اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يَمَسُّهُمُ ٱلۡعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ} (49)

والمقصود من هذه الآية أن الأنبياء إنما بُعِثُوا مُبَشِّرين بالثواب على الطَّاعاتِ ، ومُنْذِرينَ بالعِقَابِ على المَعَاصي ، ولا قُدْرَةَ لهم على إظْهَارِ الآيات والمُعْجِزَاتِ ، بل ذلك مُفَوَّضٌ إلى مَشِيئَةِ الله وحكمته .

قوله : { إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } حالٌ من " المرسلين " ، وفي هذه الحال معنى الغَلَبة ، أي : لم نرسلهم لأن نقترح عليهم الآيات ، بل لأن يبشروا وينذروا .

وقرأ{[13921]} إبراهيم ، ويحيى : " مُبْشِرين " بالتخفيف ، وقَدْ تقد‍َّم أن " أبْشَرَ " لغة في " بَشَّر " .

قوله : " فَمَنْ آمَنَ " يجوز في " مَنْ " أن تكون شَرْطِيَّةً ، وأن تكون مَوْصُولةً ، وعلى كلا التقديرين فَمَحَلُّهَا رفع بالابتداء .

والخبر " فلا خَوْفَ " فإن كانت شَرْطِيَّة ، فالفاء جواب الشَرْط ، وإن كانت مَوْصُولةً فالفاء زائدة لشبه الموصول بالشرط ، وعلى الأول يكون مَحَلُّ الجملتين الجَزْمَ ، وعلى الثاني لا مَحَلِّ للأولى ومحل الثانية الرفع ، وحمل على اللفظ فأفرد في " آمن " و " أصْلَحَ " ، وعلى المعنى فجمع في { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون } ، ويُقَوِّي كونها موصولة مقابلتها بالموصول بعدها في قوله : { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ } .

وقرأ{[13922]} علقمة : " نُمسُّهم " : بنون مضمومة من " أمَسَّه كذا " " العذابَ " نَصْباً ، والمَسُّ في اللغة التِقَاءُ الشيئين من غير فصل .

وقرأ الأعْمَش{[13923]} ، ويحيى بن وثاب " يَفْسِقُون " بكسر السّين ، وقد تقدَّم أنها لُغَةٌ ، و " ما " مصدريَّةٌ على الأظهر ، أي بِفِسْقِهِمْ .

فصل في رد شبهة للقاضي

قال القاضي{[13924]} : إنه -تعالى- عَلَّلَ عذابَ الكفَّار ؛ لأنهم فَاسِقينَ ، فاقتضى أن يكون كل فاسق كذلك ، فيقال له : هذا معارض بما أنه خص الذين كفروا وكذَّبوا بآيات الله وهذا يدل على أنه من لم يكن مكذّباً بآيات الله ألاَّ يلحقه هذا الوعيد أصلاً ، وأيضاً فإن كان هذا الوعيدُ معلّلاً بِفِسْقِهِمْ فلم قلتم : إن فِسْقَ من عرف الله ، وأقَرَّ بالتوحيد والنبوة والمعاد مُسَاوٍ لِفِسْقِ من أنكر هذه الأشياء ؟


[13921]:ينظر: الدر المصون 3/67.
[13922]:ينظر: الدر المصون 3/67.
[13923]:ينظر: الدر المصون 3/67.
[13924]:ينظر: الرازي 12/189.