَحُون عليها ، ف " على " هنا وَاضِحَةُ .
وقيل : هي الأصنَامُ ؛ لأنَّها تُنْصَبُ لتُعْبَد ، فعلى هذا في " على " وَجْهانِ :
أحدُهما : أنها بمعنى اللام{[10755]} ، أيْ : وما ذُبِحَ لأجْلِ الأصنامِ ، كذا ذكره أبُو البقاءِ وفيه نَظَرٌ ، وهو كونُه قَدَّرَ المتعلَّق شيئاً خاصاً .
والجمهورُ على " النُّصب " بضَمتين ، فقيل : هو جمعُ " نِصاب " {[10756]} .
وقيل : هو مُفْردٌ ويدل له قَوْلُ الأعْشَى : [ الطويل ]
وَذَا النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَقْربَنَّهُ *** ولا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ واللَّهَ فاعْبُدَا{[10757]}
وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ{[10758]} بضم النُّونِ وإسْكَانِ الصَّادِ ، وهو تخفيفُ القراءة الأولى .
وقرأ عيسى{[10759]} بنُ عُمَرَ : " النَّصَب " بِفَتْحتين .
قال أبُو البقاء : وهو اسمٌ بمعنى : المنصُوبِ ، كالقَبْضِ والنَّقَصِ ، بمعنى : المقبُوض والمنقُوصِ .
والحسنُ{[10760]} النَّصْب بفتح النون وسكُون الصادِ ، وهو مَصْدَرٌ واقعٌ مَوْقِع المفعولِ به ، ولا يجوزُ أنْ تكونَ تخفيفاً كقراءة عِيسَى بنِ عُمر ؛ لأنَّ الفتحةَ لا تُخَفَّفُ .
" النُّصُب " يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ جَمْعاً وأنْ يكونَ واحداً ، فإنْ كان جَمْعاً ففي واحدِه وُجُوهٌ :
أحدها : أنَّ واحدَهُ نصابٌ ونُصُبٌ ، كحِمار وحُمُر .
وثانيها : أنَّ وَاحِدَهُ نَصْبٌ فقولُكَ : نَصْبٌ ونُصُب كسَقْفٍ وسُقُف ، وهو قولٌ لابْن الأنْبَارِي{[10761]} .
وثالثها : أنَّ واحدهُ النَّصْبَةُ . قال اللَّيْثُ : [ النَّصْبُ ]{[10762]} جمعُ النَّصْبَةِ ، وهي علامةٌ تُنْصَبُ للقومِ ، وإنْ قُلْنا : النصبُ وَاحِدٌ ، فجمعُهُ أنْصَابٌ ، مثل عُنُق وأعْنَاق .
قال الأزْهَرِيُّ{[10763]} : وقد جعل الأعْشَى النُّصُبَ واحداً ، وذكر البيتَ المُتَقَدِّم لَكِنْ رَوَاهُ عَلَى وَجْهٍ آخر ، قال : [ الطويل ]
وَلاَ النُّصُبَ المَنْصُوبَ لا تَعْبُدَنَّهُ *** لِعَافِيَةٍ واللَّهَ رَبَّكَ فَاعْبُدَا{[10764]}
قال بَعْضُهمْ{[10765]} : النُّصُبُ الأوْثانُ ، واسْتَبْعَدَهُ قَوْمٌ ؛ لأنَّ هذا مَعْطُوفٌ على قولِهِ : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } وذلك هو الذَّبْحُ على اسمِ الأوْثانِ ، والمعطوفُ يَجِبُ أنْ يكُونَ مُغَايِراً للمعطوفِ عَلَيْهِ .
وقال ابنُ زَيْدٍ : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } ، { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } هُمَا وَاحِدٌ{[10766]} .
وقال مُجاهدٌ وقتادةُ وابن جُرَيح : كانَتْ حولَ البيتِ ثلاثمائة وستُّونَ [ حَجَراً مَنْصُوبَة ]{[10767]} كان أهلُ الجاهِليّةِ يَعْبُدُونَها وَيُعَظِّمُونها ويَذْبَحُونَ{[10768]} لها وليست هي بأصْنامٍ ، إنَّما الأصنامُ هي المصَوَّرةُ المنقوشَةُ ، وكانوا يُلَطِّخُونَها بتلك الدماءِ{[10769]} ، ويضعُون اللحومَ عليها . فقال المسلمون{[10770]} يا رسول الله : كان أهلُ [ الجاهلية ]{[10771]} يُعظمون البيتَ بالدَّمِ ، فنحنُ أحَقُّ أنْ نُعَظِّمَهُ ، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكَره ذلك ، فأنزل الله تعالى : { لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا } [ الحج : 37 ] .
