اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْۚ وَٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (45)

قوله : " فَقُطِعَ دَابِرُ " الجمهور{[13903]} على " فَقُطِعَ " مَبْنِيَّا للمفعولِ " دابرُ " مرفوعٌ به .

وقرأ عِكْرِمَةُ{[13904]} : " قطع " مبنياً للفاعل ، وهو الله تعالى ، " دَابِرَ " مفعول به ، وفيه التِفَاتٌ ، إذ هو خروج من تكلم في قوله : " أخَذْنَاهُمْ " إلى غَيْبَةٍ .

و " الدَّابِرُ " التَّابعُ من خَلْفٍ ، يقال : دَبَرَ الوَلَدُ والِدَه ، ودَبَرَ فلان القَوْمَ يَدْبُرُهُمْ دُبُوراً ودَبْراً .

وقيل : الدَّابرُ الأصْلُ ، يقال : قَطَع اللَّهُ دَابِرَهُ ، أي : أصله قاله الأصْمَعِيُّ ، وقال أبُو عُبَيْدٍ : " دَابِرُ القوم آخِرُهُمْ " ، وأنشدوا لأميَّة بن أبي الصَّلْتِ : [ البسيط ]

فاستُؤصِلُوا بِعَذَابٍ حَصَّ دَابِرَهُمْ *** فَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ صَرْفاً وَلاَ انْتَصَرُوا{[13905]}

ومنه دَبَرَ السَّهْمُ الهَدَفَ ، أي : سقط خَلْفَهُ .

وفي الحديث عن عبد الله بن مَسْعُودٍ " مِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَأتِي الصَّلاةَ إلاَّ دُبريًّا " أي : في آخر الوقت{[13906]} .

فصل في المراد بالآية

والمعنى أنَّ الله -تعالى- اسْتَأصَلَهُمْ العذاب ، فلم يُبْقِ بَاقِيَةً .

و " الحمد لله رب العالمين " .

قيل : على هَلاّكِهِمْ .

وقيل : تعليمٌ للمؤمنين كيف يَحْمَدُونَهُ ، حَمَدَ اللَّهُ نَفْسَهُ على أنْ قَطَعَ دَابِرَهُم ؛ لأنه نِعْمَةٌ على الرُّسُلِ ، فَذَكرَ الحمْدَ تَعْلِيماً لهم ، ولمن آمن بهم أن يَحْمَدُوا الله على كِفَايَتِهِ شَرَّ الظالمين ، وليحمد محمد وأصحابه رَبَّهُمْ إذا أهلكنا المكذّبين .

وتضَمَّنَتْ هذه الآية الحُجَّة على وجوب ترك الظلم لما تعقَّب من قَطْعِ الدَّابرِ إلى العذابِ الدائم مع اسْتِحْقَاقِ القاطعِ للحمد من كل حَامِدٍ .


[13903]:ينظر: الدر المصون 3/65.
[13904]:ينظر: الدر المصون 3/65.
[13905]:البيت لأمية بن أبي الصلت ينظر: ديوانه ص (32)، تفسير القرطبي 6/275، الطبري 5/194، الدر المصون 3/65.
[13906]:ذكره القرطبي في تفسيره 6/275.