لما وصفَ الرسل بكونهم مُبَشِّرينَ ومُنْذرينَ أمَرَ الرَّسُولَ في هذه الآية بالإنْذَارِ ، فقال : " وأنْذِرْ " أي : خوِّفْ به ، أي : بالقرآن ، قاله ابن عبَّاسٍ ، والزَّجاج{[13933]} لقوله تعالى قبل هذه الآية : { إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ } .
وقال الضَّحَّاكُ : " وأنذِرُ به " أي : بالله{[13934]} .
وقوله : { الذين يَخَافُونَ أن يُحْشرُوا } أي : يُبْعَثُوا ، فقيل : المرادُ بهم الكافرون الذين تقدَّم ذكرُهُمْ ؛ لأنه - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان يُخَوِّفُهُمْ من عذاب الآخرة ، وكان بعضهم يَتَأثَّرُ من ذلك التخويف ، ويقول : رُبَّمَا كان الذي يقوله مُحمَّدٌ حَقَّاً ، ولا يجوز حَمْلُهُ على المؤمنين ، لأن المؤمنين يَعْلَمُونَ أنهم يُحْشَرُونَ إلى ربهم ، والعلم خلاف الخوْفِ والظن .
ولقائل أن يقول : إنه لا يمتنع أن يدخل فيه المؤمنون ؛ لأنهم وإن [ تيقَّنُوا ]{[13935]} الحَشْرَ فلم يَتَيَقَّنُوا العذاب الذي يخاف منه لتجويزهم ألاّ يموت أحدهم على الإيمان ، وتجويز ألاَّ يموتوا على هذه الحالةِ ، فلهذا السَّبَبِ كانوا خائفين من الحَشْرِ بسبب أنهم كانوا مجوزين لحصول العذاب وخائفين منه .
وقيل : المُرَادُ بهم المُؤمِنُون ؛ لأنهم المُقِرُّونَ ، بِصِحَّةِ الحشر والنَّشْرِ والقيامة والبعث ، فهم الذين يَخَافُونَ من عذاب ذلك اليوم .
وقيل : إنه يَتَنَاوَلُ الكُلَّ ؛ لأنه عَاقِلَ إلاَّ وهو يَخَافُ الحَشْرَ ، سواء قَطَعَ بحصوله أو شَكَّ فيه ، ولأنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان مَبْعُوثاً إلى الكُلِّ ، وإنَّما خَصَّ الذين يخافون الحَشْرَ ، لأن انْتِفَاعَهُمْ بذلك الإنْذَارِ أكْمَلُ ؛ لأن خوفهم يحملهم على إعْدَادِ الزَّادِ ليوم المَعَادِ .
قوله : { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيع } العامل فيه " يخافون " وهاهُنَا بَحْثٌ ، وذلك أنه إذا كان المراد من الذين يَخَافُون أن يحشروا إلى ربهم الكُفَّار ، فالكلام ظاهر لأنه ليس بهم عند الله شُفَعَاءُ ، وذلك لأن اليهود والنصارى كانوا يقولون : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } [ المائدة :18 ] فكذَّبهم اللَّهُ فيه .
وقال في آية أخرى { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } [ غافر :18 ] ، وقال { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِين } [ المدثر :48 ] .
وإن كان المراد المسلمين ، فنقول : قوله : { لَيْسَ لَهُمْ مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ } [ لا ]{[13936]} ينافي مذهب أهل السُّنَّةِ في إثبات الشَّفاعَةِ للمؤمنين ، فنقول : لأن شفاعة الملائكة والرسل للمؤمنين إنما تكون بإذن الله -تعالى- لقوله : { مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ البقرة :255 ] فلما كانت تلك الشَّفاعةُ بإذن الله كانت في الحقيقة من اللَّهِ .
قوله : { لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } .
قال ابنُ عبَّاسٍ : وأنذرهم لكي يَخَافُوا في الدنيا ، وينتهوا عن الكفر والمعاصي{[13937]} .
قالت المعتزلة{[13938]} : وهذا يَدُلُّ على أنه -تعالى- أراد من الكُفَّار التَّقْوَى والطاعة ، وقد سَبَقَ الكلامُ على مِثْلِ هذا النوع مِرَاراً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.