وقوله : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } .
أحدهما : وما ذبح على الاعتِقادِ وتَعْظِيم النُّصب ]{[10772]} .
والثاني : ومَا ذُبِح لِلنُّصبِ ، و " اللاَّمُ " و " عَلَى " يتعاقَبَانِ . قال تعالى : { فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } [ الواقعة : 91 ] [ أي : فَسَلامٌ عَلَيْكَ ]{[10773]} ، وقال : { وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } [ الإسراء : 7 ] أي فعليها .
قولُه سبحانَهُ : { وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ } " أنْ " وما في حَيِّزهَا في مَحَلِّ رَفْعٍ عَطْفاً على " الميْتَةِ " .
والأزْلامُ : القِدَاحُ ، واحدُها : زَلْم ، وزُلْم بِفَتْح الزَّاي وضَمِّها ذكره الأخْفَشُ .
وإنَّما سُمِّيتِ القِدَاحُ بالأزلامِ ؛ لأنَّها زُلِمَتْ أي : سُوِّيَتْ ، ويقال : رجلٌ مُزْلِمٌ ، وامرأةٌ مُزْلِمَةٌ إذَا كان خَفِيفاً قَلِيلَ العلائِقِ ، ويقال : قَدَحٌ مُزْلَمٌ وزَلْم{[10774]} إذا حُرِّرَ وأُجِيدَ قَدُّهُ وَصِفَتُهُ ، ومَا أحْسَنَ ما زلم سهمه ، أيْ : سَوَّاهُ ، ويقالُ لِقَوائمِ البَقَرِ : أزْلاَمٌ شُبِّهَتْ بالقِدَاحِ{[10775]} لِلَطَافَتِهَا .
وَفِي الاسْتِقْسامِ بالأزلامِ قولانِ :
الأوَّلُ : كان أحدُهُم إذا أراد سَفَراً أو غَزْواً أو تِجَارَةً [ أو نِكَاحاً ]{[10776]} أو أمْراً آخَرَ ضرب بالقِدَاحِ ، وكانوا قد كتبوا على بعضها أمَرَنِي رَبِّي ، وعلى بعضها نَهَانِي رَبِّي ، وتركوا بَعْضَهَا خَالِياً عن الكِتَابَةِ ، فإنْ خرجَ الأمرُ أقدْمَ على العملِ ، وإنْ خرجَ النَّهْيُ أمْسَكَ وأعادَ ، وإنْ خرج الغَفْل أعاد العملَ مَرَّةً أخْرَى .
وذكر البَغَوِيُّ{[10777]} أنَّ أزلامَهم كانت سبعةَ أقْدَاحٍ مُسْتَوِيةً مِنْ شوحط يكونُ عند [ سادن ]{[10778]} الكعبة ، مكتوب على واحدٍ منها : نَعمْ ، وعلى واحد : لاَ ، وعلى واحدٍ منها : مِنْكم ، وعلى واحدٍ مِنْ غَيْرِكم ، وعلى واحد : مُلْصَق ، وعلى واحد : العَقْل ، وواحد غفل ليس عليه شيءٌ ، وكانوا إذا أرادُوا أمْراً أو تداوَرُوا في نَسَبٍ أو اختلفوا في تَحَمُّلِ عَقْلٍ جاءوا إلى هُبَل ، وهو أعظمُ أصْنامِ قُرَيشٍ ، وجاءوا بِمائَةِ دِرْهَمٍ وجَزُورٍ فأعطَوْها صاحبَ القِداح حتى يُجيلَ القومُ ويقولُون : يا إلَهنَا إنَّا أرَدْنَا كذا وكذا ، فإنْ خرج نَعَمْ فعلُوا ، وإنْ خرج : لا ، لمْ يَفْعَلُوا ذلك ، ثُم عادُوا إلى القِدَاح ثانيةً ، وإذا أجالُوا على نسبٍ ، فإنْ خرج منكُم [ كان وسيطاً منهم ، وإن خرج من غيركم كان حليفاً ، وإن خرج مُلْصقٌ كان على منزلته لا ]{[10779]} نسب له ولا حِلْفَ ، وإذا اختلفُوا في عَقْلٍ فمن خرج عليه قَدَحُ العَقْلِ حَمَلَهُ ، وإنْ خَرَجَ الغَفْل أجَالُوا ثانياً حتى يخرج المكتوبُ فنهى اللهُ تعالى عن ذلك وحرَّمهُ .
قال القُرطبيُّ{[10780]} : وإنّما قِيل لهذا الفعلِ اسْتِقْسام{[10781]} ؛ لأنَّهُمْ كانوا يَسْتَقْسِمُون به [ الرِّزْقَ ]{[10782]} فِيما يُريدون ، كما يُقال : الاستقسامُ في الاستدعاءِ للسقي ، ونظيرُ هذا الذي حرَّمه [ اللَّهُ ]{[10783]} قولُ المنَجِّم : لا يخرج من أجل نجم{[10784]} كذا ، وأخرج من أجل نَجْم كذا .
وقال المؤرِّجُ وكثيرٌ مِنْ أهْلِ اللُّغَةِ : الاستقسامُ هاهنا هو المَيْسِرُ والقمارُ ، ووجهُ ذِكْرِها مع هذه المطاعِمِ أنَّها كانت تقعُ{[10785]} عند البيتَ مَعَها .
وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ : الأزلامُ حَصًى بيضٌ يَضْرِبُونَ بها{[10786]} ، وقال مُجاهِدٌ هي كعابُ فارسٍ والرُّومِ التي يَتَقَامَرُونَ بها{[10787]} .
وقال الشَّعْبِيُّ : الأزلامُ للعرب والكعابُ للعَجَمِ .
وقال سُفيانُ بنُ وكِيع : هي الشَّطَرَنج{[10788]} ، قال عليه الصلاة والسلام : " مَنْ تَكَهَّنَ أو اسْتَقْسَمَ أو تَطَيَّرَ طيرةً تردّه عن سَفَرِهِ لَنْ يَلِجَ الدرجاتِ العُلَى مِنَ الجنَّةِ " {[10789]} .
قوله : " ذَلِكُمْ فِسْقٌ " مُبْتَدأ وخَبَرٌ ، واسمُ الإشارَةِ راجعٌ إلى الاستقسام بالأزلامِ خاصّةً ، وهو مَرْوِيٌّ عن ابْنِ عبَّاسٍ ؛ لأنَّ معناه : حَرَّمَ عليكم تَناوُلَ الميْتَة [ وكذا ]{[10790]} ، فرجع اسمُ الإشارةِ إلى هذا المُقَدَّرِ ، فإنْ قيل : لم صار الاستقسامُ بالأزلامِ فِسْقاً والنبيُّ صلى الله عليه وسلم كان يُحِبُّ الفَألَ [ الحَسَن ]{[10791]} ؟
فالجوابُ : قال الواحِدِي{[10792]} : إنَّما حرّم ذلك ؛ لأنَّه طلبٌ لمعرفةَ الغَيْبِ ، وذلك حرام لِقَوْلِه تعالى : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً } [ لقمان : 34 ] وقوله تعالى : { لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ } [ النمل : 65 ] ، والحديث المتقدم .
قوله تعالى : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } " اليَوْمَ " ظرف مَنْصُوبٌ ب " يَئِسَ " ، والألفُ واللامُ فيه للْعَهْدِ .
قيل : أراد به يَوْمَ " عَرَفَة " وهو يَوْمُ " الجُمُعَةِ " عام حَجَّةِ الوَدَاعِ نزلت هذه الآيةُ فيه بَعْد العَصْرِ .
[ وقيل : هو يوم ]{[10793]} دخوله صلى الله عليه وسلم " مَكَّةَ " سنةَ تِسْعٍ .
وقِيل : [ سنة ]{[10794]} ثَمَانٍ .
وقال الزَّجَّاجُ - وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ - : إنَّها لَيْسَتْ للْعَهْدِ ، ولم يُرِدْ ب " اليوم " [ يوماً ]{[10795]} مُعَيَّناً ، وإنَّما أراد به الزمانَ الحاضِرَ وما يُدانيه من الأزْمِنَةِ الماضِيَةِ والآتِيَةِ كقولك : كُنْتَ بالأمْس شابًّا{[10796]} ، وأنْتَ اليومَ أشْيَب ، لا تُرِيدُ بالأمسِ الذي قَبْلَ يَوْمِك ، و [ لا ]{[10797]} باليومِ الزَّمَن الحاضِر فَقَطْ ، ونحوه " الآن " في قَوْلِ الشَّاعِرِ : [ الكامل ]
الآنَ لَمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتِي *** وعَضَضْتُ مِنْ نَابِي عَلَى جذْم{[10798]}
ومثله أيضاً قوله زهير : [ الطويل ]
وأعْلَمُ مَا في اليَوْمِ والأمْسِ قَبْلَهُ *** وَلكنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غدٍ عَمِ{[10799]}
والجمهورُ على " يَئسَ " بالهمزة ، وقرأ يَزِيدُ{[10800]} بنُ القَعْقَاع " يَيسَ " بِيَاءيْنِ مِنْ غَيْرِ همزة .
ورُوِيَتْ - أيضاً - عَنْ أبِي عَمْرو ، ويقال : يَئِسَ يَيْئَسُ ويَئْيِسُ بفتح عَيْنِ المضارعِ وكسرها ، فهو شاذّ .
ويقال : أيس [ أيضاً ]{[10801]} مقلوبٌ من " يَئِسَ " فوزنُهُ " عَفِل " ويدلُ على القَلْبِ كَوْنُهُ لم يُعَلَّ ، إذ لو لم يقدر ذلك لَلَزِمَ إلغاءُ المقتضى ، وهو تَحَرُّكُ حَرْفِ العِلّة ، وانفتاحُ ما قبله ، لكنَّه لما كان في مَعْنَى ما لم يُعَلَّ صَحَّ .
واليَأسُ : انقطاعُ الرَّجاءِ ، وهو ضدُّ الطَّمَعِ .
" مِن دِينِكُمْ " مُتَعلقٌ ب " يئس " ، ومعناها ابتداءُ الغَايَةِ ، وهو على حَذْفِ مُضَاف ، أي : منْ إبْطَالِ أمْرِ دِينكم .
لَمَّا حَرَّم وحَلَّلَ فِيما تقدم ، وخَتَمَ الكلام بقوله : " ذَلِكُمْ{[10802]} فِسْقٌ " ثُمَّ حَرَّضَهُم على التمسُّكِ بما شَرَع لهم ، فقال : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } أي : فلا تخافُوا المُشْرِكين في خلافكم لهم{[10803]} في الشَّرائعِ والأدْيَانِ ، فإنِّي أنْعَمْتُ عليكم بالدولةِ القاهِرةِ ، وصارُوا مَقْهُورِينَ لكم ذَلِيلينَ عندكم ، وحصل لهم اليأسُ مِنْ أنْ يَصِيروا قاهِرين لكم مُسْتَوْلِين عليكم ، وإذا صار الأمرُ كذلك فيجبُ عليكم أنْ لا تَلْتَفِتُوا إليهم وأنْ تُقْبِلُوا على طاعَةِ اللَّهِ تعالى ، والعملِ بشرائعِهِ .
وفي قوله : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } قولان :
الأولُ : يَئِسُوا مِنْ أنْ يُحَلِّلُوا الخبائِثَ بعد أنْ جعلها الله محرمةً .
والثاني : يَئسُوا مِنْ أنْ يَغْلِبُوكم على دينكُم ؛ لأنَّ الله تعالى قد وعد بإعلاء هذا الدين على كُلِّ الأديانِ بقوله : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ } [ التوبة : 33 ] فَحَقَّقَ ذلك النَّصْرَ ، وأزالَ الخوفَ .
واسْتَدَلُّوا بهذه الآيةِ على أنَّ التقيَّةَ جائِزةٌ عِنْد الخوفِ ؛ لأنَّ اللَّه تعالى أمرهم بإظهارِ الشَّرائعِ عند زوال الخَوْفِ مِنَ الكفَّارِ ، فدلَّ على جوازِ تركِهَا عند الخوف{[10804]} .
قوله سبحانه وتعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } في قوله : " الْيَوْمَ " [ كالكلام في " اليوم " ]{[10805]} قبلَهُ .
نزلت هذه الآيةُ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ بعد العصر فِي حجَّةِ الوداع ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم [ وشرف وكرم ومجد وعظم ]{[10806]} وَاقِف بِعَرَفات على ناقَتِهِ العَضْبَاءِ فكاد عَضُدُ الناقةِ يَنْقَدُّ من ثِقلها ، فَبَرَكَتْ .
عن عُمَر بن الخطَّابِ رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً من اليهودِ قال له : يا أميرَ المؤمِنينَ آيةٌ في كتابكم تقرؤونها ، لو علينا مَعْشَرَ يَهُودٍ نَزَلَتْ لاتَّخَذْنَا ذلِكَ اليومَ عِيداً ، قال : أيُّ آيةٍ ؟ قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } قال عُمَرُ : قَدْ عرفْنَا ذلك اليوم والمكانَ الذي أنْزِلَتْ فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائِمٌ بِعَرَفَةَ يوم جمعة{[10807]} .
أشار عُمَرُ إلى أن ذلك اليومَ كان لنا عِيداً .
قال ابنُ عباسٍ : كان ذلك اليوم خمسةَ أعْيادٍ ، جُمْعَةً وعَرفَةَ وعِيدَ اليَهُودِ والنَّصارَى والمَجُوسِ ، ولم يَجْتَمِعْ أعيادُ أهْلِ المِلَلِ في يوم قبله ولا بعده{[10808]} .
وروى هارونُ بنُ عنترةَ عن أبيه قال : " لما نزلت هذه الآيةُ بَكَى عُمَرُ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ما يُبْكِيكَ يا عُمَرُ ؟ " فقال : أبْكانِي أنا كنا في زيادَةٍ مِنْ ديننَا ، [ فأما إذْ ]{[10809]} كمُلَ فإنَّهُ لم يكمل{[10810]} شيءٌ إلا نَقَصَ ، قال : " صَدَقْتَ " ، فكانت هذه الآيةُ نَعْيَ النبي صلى الله عليه وسلم{[10811]} .
وعاش بعدها إحْدَى وثمانِينَ يَوْماً ، ومات يَوْم الاثنَيْنِ بعدما زَاغَتِ الشمسُ لليلتين خَلَتَا من شهرِ ربيع الأوَّلِ سَنَة إحْدَى عَشَر مِنَ الْهِجْرَةِ ، وقيل : يومَ الاثنين يَوْمَ الثاني عشر مِنْ ربيع الأولِ ، وكانت هجرتُه في الثاني عشر مِنه .
فقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يَعْنِي يوم نُزولِ هذه الآيةِ أكملتُ لكُمْ دينكمْ الفَرائِضَ والسُّنَنَ ، والحدُودَ والجهادَ ، والحلالَ والحرامَ ، فلم ينزل بعد هذه الآيةِ حلالٌ ولا حرامٌ ولا شيءٌ من الفرائِضِ ، وهذا [ معنى ]{[10812]} قولِ ابْنِ عباسٍ{[10813]} .
ورُوي عنه أنَّ آيةَ الرِّبَا نزلت بعدها ، وقال سَعِيدُ بنُ جُبَيْر وقتادةُ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } فلم يَحُجَّ معكم مشْرِكٌ ، وقيل : أظهرت دينَكُمْ وأمَّنْتكم من العدُوِّ{[10814]} ، وقوله تعالى : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يَقْتَضِي أن الدين كان نَاقِصاً قَبْلَ ذلك ، وذلك يُوجِب أنَّ الدينَ الذي كان عليه محمدٌ صلى الله عليه وسلم مُواظِباً عليه أكْثَرَ عُمُرِه كان ناقصاً ، وإنما وُجِدَ الدينُ الكامل في آخر عمرِهِ مُدَّةً قليلةً .
أحدها : أنَّ المرادَ ما تقدم من إزالةِ الخوفِ عنهم ، كما يقولُ الملِكُ إذا اسْتَوْلى على عدوه وقَهَرَهُ قَهْراً كُلِّياً : كَمُلَ ملكُنَا ، وهذا ضَعيفٌ ؛ لأنَّ مُلْكَ ذلك المَلِك كان قبل قَهْرِ العدو ناقصاً فينبغي على هذا أن يُقال : إنَّ دينَ محمد صلى الله عليه وسلم كان ناقصاً قبل ذلك اليوم .
ثانيها : [ أنَّ ]{[10815]} المراد أكملتُ لكُم ما تَحْتَاجُون إليه في تكاليفكم من تعاليم الحلالِ والحرامِ ، وهذا - أيضاً - ضعيفٌ ؛ لأنه لو لم يُبَيّن قبل هذا اليوم ما كانوا مُحْتاجين إليه من الشرائعِ ، كان ذلك تأخيراً للبيانِ عن وقت الحاجة ، وأنه لا يَجُوزُ .
وثالثها : وهو المختارُ ما ذكره القفَّالُ{[10816]} وهو أن الدينَ ما كان ناقصاً ألْبَتَّةَ ، بل كان كامِلاً أبداً ، وكانت الشرائِعُ النازِلةُ من عند الله تعالى في كل وقت كافية في ذلك إلا أنه تعالى كان عالماً في أوّل وقتِ المبعثِ في أن هذا اليوم ليس بكاملٍ في الغَدِ ، ولا مَصْلَحَةَ فيه ، فلا جَرَمَ كان يُنْسَخ بعد الثبوت ، وكان ينزل بعد العدم ، وأما في آخر زمانِ المبْعَثِ فأنزل الله شريعةً كامِلَةً ، وحكم ببقائها إلى يوم الدِّين{[10817]} .
فالشرعُ أبداً [ كَانَ ]{[10818]} كامِلاً ، إلاَّ أنَّ الأوّلَ كمال إلى زمان مَخْصُوصٍ والثاني : كمالٌ إلى يوم القيامة ، فلهذا قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } .
وأجاب القُرْطبي{[10819]} : يقال : لِمَ قُلتَ إن كل نقص فهو عَيْبٌ ، أرَأيْتَ نُقْصانَ الشَّهْرِ عَيْباً ؟ ونُقْصان صلاةِ المسافرِ أهُوَ عَيْبٌ ونقصان العمر الذي أراده الله بقوله : { وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } [ فاطر : 11 ] أهو عيب ؟ وكذلك نُقصَانُ أيّامِ الحَيْضِ عن المعهود ؟ ونقصان أيام الحمل ؟ ونقصان المال بسرقَةٍ أو حَرِيقٍ أو غَرَقٍ إذا لم يَفْتقر صاحبه ؟ فنقصان الدين في الشرع قَبْلَ أن يلحق الله الأجزاء الباقية في عِلْمِ الله تعالى لَيْسَ بعَيْبٍ ، فمعنى قوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } يخرج على وجهين :
أحدهما : أن المراد بلَّغْتُه أقْصَى الحد الذي كان له عندي فيما قضيتُهُ وقدَّرْتُهُ ، وذلك لا يُوجِبُ أنْ يكونَ ما قَبْلَ ذلك ناقصاً عما كان عند الله تعالى لكنه يُوصَفُ بنُقصان مُقَيّد ، فيقال : أكمل الله ناقِصاً عما كان عند الله تعالى أنه مُلحِقه به وضامه إليه كالرجل يُبلغه الله تعالى مائةَ سَنَةٍ ، فيُقالُ : أكمل الله عُمُرَهُ [ فلا يلزم من ذلك أنْ يكون عُمُره ]{[10820]} ناقصاً حِين كان ابْن ستِّين سنة نَقْصَ قُصُورٍ وخللٍ{[10821]} ، فإن النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ{[10822]} : " مَنْ عمَّره الله سِتين سَنَةً فقد أعْذَرَ إليه في العُمُر " {[10823]} . وقد بلغ الله بالظُّهر والعصر والعشاء أربع ركعات ، فلو قيل : أكملها كان الكلامُ صحيحاً ، ولا يَلْزَمُ من ذلك أنَّها حينَ كانت ركعتين كانت ناقصةً نَقْصَ قُصُورٍ وخللٍ ، ولو قيل : كانت ناقصة عما عند الله أنه ضامَّه إليها وزائده عليها لكان ذلك صحيحاً ، فهكذا هذا في شرائع الإسلام وما كان شرع منها شيئاً فشيئاً إلى أنْ أنْهى الله الدِّين مُنْتَهَاهُ الذي كان له عنده .
الثاني : أنَّ المراد بقوله : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } أنَّهُ وفَّقَهُمْ إلى الحجِّ الذي لم يكن بقي عليهم مِنْ أرْكان دينهم{[10824]} غَيْرُه ، فحَجُّوا فاستجمع{[10825]} لهم الدِّين أداء لأرْكَانِه ، ولقوله - عليه الصلاة والسلام - : " بُنِيَ الإسلامُ على خَمْسٍ " الحديثَ ، وقد كانُوا تشَهَّدُوا وصَلُّوا وزكوا وصامُوا وجاهَدُوا واعْتَمرُوا ولم يكونوا حجُّوا ، فلما حجُّوا ذلك اليوم أنزل الله تعالى وهم بالموقف هذه الآية .
فصل رد شبه الاستدلال بهذه الآية على بطلان القياس
استَدلُّوا بهذه الآيةِ على بُطْلان القياسِ ، لأنَّ الآيةَ دلت على أنه تعالى قد نَصَّ على الحُكْمِ في جميع الوقائعِ ، [ إذْ لَوْ بَقِيَ بَعْضُهَا غَيْرَ مُبَيَّنِ الحكم لم يكن الدينُ كامِلاً ، وإذا حصلَ النص في جميع الوقائعِ ]{[10826]} فالقياسُ إنْ كان [ على ]{[10827]} وفْقِ النصِّ كان عَبَثاً ، وإنْ كان خلافَهُ كان باطِلاً .
وأجيبُ{[10828]} بأن المرادَ بإكْمالِ الدينِ أنَّهُ تعالى بيَّن حُكْمَ جَميعِ الوَقَائِعِ بعضها بالنص ، وبعضُها بيَّن طريقَ الحكمِ فيها بالقياسِ فإنَّهُ تعالى لما جَعَل الوقائع قِسْمَيْن :
أحدهما : التي{[10829]} نَصَّ على أحكامهما{[10830]} .
والثاني : أنواعٌ يمكنُ استنباطُ{[10831]} الحكمِ فيها بواسطةِ قياسِها على القسم الأولِ ، ثم إنَّه تعالى أمَرَ بالقياسِ ، وتعبَّد المُكَلفِين به فكان ذلك في الحقيقة بياناً لِكُل الأحْكامِ .
قال نُفاةُ القياسِ : الطريقُ المقتضيةُ لإلحاقِ غَيْرِ المنصُوصِ بالمنصُوصِ ، إمَّا أنْ تكونَ قَطْعِيَّةً أو غَيْرَ قَطْعِيَّةٍ .
فإنْ كانت قطعيّةً فلا نِزاعَ في صحته ، فإنَّا نسلم أن القياسَ المبنيّ على المقدمات اليَقِينيَّةِ حُجةٌ ، وهذا القياسُ يكون المصِيبُ فيه واحداً ، ومخالِفهُ يَسْتَحِقُّ العقاب وينْقَصُ به قضاءُ القاضِي ، وأنتم لا تقولون بذلك ، وإنْ كانت طريقة ظنية{[10832]} كان كل واحدٍ يُمْكِنُه أنْ يَحْكُمَ بما غلب على ظَنِّه مِنْ غَيْرِ أنْ يَعْلَم [ هل ]{[10833]} هو دين اللَّهِ أمْ لا ؟ وهل هو الحكمُ الذي حكم [ به الله ]{[10834]} أم لا ؟ ومثل هذا لا يكون إكْمالاً للدّين ، بل يكون ذلك{[10835]} إلقاءً للخلقِ في وَرطَة الظُّنونِ ، وأجيب{[10836]} بأنه إذَا كان كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُكَلَّفاً بالعمل بمقتضى ظَنِّه [ كان ]{[10837]} ذلك إكْمَالاً ويكون كُلُّ مكلفٍ قاطعاً بأنَّه عامل بحكم الله تعالى .
قوله سبحانه : { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي } " عليكم " متعلقٌ ب " أتممت " ، فلا يجوزُ [ تعلُّقهُ ]{[10838]} ب " نعمتي " ، وإن كان فعلها يتعدَّى ب " على " نحو : { أَنعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 37 ] ؛ لأن المصدر لا يتقدَّمُ عليه معمولُه{[10839]} ، إلا أن ينُوبَ مَنَابَهُ .
قال أبُو البقاءِ : فإنْ جعلتهُ على التَّبِيين أيْ : " أتْمَمْتُ " أعْنِي " عَلَيْكُمْ " جاز ولا حاجة إلى ما ادّعَاهُ .
ومعنى { أتممت عليكم نعمتي } أيْ : أنجزتُ وَعْدِي في قوله : { وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ } ، وكان مِنْ تَمَامِ نعمته أنْ دَخَلُوا مكةَ آمنينَ ، وعليها ظَاهِرِينَ ، وحَجُّوا آمنين مُطْمَئِنِينَ لمْ يخالِطْهُمْ أحَدٌ من المشركين .
قال ابنُ الخطيبِ{[10840]} : وهذا المعنى قد عُرِفَ بقوله : { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ } فَحَمْلُهُ على هذا تَكْرِيرٌ ، وإنما معنى قوله : { وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } أي : بسبب ذلك الإكمالِ ؛ لأنه لا نِعْمَةَ أتم مِنْ نعمة الإسلام .
قوله سبحانه : { وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً } في " رَضِيَ " وجهان :
أحدهما : أنه مُتعد لِواحدٍ ، وهو " الإسلامَ " ، و " دِيناً " على هذا حال .
وقيل : هو مُضَمَّنٌ معنى صَيَّرَ وجعل ، فيتعدَّى لاثْنَيْن ؛ أولهما : " الإسْلاَمَ " والثاني : " دِيناً " .
" لكم " يجُوز فيه{[10841]} وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب " رَضَيَ " .
والثاني : أنه متعلقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنَّه حالٌ من الإسلامِ ، ولكنَّه قُدِّمَ عليه .
ومعنى الكلام أنَّ هذا هو الدينُ المرضِيُّ عند الله ، ويُؤكِّدُهُ قوله تعالى : { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ } [ آل عمران : 85 ] .
وقوله تعالى : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ } قد تقدم الكلامُ عليها في البقرة [ آية : 173 ] .
و " فِي مَخْمَصَةٍ " متعلقٌ ب " اضْطُرَّ " ، [ ومعنى : " اضْطُرَّ " ]{[10842]} أُصِيبَ بالضر الذي لا يمكنه الامتناعُ معه من الميتةِ .
و " المخمصةُ " : المَجَاعَةُ ؛ لأنها تَخْمُصُ [ لها ]{[10843]} البطونُ : أيْ : تَضْمُرُ .
قال أهل اللُّغَةِ{[10844]} : الخَمْصُ والمَخْمَصَةُ : خَلاَءُ البطن من الطعامِ ، وأصْلُهُ مِنَ الخَمْصِ الذي هو ضُمُور البَطْنِ . يقال : رجل خميصٌ وخُمْصَان ، وامرأة خَمِيصَةٌ وخُمْصَانة ، والجمع خَمَائِصُ وخُمْصَانَاتٌ ، وهي صِفَةٌ مَحْمُودَةٌ في النساء .
ويقال : رجل خُمْصَان وامرأة خُمْصَانة ، ومنه أخْمَصُ القدمِ لدِقَّتِهَا ، ويستعمل في الجوع والغَرْث .
تَبِيتُونَ في المَشْتَى مِلاءً بُطُونكُمْ *** وَجَارَاتُكُمْ غَرْثَى يَبِتْنَ خَمَائِصَا{[10845]}
كُلُوا فِي بَعْضِ بَطْنِكُمُ تَعِفُّوا *** فإنَّ زَمَانَكُمْ زَمَنٌ خَمِيصٌ{[10846]}
وُصِفَ الزمانُ بذلك مبالغةً كقولهم : نَهَارُهُ صَائِمٌ ، ولَيْلُهُ قائم . و " غَيْرَ " نُصبَ على الحال .
قال بعضُهم : يَنْتَصِبُ بمحذوفٍ مُقَدَّرٍ على معنى : فيتناول{[10847]} غَيْر مُتجانِفٍ ، ويجوز أن يَنْتَصِبَ بقوله : " اضْطُرَّ " ويكونُ المقدرُ متأخراً .
والجمهور على " مُتجَانِفٍ " بألف وتخفيف النون من " تَجَانَفَ " .
وقرأ أبُو عبدِ الرحمن والنَّخَعِيُّ{[10848]} " مُتَجنِّفٍ " بتشديدِ النُّونِ دُونَ ألفٍ .
قال أبو مُحمدِ بن عَطِية : وهي أبْلَغُ من " متجانف " {[10849]} في المعنى ؛ لأنَّ شِدّةَ العينِ تدلُ على مُبالغةٍ وتوغُّلٍ في المعنى .
و " لإثم " متعلّق ب " متجانف " ، واللام على بابها .
وقيل : هي بمعنى " إلى " {[10850]} أي غَيْرَ مائِلٍ إلى إثْمٍ ولا{[10851]} حاجة إليه .
وقد تقدم معنى هذا واشتقاقها عند قوله : { فَمَنْ خاف من مُوصٍ جَنَفاً } .
قال القُرْطبي{[10852]} : هو معنى قوله : { غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ } [ البقرة : 173 ] ، ومعنى " الإثم " هاهنا أنْ تأكُلَ فوق الشِّبَع تلذُّذاً في قولِ أهل " العراق " .
وفي قولِ أهْلِ " الحجازِ " : أنْ تكُون عَاصِياً{[10853]} .
قال قتادةُ{[10854]} : غَيْرَ مُتَعرِّضٍ لمعْصِية في مقصده .
وقوله : { فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ } جُمْلةٌ ، إمَّا في محلِ جَزْمٍ ، أو رفعٍ على حَسَبِ ما قيل في " مَنْ " ، وكذلك القول في الفاء إما واجبةٌ أو جائزةٌ ، والعائدُ على كِلاَ التقديرين محذوفٌ ، أيْ : " فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ " له ، [ يعني ]{[10855]} : يَغْفِرُ له أكْلَ المُحَرَّمِ عند الاضطرارِ " رَحِيمٌ " بعباده ، حَيْثُ أحَلَّ لهم ذلك المحرمَ عند احتياجهم إلى أكْلِهِ ، وهذا مِنْ تَمام ما تقدم ذكره في المطاعِمِ التي حَرَّمَها الله تعالى ، يَعْنِي : إنها وإنْ كانت مُحرمةً إلا أنها تحل في حالِ الاضطرارِ ، ومن قوله : " فِسْق " إلى هاهنا - اعتراضٌ وقع في النَّسَقِ ، والغَرَضُ منه تأكيدُ ما ذُكِر مِنْ مَعْنى التحريم ، فإن تحريم هذه الخبائثِ من جملةِ الدِّينِ الكاملِ والنعْمةِ الثابتةِ والإسلامِ الذي هو الدينُ المرضيُّ عند الله تعالى .